لم يجد أستاذ في جامعة بغرب البلاد  الوقت لكتابة «موعظة» للطلبة على موقع الجامعة على الانترنيت فانتقى كلمة لعميد جامعة عراقية ونسبها إلى نفسه، وربما لم يجد اللغة لكتابة شيء كان لا بد  أن يتبناه كي يعرف الناس أنه يكتب أيضا.
 الظاهرة ليست جديدة، فعمليات السطو في الرسائل الجامعية تحولت إلى عرف، لكن الأمر هنا يتعلق بمقال كان على السيد  ثمين الوقت ألا يشغل نفسه به ويتفرغ لما هو فيه من شأن. لكن الحادثة في حد ذاتها تؤشر إلى حال مدهشة أصبح عليها الناس في بلادنا: الإقدام على أي شيء دون تردد!
وبالطبع فإن الرجل الطيب المشار إليه هنا  والذي اكتشف  أمره أشقياء مجرد مثال عن «الإقدام الجزائري» الذي غيّر تعريفاته في القواميس وفسخ شراكته التقليدية مع الاجتهاد  وعاد بالكائن إلى طبعه الأول المتمثل في تحقيق الهدف بأي ثمن. لذلك لم يعد «التزوير» فعلا مخجلا من الناحية الاجتماعية بل تحوّل إلى ميكانيك للنجاح. وهاهو الآن يمتد إلى حقول ارتبطت بالاستحقاق والنزاهة  وهي عصب تطوّر المجتمعات على مرّ التاريخ.
ولا نحتاج هنا إلى برهان على أن تكرار «النجاح» عبر وسائل غير مشروعة يحول هذه الوسائل إلى ثقافة وطريق سير جماعي، ولعل الظواهر المشينة التي تحفل بها حياتنا اليوم هي نتيجة «نجاحات» أفراد تبنتها الجماعات التي تنشد النجاح وقد ننتهي، إن لم نكن قد انتهينا، إلى ابتداع حياة كاذبة مزورة  من قهوة الصباح إلى هجعة الليل.
 والظاهرة لا تحتاج إلى قمع قانوني  فحسب كي تنطفئ ولكنها تحتاج إلى إدانة جماعية وإلى انتباه  ما تبقى من النخب المطعمة ضد هذا الوباء الذي أخذ شكل بنية اجتماعية نمت كورم بجوار البنية الأبوية الأركائيكية التي استعصت على الهدم.
ملاحظة
الخوف ليس من تراجع أسعار النفط ولكن الخوف كل الخوف من ارتفاع نسبة المزيفين ومنسوب الزيف في الإنسان الجزائري.

سليم بوفنداسة

    • الخروج من حُجرة الكتابة

      خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو الذي فضّل أن يختتم الرحلة في الحجرة ذاتها التي شهدت ميلاد أبطاله، تمامًا كبطله  العجوز "بلانك" المحتجز في غرفةٍ ليُحاسب على ما...

    • قطارُ الباطل

      سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما...

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى