يبدو أن السياسة المالية الجديدة التي أتت بها حكومة الوزير الأول عبد المجيد تبون، لمواجهة شح الموارد المالية، لم تنتظر طويلا لدخول مرحلة الجد و الحزم التي تتطلبها طبيعة المرحلة الحرجة التي يمر بها الاقتصاد الوطني الهش و المرشح للانتقال إلى مرحلة أكثـر صلابة و مقاومة للهزات و الأزمات على مدى العشرية القادمة.
السياسة المالية بدأت تتجسد على أرض الواقع و بسرعة ملحوظة، بعد أن أمرت وزارة المالية البنوك العمومية بفتح الملف الشائك و المعقد للديون غير المسددة رغم انقضاء آجالها.
و هي رسالة واضحة لكبار المدينين من المستثمرين العموميين و الخواص بأن يرجعوا الأموال الضخمة التي أخذوها في شكل قروض بنكية بدعوى إقامة استثمارات و مشاريع اقتصادية من أجل خلق الثـروة و مناصب الشغل في الجزائر.
و لكن و للأسف الشديد، فإن الكثير من هذه الاستثمارات التي اعتمدت بعيدا عن الضمانات الكافية من حيث الجدوى و القدرة على الوفاء و السداد، لم تعط أكلها في كثير من الحالات، بحيث بقيت حبرا على ورق، فيما أعطت أخرى مردودية ضعيفة و لا تكاد تذكر مقارنة بحجم القروض و التمويلات العمومية الضخمة التي جندتها الدولة في محاولة لتحسين مردودية الاستثمار بعد تعديل قوانينه و فتح الباب للمستثمرين الوطنيين و الأجانب.
و ليس خافيا على أحد حينها أن فئة لا بأس بها من المغامرين الذين ليس لديهم ما يخسرون و كانوا مستعدين لدفع ثمن فشلهم مسبقا، قد استطاعوا أن يندسّوا وسط الفئة القليلة من المستثمرين الخواص و استفادوا من سخاء الخزينة العمومية بآلاف الملايير و حصلوا على عقارات صناعية و فلاحية بآلاف الهكتارات و إعفاءات جبائية و ضريبية مقابل وعود مشكوك فيها كان يمكن التحقق من صداقية و حسن نوايا أصحابها وقتها و الحفاظ على الأموال العمومية لوقت الحاجة مثلما هي عليها الحالة اليوم.
و معنى هذا أن هذا الصنف من أشباه المستثمرين الذين يأخذون القروض البنكية و لا يستثمرونها ، يكونوا قد فوتوا الفرصة على أنفسهم و على المجموعة الوطنية التي تنازلت عن حقها في الثـروة الوطنية مقابل خلق الثـروة و مناصب العمل و القيمة المضافة التي تصبو إلى تحقيقها يوميا المجتمعات الحية.
إن سياسة الشفافية و قول الحقيقة الاقتصادية و لو كانت مرّة، ستكشف عن القيمة الحقيقية للقروض العمومية غير المسترجعة رغم انقضاء آجال تسديدها و تسديد فوائدها و طبيعة العقارات الصناعية و الفلاحية و حجم التسهيلات و الإعفاءات التي استفاد منها أشخاص طبيعيون من حق المجموعة الوطنية أن تعرف هويتهم حتى تتمكن من متابعتهم و لو رمزيا و معنويا، ذلك أن المتابعة القضائية هي من اختصاص السلطات العمومية التي لن تفرّط في دينار واحد من أموال الشعب مهما طال مسار الاسترجاع.
إن لجوء البنوك العمومية إلى استرجاع مئات الآلاف من الملايير التي أقرضتها إلى كبار المستثمرين العموميين أو الخواص بغض النظر عن نجاح أو فشل الاستثمارات، ستكون جرعة أكسجين لا محالة لإسعاف الاقتصاد الوطني الذي هو في حاجة ماسة إلى أي مورد مالي مهما قلّ أو كثـر.
متعارف عليه أيضا أن الأموال العامة و كيفية إدارتها و توزيعها تشكل واحدة من القضايا الحساسة التي تشغل دوما بال الرأي العام الذي يعتبر أن عدم تسديد القروض البنكية رغم انقضاء الآجال، تدخل في باب الجرائم التي يعاقب عليها القانون.
النصر 

الرجوع إلى الأعلى