النسخة الورقية

 

 لسنا بحاجة إلى كتابة تاريخ الثورة، إذا ...؟

فجر ليلة الفاتح نوفمبر 1990 ، جمعنا، أنا وزميلي علي بن بلقاسم بعاصمة الأوراس باتنة ، لقاء مع  المجاهد  الكبير والسياسي الحكيم عبد الحميد مهري ( رحمه الله ) بغرض إجراء حوار حددناه سلفا ، وأن يكون بعد منتصف الليل ، وهذا بطلب من محاورنا أي بعد العودة من مقبرة الشهداء ورفع العلم الوطني .

طلبنا من سي عبد الحميد ( كما يطيب لرفاقه من المجاهدين ، وأتباعه من المناضلين والسياسيين وكثير من الذين عرفوا الرجل وعاشروه وأحبوه ) ، أن يكون حوارا مفتوحا وغير مقيد ، أي دون طابوهات...

طرحنا أسئلة كثيرة ومختلفة . وأذكر أن أول سؤال طرحناه على سي عبد الحميد ، كان : " لقد نزلتم بالأوراس بكل أثقالكم من المجاهدين وقيادي الجبهة ومناضليها أو ممن بقي وفيا لكم ، وأتباعكم من مختلف الولايات ، وكذا بطاقم حكومتكم ووزرائها ( حكومة حمروش ) فهل أنتم تحضرون لثورة جديدة تطلقونها  مجددا من الأوراس ، لسحب البساط من الفيس أو على الأقل لوقف زحفه وفرملة إجتياحه وإنتشاره " ؟ .

إنتهى عهد الثورات والزعامات ..

إبتسم سي عبد الحميد ، وقال : إنتهى عهد الثورات .. نحن لا نريد سحب البساط من تحت أي كان . نحن فقط نريد إسترجاع مواقع الجبهة التي أنهكتها شعارات الثورة وألهتها عن جوهر إنشغالات وهموم المواطن . نحن بحاجة إلى مراجعة عميقة لمسارنا ، وتقويمه مجردا من كل عاطفة وحسابات ذاتية تؤخر أكثر مما تفيد المجتمع والأمة . لقد إنتهى زمن الثورات ، وبدأ زمن العمل الجدي بعيدا عن الزعامات والصراعات . العالم يتطور وينفتح من حولنا ، ونحن مازلنا نتلهى بقشور وخلافات تهدد لحمة المجتمع برمته . والمصيبة إذا حدثت لن تستثني أحدا . وسيذهب الجمل ويضيع  بمن حمل  لأننا – كما أضاف – لا نستوعب الدروس والتجارب على النحو المطلوب " . وإستطرد في إجابته عن سؤال آخر عن كتابة تاريخ الثورة التحريرية ، بكل جرأة وصراحة لكن بهدوء السيد مهري المعهود : 

يجب إدراج المواقف في ظروفها  وسياقها التاريخي

" نحن في الجبهة أو بعضنا على الأقل ، حتى أكون دقيقا ، مع كتابة تاريخ الثورة وحفظه للأجيال للعبرة والإستفادة من تجربتنا ونضالنا . من إيجابياتنا وسلبياتنا . وهذا يتم من طرف مؤرخين أكفاء ، يتميزون بالموضوعية والحيادية والدقة . يعتمدون على حقائق وشواهد تسجيلية يمكن التحقق منها ... أي لا بد من التجرد من الذاتية والزعاماتية والإقصاء أو التحريف المتعمد أو عن جهل لنقص المعطيات وشح المعلومات عن مواقع أو مواقف لقادتنا وزعمائنا المجاهدين والسياسيين . إذ يجب فهم تلك المواقف والقرارات وإدراجها في سياقها وظروفها الظرفية والآنية . علينا أن ننظر إلى تلك الشواهد والمواقف مرتبطة بفترتها وسياق ظروفها المرتبطة بها ، وليس بظروفومعطيات اليوم " .

