انتهت القمة الإسلامية - الأمريكية على الأراضي السعودية، بالتوصل إلى ما يشبه الفتوى الدينية أصدرها دونالد ترامب الرجل الأشقر الذي يقود أقوى دولة في العالم، حول مدى مشروعية الإرهاب كوسيلة من وسائل التغيير السياسي الحديث، و الأهم من ذلك تحديد هوية الجهة أو الجهات المارقة التي تدعم ماليا و سياسيا الجماعات المسلحة.
ترامب يقول أن الإرهاب عمل مشين يستحقّ مواصلة الحرب عليه بغلق أبواب التطرف وتجفيف منابع التمويل، و يشير إلى جمهورية إيران الإسلامية بأصبعه كدولة وحيدة يراها تقف وراء التوترات
 و الحروب الأهلية بمنطقة الشرق الأوسط، و برّأ ضمنيا باقي الدول المعنية بالصراع بما فيها إسرائيل، من تهمة دعم الإرهاب التي تلاحقها باستمرار.
 و هي التهمة التي أصبحت دول بعينها تجد صعوبة كبيرة في ردّها أمام هجمات سياسية و إعلامية مركزة تقودها لوبيات و دوائر غربية حاقدة، تعمل على ابتزاز دول الخليج النفطية و تريد تأليب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي لا يخفي كراهيته للمسلمين و الأجانب، على عكس سلفه أوباما المتهم بالتساهل مع الإرهاب و التعاطف مع إيران.
و بالتالي كان لزاما على هذه الأنظمة تبرئة ذمتها من هذا الدّاء الذي لم يسلم أحد من مضاعفاته، و فتح صفحة جديدة مع النازل الجديد بالمكتب البيضاوي، بفتح الأبواب على مصراعيها أمام الأمريكان من أجل عودة قوية و سريعة إلى منطقة الشرق الأوسط لإعادة التوازن المفقود و الذي هو الآن لصالح الفرس و حلفائهم الروس.
قلب الموازين المختلة بمنطقة الشرق الأوسط الملتهبة دوما، ربطته فتوى ترامب عقب القمة التي شاركت فيها أكثـر من خمسين دولة عربية و إسلامية، بإلقاء اللّعنة على إيران التي كان شعبها يحتفل بنتائج الانتخابات الرئاسية أين فاز فيها إصلاحي في أجواء ديمقراطية نادرة لا تختلف كثيرا عن الديمقراطيات الغربية في شيء.
 ترامب أكمل فتواه قائلا أن دولة إيران هي التي تقف وراء الجماعات المسلحة النشطة في عدة دول عربية و أنها أصبحت مصدر التوترات و الأخطار المحدقة بعدة أنظمة عربية وإسلامية.
و بغض النظر عن درجة مسؤولية كل أعضاء المجموعة الدولية في تفاقم ظاهرة الإرهاب بأشكالها المختلفة، ابتداء من الذي يصنع الإرهاب إلى الذي يموّله إلى الذي يصدّره إلى الذي يستعمله إلى الذي يوظفه، هل يحق لجهة ما و بمفردها أن تستفتي جهة ما في ظاهرة معقدة هي محل جدل بيزنطي عقيم، إذ أن الجميع يتهم الجميع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بممارسة الإرهاب أو دعمه في أحسن الأحوال؟.
ثم هل بمقدور هذا الرئيس المتهم في بلاده بالجنون غداة صعوده للبيت الأبيض، أن يوزع التهم و صكوك الغفران كيف ما شاء؟. مع العلم أن بلاده تذكر على لسان الكثير من المحللين السياسيين و الخبراء الأمنيين النزهاء على أنها تساهلت و تغافلت على نشاطات التطرف و التسلح إلى حد التساؤل عن سر العلاقة الغامضة بين الطرفين التي تعود إلى سنوات السبعينيات و الثمانينيات.
 الاستقواء بالغرب و طلب المدد من أمريكا مقابل صفقات بمئات الملايير، بدعوى مواجهة المد الإيراني الكاسح الذي أتى على دول عربية بعينها مثل العراق و اليمن و سوريا ليس بالظاهرة الجديدة.
 فقد يعمل هذا المفعول مؤقتا على طمأنة الدول التي ترى نفسها في مهب الإعصار الشيعي، غير أن عواقب مراجعة الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب و التدخل السافر للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة قد تكون مدمرة وتأتي بنتائج عكسية، حيث ستعمل على تأجيج شوكة الإرهابيين و انتشار نشاطهم الإرهابي تحت مبررات جديدة إلى أماكن كانت تبدو بعيدة عن الخطر.
الجزائر التي كانت حاضرة في القمة العربية الإسلامية الأمريكية لم تفوّت الفرصة لجلب انتباه الأطراف الحاضرة و الغائبة، بأن لا جدوى من الخيارات العسكرية لحل الأزمات الأمنية التي يعيشها العالم العربي و الإسلامي، و أن حضورها ينم عن إحساس بالمسؤولية التاريخية و شعور بواجب الانخراط في كل مسعى يرمي إلى إيجاد حلول شاملة و جذرية للأزمات في سوريا و اليمن و ليبيا و يتيح مواجهة العنف الطائفي و إرهاب "داعش" الهمجي.
النصر

الرجوع إلى الأعلى