لا تذهب إلى التلفزيون، وإن فعلت فاحرص على معرفة مستوى محاورك فثمة ما قد يضرّك حتى وإن كانت الكاميرات ظاهرة، وقديما كان عمك الطاهر يرفض محاورة الصحفيين الذين لم يقرأوا كتابين من كتبه على أقل تقدير. اعلم أنك لست مطالبا بإبداء الرأي في أحداث الكون على مدار الساعة. حاول ارتداء ملابس من عصرنا الحزين هذا. اجبر نفسك على القراءة فإن ما قرأته في طفولتك وشبابك الأول لا ينفعك العمر كلّه. ما تكتبه يعنيك وحدك فلا تجبر الآخرين على الإيمان بك. المجتمع الذي تعيش فيه لا يتعاطى فعل القراءة وبالتالي لا تبحث لفعل الكتابة الذي تقوم به عن صدى و إياك أن تصدّق أنك صرت نجما. لا تسرف في الكلام إن أتيح لك منبر أو ميكروفون. لا تُعلن سيرتك للناس فإن عصور النبوة انقضت، ولا تحسبن أنك صاحب رسالة، وخذ العبرة من أورسون ويلز الذي قال أنه يرسل رسائله  عن طريق البريد، حين سُئل عن رسالته الفنية، أما أنت فإن البريد الالكتروني يوفر عليك مشقة الخروج من البيت. لا تساند ولا تؤيد. تجنب حفلات التكريم والولائم. تذكر أن روائيا عظيما في مكانة ميلان كونديرا يرفض الإدلاء بالأحاديث الصحفية ويندر أن تجد له صورا راهنة، ويحيل المصرّين على محاورته إلى كتابه “فن الرواية” الذي قال فيه كل ما يريد قوله. ثم لماذا كل هذه الصوّر؟
لماذا تحاول الظهور كنجم كرة أو كمغنّ. أنت لست كذلك. أنت تكتب في مجتمع قلّ فيه من يقرأ وفي زمن ابتدعت فيه وسائل أخرى للتأثير في الناس، ثم لماذا تحاول التأثير. أنت تكتب لتروي العالم وتعيد ترتيبه على هواك فدع الكتابة تذهب إلى مستقر لها. لا تسوّق نفسك. لا تقل أنك أول من. اللغة واسعة تكفي الجميع، فلا تمنعها عن غيرك. لا تسفّه الآخرين  فإنك تبدو بوجه مخيف أحيانا وأنت تركب سفينة جدك نوح وحدك. إن شربت أو أكلت أو رفثت أو ذهبت إلى البحر، فتلك أفعال عادية، فتجنب تقديرها ما استطعت حتى لا تثير السخرية. لا تتسرّع في إعلان المواقف فقد تعوزك تفاصيل ضرورية. ثم لماذا تحاول إثارة الصخب، ألا يفيد الصمت الكتابة؟
سليم بوفنداسة

 
الرجوع إلى الأعلى