أقوى جملة للراحل في ذلك الحوار الذي نشر بأسبوعية الأوراس والتي كانت تصدر عن جريدة النصر  يومها ، هو قوله : " ... إذا كانت كتابة تاريخ الثورة التحريرية الممجدة ستجرنا اليوم إلى الإنقسام أوالفتنة وتشتيت القوى الحية للأمة أو ضرب الرموز الوطنية والتشكيك في بطولاتنا وإنتصاراتنا ، وتشريد أذهان شبابنا بالتشويه المقصود أو حتى غير المتعمد لأبطالنا وبطولاتنا وإنجازات شهدائنا ... في هذه الحالة تحديدا ، لسنا بحاجة إلى كتابة هذا التاريخ على عظمته وجلاله . قد تؤجل كتابته إلى مرحلة  ينضج  فيها  الجميع . وينظر إلى الثورة التحريرية كعامل محرك ومحفز على النهوض ورفع التحديات وشاحذ للإرادات والهمم . ومنطلق للفخر والعبرة من أسلافنا ، وأننا قادرون على رفع التحديات وربح معركة البناء والتطور والتحرر المتواصل من التخلف والفقروالمرض والمسك بناصية العلوم والتقدم ..  هذه أم معارك التحرير الكبرى ..." .     

عدت إلى أرشيفي الخاص هذا الأسبوع ، فاستوقفني ذلكم الحوار الذي أجريته برفقة زميلي السابق بن بلقاسم مع الراحل السياسي الحكيم سي عبد الحميد مهري ، وأنا أتابع  " معارك السياسيين " حاليا .

جميل أن تتهاطل الشهادات التاريخية في كتب باتت تصدر دون توقف .  

ومفيد أيضا أن يدلي " القادرون " بدلوهم وشهاداتهم حول ثورة التحرير وقياداتها وبطولاتها . بإيجابياتها ونقائصها ، في كتابات تفاعلية مؤثرة ومتأثرة . وفي ردود وردود مضادة . لقد سلط الذين تفرغوا لكتابة مذكراتهم ومشاويرهم الجهادية والنضالية والسياسية الأضواء على كثير من جوانب الظل والقضايا التي كانت إلى  وقت  قريب  " مناطق محرمة "  أو ممنوع الخوض والكلام  والكتابة عنها وفيها . لقد تحدث بعض المجاهدين والعسكريين والسياسيين والكتاب والمؤرخين والأساتذة والصحافيين ... في إصدارات متنوعة وعدد مقبول نسبيا ، وإن كان لم يرق بعد إلى تناول كل جوانب ما ينتظره الباحثون والطلبة والدارسون والمهتمون بثورتنا التحريرية وتاريخها الثري والمتعدد الجوانب والتفاصيل . من بن بلة والشاذلي وكافي وآيت أحمد ومحساس ورضا مالك ويحي بوعزيز واسماعيل العربي وعبد الله شريط وتوفيق المدني ومصطفى الأشرف ، إلى حربي وبلقاسم سعد الله وبن جامين سطورا والدكتور سعدي ونور الدين آيت حمودة واللواء نزار وحسين بن معلم والزبيري ... الخ من كتبوا ، وذكرهم جاء هكذا كأمثلة وشواهد بقطع النظر عما كتبوه من زاوية الحجة أو الإقناع أوالإفادة .

قلت جميل أن يصدر هؤلاء جميعا وغيرهم كثيرون أيضا ممن تحدثوا وأدلوا بشهاداتهم عن ثورة التحرير في إصدارات وكتب ، مهما كانت تلك الشهادات وما حملته من إضافات ولو بطرح أسئلة ونقاط حول مواقف وجوانب من حرب التحرير وثورتنا المحررة للشعوب ولنا .

