أعلنت الحكومة، صراحة، عن وضع حواجز بين المال والسياسة في مرحلة هامة من مراحل البناء الوطني، فيما يبدو أنه جواب على مخاوف انتابت النخب السياسية ووقف عندها المتابعون للشأن الوطني، بعد تقدم أصحاب المال إلى الحقل السياسي، واكتسابهم لنفوذ في الحياة العامة أخذ في التعاظم.
الوزير الأول الذي حرص على التأكيد بأنه لا يريد الاصطدام بهذه الفئة أو المساس بالحريات ومنها حريّة الخوض في الأعمال، أكد من منبر البرلمان أن الحكومة لا تسمح بالجمع بين ممارسة الأعمال والسياسة، ضمن مسعى يهدف إلى أخلقة الحياة العامة، والذي كان قانون التنافي أحد أدواته، معلنا وضع قواعد جديدة لتأطير الحالات المتعلّقة باستغلال النفوذ.
تحرّك الحكومة، جاء بعد انتخابات تشريعية شهدت، كما هو الحال في السنوات الأخيرة، نقاشا حول دور المال في السياسة بعد تسجيل تهافت لرجال المال على الترشح، وأصبح الحديث عن شراء مواقع في قوائم الأحزاب علنيا ومادة يومية للصحافة وللناشطين في الحقل السياسي.
تهافت مردّه إلى اعتقاد بات سائدا في أوساط أصحاب المال، مفاده أن ممارسة السياسة والوصول إلى البرلمان يحققان عدة مكاسب، كالحصانة من الناحية القانونية والاقتراب من مصادر صنع القرار وبالتالي زيادة الفرص في الحصول على مشاريع، فضلا عن امتلاك قاعدة لممارسة اللوبينغ لا سيما في مجال التشريع الذي يخدم هذه الفئة.
اقتراب أصحاب المال من الأحزاب ومن دوائر المسؤوليات أثار القلق، لأن مقاصده لم تكن خدمة المجموعة الوطنية، التي يستطيع رجل المال خدمتها من موقعه، بتقديم قيمة مضافة من خلال إنتاج ما تحتاجه الجزائر وتوفير مناصب شغل تمكن من امتصاص نسبة البطالة ودفع الضرائب بانتظام إلى الخزينة العمومية، أما الإقبال على منصب سياسي لا فائدة مالية ظاهرة فيه فإنه يثير الريبة والتساؤل عن دوافع “تضحية” يقوم بها رجل أعمال، بل ويطرح على الطاولة دافع الرغبة في الانتفاع .
رسالة تبون يمكن تحميلها و قراءتها من طرف التنظيمات الممثلة لأصحاب المال والأعمال، ويمكن استنتاج فحواها الذي يؤكد أن الدولة لن تفرط في حقوق المجموعة الوطنية تحت الضغط ولن تقبل بلعبة ليّ الذراع، بعد كل ما قدمته من تسهيلات للمستثمرين على مدار سنوات الانفتاح بغرض تمكين الرأسمال الخاص من لعب دور في الاقتصاد الوطني، ورغم تسجيل نتائج إيجابية في هذا المجال، إلا أن ما تحقّق يبقى دون سقف التوقعات، أمام تجاهل كثيرين لواجباتهم وزحفهم نحو دواليب الدولة، عوض تكريس كل الجهد لخلق الثـروة والأخذ بأسباب النجاح.
لذلك جاء التحذير والدعوة إلى بقاء كل فئة في مربعها الخاص، و التذكير بأن “ابتلاع” الدولة غير ممكن، خصوصا وهي “تُحيّن” طابعها الاجتماعي الذي ترفض التفريط فيه، من خلال سهر الوزير الأول على تنفيذ برنامجه الأثير المتمثل في تخليص الجزائريين من كابوس السكن، فضلا عن التكفل بالفئات الهشة بالإبقاء على سياسة الدعم مع ترشيدها لتذهب مساعدات الدولة إلى مستحقيها، بمعنى أن الدولة الاجتماعية التي تستمد مرجعيتها من ثورة التحرير بكل أبعادها، تأبى الدخول في رأسمالية متوحشة يتسيّد فيها رجال المال الحياة العامة وتمتد أيديهم إلى صناعة القرار.
النصر