يستقبل الكثير من  العمال الفاتح من ماي  بكل فرح لأنه يمثل بالنسبة إليهم استراحة من العمل، قليلون من يتوقفون عند رمزية هذا اليوم ودلالته ، لأن ما يهم هو تلك العطلة مدفوعة الأجر،  و التي تضاف إلى الكثير من العطل المحسوبة على الراتب، سواء نص عليها القانون أو تم اقتطاعها عن طريق الاجتهاد.
الاجتهاد اليوم يعني كيفية التسلل من موقع العمل دقائق وربما ساعات قبل وقت المغادرة أو بعد  موعد الدخول، وربما يمارس هذا الفن بطرق أخرى، كقتل الوقت في أي شيء عدا الوظيفة المنصوص عليها في عقد العمل،  وهي ثقافة بدأت تنتشر في السنوات الأخيرة وحوّلت العمل إلى ما يشبه العبء وحصرته في خانة الحضور الجسدي القسري المرتبط بالراتب.
من الطبيعي أن يتقاضى أي موظف مقابلا عن العمل الذي يؤديه ومن حقه أن يناقش الراتب ويطالب بحقوقه، لكن في المقابل عليه أن يقوم بواجبه المتمثل في العمل، وهنا يجب فتح قوس كبير حول نظرة الكثيرين لتلك المهمة، وحول طرق التعاطي معها بالأداء أو التقييم،  كما لا يمكن أن نتجاهل تلك الأسباب التي جعلت من يخرج للعمل يبرمج نفسه على أي شيء سوى ذلك الواجب الذي خرج لأجله والذي يؤديه بمقابل مادي.
منذ أن ترك الفلاح أرضه ونزل إلى المدينة للعمل في تلك المصانع الضخمة التي تقدم رواتب مغرية بدأ الجزائري يبلور نظرة مغايرة عن الشغل، نظرة غذاها التسيير  الاشتراكي للاقتصاد، وما كرّسه من مفاهيم خاطئة حول توزيع الأدوار والمعاملة داخل المؤسسة، فراحت الإدارات تسوي بطريقة غير عادلة بين من يعمل وبين من لا يعمل، كما ألغت الحواجز بين الطبقة الشغيلة وتلك التي يفترض أن تؤطر الشغل.
ومن هنا راح الجزائري يعتقد بأن تقديم ملاحظة أو تقويم فيه انتقاص من آدميته، وتدريجيا ترك الأمر للآلة والمزاجية، ومع حشو المصانع بعمالة زائدة ازدادت الهوة اتساعا وتحولت المؤسسات والإدارات إلى أماكن لقتل الرغبة في العمل، بعد هذه المرحلة عاشت الجزائر فترة عصيبة جلبت معها ما جلبت من مشاكل اقتصادية، لكن الجزائري ظل هو ذلك العامل المتمرد على العمل.
الجزائر شهدت في السنوات الأخيرة الكثير من الإيجابيات للعمال من زيادات في الرواتب وفتح لمناصب شغل وصيغ تشغيل تمهيدية و استثمارية للشباب، لكن الممارسات تكاد تكون واحدة في كل المراحل،  بل وقد تعززت بحراك نقابي حصر المطالب في رفع الأجور   الدفاع عن الكل مهما كان حجم الخطأ.
وطبعا لا يمكن الإلقاء باللوم على العامل البسيط الذي يستلهم ممن هو أعلى منه درجة، الكثير من المسيّرين وصلوا إلى المناصب بعيدا عن الكفاءة ومثلما كان وصولهم مرتبطا بعوامل أخرى حرصوا على أن لا يدور في فلكهم سوى من هم من عينتهم، فطغت العلاقات العائلية والمصالح على التعيينات والتسيير وكانت النتيجة ما نعيشه اليوم.
   و يكفي أن نعلم أن العطل المرضية تكلف صندوق الضمان الاجتماعي 18 مليار دج سنويا نسبة كبيرة منها تصرف عن طريق التحايل، للتأكيد على أن العمل قد  فقد قدسيته ولا عجب أن تفلس المؤسسات وتتوقف دواليب الإدارات، طالما أن نسبة كبيرة تتهرب من الواجب ولا تطالب سوى بالحق.
النصر

الرجوع إلى الأعلى