قدسية الثورة التي شربنا من منابعها لا تقبل .. النقد

كثير من التصريحات المسجلة والإصدارات في السنوات الأخيرة أدخلت الخوف والهلع في نفوس الكثير من أجيالنا نحن الذين ولدنا عشية أو بعد الإستقلال . قدسية الثورة كما " كبرنا " من مشاربها وتجذرت في نفوسنا وقناعاتنا  لا تقبل حتى مجرد انتقادها أو قراءة غير ما ألفناه . كنا نقبلها كما هي فيما يشبه " المادة الخام " أو كالزيت الذي " لم يمر على النار" كما يقول المثل الشعبي . وكنا ننظر إلى قياداتنا وأبطالنا كالمعصومين من الخطإ . وأنهم أقرب إلى الملائكة منهم إلى بشر مثلنا لهم أعمالهم الحسنى ولهم سيئاتهم . لذلك جاء ما يكتبه السياسيون ويصدره البعض من شهادات في كتب في السنوات الأخيرة على الخصوص مفزعا ومخيفا ويطرح أسئلة جدية عما أخفاه عنا آباؤنا وأجدادنا ومجاهدونا أو بكلمة أكثر عمقا صناع ثورتنا ومحررونا .

ماو تسي تونغ : كل الثورات الكبيرة ارتكبت فيها أخطاء

كان الزعيم الصيني ماو تسي تونغ يقول : إن كل الثورات الكبيرة ارتكبت فيها أخطاء ، أحيانا مؤثرة وأحيانا أخرى غير مؤثرة . المهم أن لا يتوقف المسارالنهائي في تحرر الشعوب . ومن هنا ، ربما جاءت المقولة المتعارف عليها  " الثورة تأكل أبناءها " . هل يمكن إذن أن نسلط مقولة الزعيم الصيني على ما ينشره البعض من سياسيينا ومؤرخينا من تفاصيل عن مواقف بعض قياديي الثورة صدمت من لم يعايش الثورة زمنيا ؟ . لكن ما ينشره بعض هؤلاء " مدمر " فعلا للنفس والشعور ولو صدق بعضه ؟ .

لقد كانت الصدمة الأولى مع الرئيس الراحل بوضياف ، حين أمر بتغيير إسم أكبر شارع في العاصمة ( شارع بوعكوير ) متهما المذكور بأنه لم يكن من الشهداء أو لم يكن مع الثورة . وفعلا تم تغيير إسم الشارع . قبل ذلك أيضا تناول الإعلام بشكل واسع مصطلح  " المجاهدون المزيفون " . ومازال الجدل إلى يومنا متواصلا بشأن المجاهدين المزيفين ؟ .  كم عددهم ؟ . كيف تسللوا في قوائم المجاهدين الحقيقيين ؟ . لماذا ؟ هل من باب الإنتفاع فقط أم لتبييض ماض ؟ أم لمهمة تشويهية مبرمجة مسبقا ؟ . وهو تشكيك دار بشأن الضباط الذين فروا من الجيش الفرنسي أيضا .

ما نشر مؤخرا وإن كان من باب " التاريخ " .. تبعاته مدمرة

رغم ذلك فإن ما صدر مؤخرا وما تتناقله وسائل الإعلام بلغ مدى مدمرا كما سلف الذكر . دون تأليه أو حصانة مطلقة بدرجة العصمة التي هي للأنبياء والرسل ، إن  " رأسي " لم يتقبل على غرار كثيرين مثلي أن يشكك في جهاد عبان رمضان أو كريم بلقاسم أو مصالي الحاج أو علي كافي أو مساعدية ( رحمهم الله جميعا ) ...أو في وطنية الضباط الذين فروا من ثكنات فرنسا، أو في وطنية آيت أحمد ( شفاه الله وأطال عمره ) أو في وطنية الدكتور سعدي أو علي بن حاج وعباسي مدني .. بل أدرج معهم أيضا أولائك الذين حملوا السلاح في بداية الستينات ، وآخرون في نهاية الستينات، والذين إنتفضوا في بداية الثمانينات( الحركة الأمازيغية ) وغيرهم في بداية التسعينات ، والذين أنتفضوا من العروش في بداية الألفين ، وغيرهم حاليا  في الجنوب ... قد نتفق معهم أو مع بعضهم في المواقف والتصرفات وقد نختلف مع كثير منهم في القناعات أوفيما قاموا به  ، لكن لن نشكك في وطنية أحد منهم  إلا من ثبتت خيانته بالملموس والدليل القاطع . تماما كما لا يستطيع أي كان أن ينزع الوطنية أو حب الجزائر من قلب أحد . فالله وحده يعلم خبايا العقول والقلوب وما سترت .

ما يخيفنا أكثر أن يجنح السياسيون في كتاباتهم وتسجيلاتهم إلى الذاتية ، أو إلى عدم التدقيق نتيجة  مبررات ظرفية أو خلافات وإختلافات تحركها حسابات لا مكان لها في الجانب التاريخي لكونها لا تحمل إضافة مفيدة للمؤرخين والدارسين وللأجيال الحالية التي لم تعايش الثورة التحريرية زمنيا . أقول تحركها حسابات شخصية أودوافع غير موضوعية .

أجد نفسي مرة أخرى أمام مقولة الحكيم مهري ( رحمه الله ) في جوابه عن كتابة تاريخ الثورة التحريرية : إذا كانت هذه الكتابة ستؤدي بنا إلى الفتنة وتقسيم المجتمع والأمة فلا كانت كتابة تاريخ الثورة. ولسنا بحاجة إلى كتب تورث الأحقاد وتزرع الوساوس والشكوك بين الجزائريين أوتفاضل بين قيادات الثورة التحريرية أو بين المناطق .

إن الطيران الفرنسي والحلف الأطلسي ، ونابالم الإستعمار وقنابله وجرائمهه وإباداته إستهدفت كل الجزائريين ولم تستثن منهم أحدا : فقيرا كان أم غنيا  . في القرى والأرياف كان أم في المدن والأحياء  . متعلما كان أم أميا . أبيض البشرة كان أم أسمر اللون أو أسود الجلد . فلماذا يحاول البعض كتابة التاريخ من باب التمييز والمفاضلة ؟ .   

 ع / و   

 

 

رياضــة

الرابطة المحترفة: القمة بخنشلة وسفرية محفوفة بالمخاطر للرائد
تتواصل غدا، فعاليات الجولة 23 من الرابطة المحترفة بإجراء 5 مباريات، تتقدمها القمة المرتقبة بملعب الشهيد حمام عمار بين اتحاد خنشلة الباحث عن وضع حد لسلسة النتائج السلبية، والنادي الرياضي القسنطيني...
عمراني يستعد لإحداث تغييرات طفيفة: السنافـــــــــــر للبقـــــــاء في الوصافــــــة
يدخل غدا، النادي الرياضي القسنطيني مباراة اتحاد خنشلة بهدف العودة بكامل الزاد، للبقاء في وصافة الترتيب، لأنه في حال تسجيل أي نتيجة غير ذلك (تعادل أو خسارة) وفوز شباب بلوزداد أمام اتحاد بسكرة، سيضيع...
زيارة مرتقبة للناخب الوطني: الوفاق يواجه الساورة دون مهاجم صريح
يستقبل وفاق سطيف منافسه في مباراة الجولة 23، شبيبة الساورة، مساء الغد، بملعب الثامن ماي 45، منقوصا من عدة عناصر تنشط في الخط الهجومي، ما يرشح اعتماد المدرب التونسي عمار السويح على خطة دون مهاجم...
بطولة الرابطة الثانية: جولــــة بحسابـــــــــــات «النجاة» وقمة «شكلية» بباتنــــــــــــة
تُلقي حسابات السقوط بظلالها على معطيات الجولة 23، لبطولة الرابطة الثانية في فوج الشرق، على اعتبار أن أمر الصعود حسم بنسبة كبيرة جدا، بوضع أولمبي أقبو القدم الأولى في الرابطة المحترفة، بينما صراع...

تحميل كراس الثقافة

 

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها...

كراس الثقافة

صحة.كوم

الصفحة الخضراء

دين و دنيا

الرجوع إلى الأعلى