معاقون معزولون بين جدران المنازل يخرجون لأول مرة في رحلة استجمام
رافقت النصر جمعية الأنس لذوي الاحتياجات الخاصة ذهنيا وحركيا بالبليدة، في رحلة نظمتها للمعاقين إلى حديقة التجارب الحامة بالجزائر العاصمة، تعد الأولى من نوعها لمعاقين حركيا وذهنيا خرجوا من عزلتهم بين جدران المنازل، إلى الطبيعة الخضراء وسط أشجار الحامة التي تركت لديهم ارتياحا كبيرا وهدوء نفسيا، خاصة وأن بعض المعاقين يخرجون لأول مرة للمشاركة في هذه الرحلات و قضوا حياتهم كلها وسط جدران المنزل، في ما يشبه الزنزانة، خاصة بالنسبة لبعض المعاقين الذين يعيشون في كنف عائلات تفتقد للإمكانيات المادية والمالية و المساكن اللائقة.
انطلاقة الرحلة كانت من مقر جمعية الأنس، بجوار مقر إذاعة البليدة الجهوية لم تكن كالعودة، حيث لاحظنا أن بعض المعاقين كانوا قبل الانطلاق عصبيين و قلقين و الخوف يطبع بعضهم، لكن بعد التنقل إلى حديقة الحامة، و العودة إلى نفس المكان الذي انطلقوا منه، كان حالهم جد مختلف، حيث طبعهم الهدوء والسكينة، وغابت تلك العصبية والقلق والخوف الذي طبع بعضهم، والأمل الوحيد بالنسبة لعائلاتهم التي رافقتهم، أن تتكرر مثل هذه المبادرات التي تبقى راسخة في أذهانهم ولدى أبنائهم المعاقين.
وتذكر في هذا السياق رئيسة جمعية الأنس بن قاسيمي خديجة، بأن تنظيم هذه الرحلة للمعاقين حركيا وذهنيا التي تعد الأولى لهذه الفئة، جاءت في إطار اختتام نشاطات الجمعية السنوية، وبهدف توفير الراحة لهذه الفئة و الاستجمام وسط المناظر الطبيعية والأماكن الجميلة، وتم اختيار حديقة الحامة لما تمتاز به من هدوء واخضرار الطبيعة لتجعل المعاقين يقضون أوقات مريحة، وأكدت بأن هذه الرحلة كانت بطلب من أولياء المعاقين الذين لا يستطيعون توفير هذه الرحلات لأبنائهم، خاصة وأن هذه العائلات من الطبقة الفقيرة التي لا تملك سيارات أو إمكانيات لتأجير سيارات أجرة و نقل أبنائهم المعاقين في رحلات استجمام وسياحة، كما أن حافلات نقل المسافرين هي الأخرى غير ملائمة، لنقل بعض المعاقين المقعدين على كراس متحركة.
و أكدت أغلب العائلات المشاركة في الرحلة، بأن أبناءها المعاقين يخرجون لأول مرة في رحلات استجمام، وحياتهم كلها بين جدران الغرف، كما أن العديد منهم يعيشون في مساكن غير لائقة، مما زاد في معاناتهم ومعاناة أبنائهم.
رئيسة جمعية الأنس قالت من جهتها، بأن بعض العائلات لا تستطيع توفير حتى بعض الأساسيات لأبنائها المعاقين حركيا وذهنيا كالحفاظات، لهذا فإن التفكير في رحلات استجمام لأبنائهم، تعتبر ضربا من المستحيل في ظل غياب الإمكانات وعدم توفر وسائل النقل الملائمة لهذه الفئة، وذكرت بن قاسيمي بأن الجمعية التي تتكفل حاليا ب63عائلة لها أبناء معاقين حركيا وذهنيا،و توفر لهم شهريا الحفاظات، إلى جانب بعض المساعدات الأخرى.
غياب حافلات ملائمة ومصاعد خاصة بالمعاقين العائق الأكبر
خصصت جمعية الأنس 04حافلات متوسطة الحجم لنقل المعاقين ذهنيا وحركيا إلى حديقة الحامة، لكن اضطر المنظمون من أعضاء جمعية الأنس إلى تخصيص حافلة كاملة لنقل الكراسي المتحركة الخاصة بهم ، و أثناء الصعود تم حمل المعاقين على الأكتاف لوضعهم في كراس في ثلاث حافلات، في حين أن الحافلة الرابعة خصصت لنقل كراسيهم المتحركة، حيث أن عدم توفر أماكن ومصاعد خاصة بهذه الفئة في وسائل النقل الجماعي، يخلق صعوبات كبيرة لهم ولذويهم في نقلهم، سواء في زيارات عادية للأطباء أو الأقارب، أو في رحلات استجمام.
والدة الطفل سيف الدين المقيم بالعفرون، أكدت بأن عدم توفر أماكن مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في الحافلات، وغياب مصاعد خاصة بهم يخلق لهم متاعب كبيرة، أضافت بأن ابنها تحول إلى سجين في المنزل، لا يخرج منه إلا لحالات الضرورة القصوى فقط، فوالده لا يملك سيارة، ووضع الأسرة المعيشي لا يسمح لها بتأجير سيارة أجرة، مضيفة بأنها تخلت عن الكثير من الأشياء الخاصة بابنها لهذه الأسباب، ومنها عدم نقله إلى الأطباء المختصين في النطق أو التأهيل الحركي، بسبب مشكل النقل.
وبينما كانت هذه السيدة تتبادل أطراف الحديث تحت شجرة بحديقة الحامة رفقة ابنها مع إحدى السيدات، وهي عضوة في جمعية الأنس حول ظروفها وتعاملها مع ابنها، اقترحت عليها العضوة تحويل ابنها إلى أخصائية في النطق لمساعدته على النطق والكلام، على أن تتكفل جمعية الأنس بدفع جزء من التكاليف، خاصة وأن الطفل المعاق يظهر مؤهلات في الكلام والنطق، ويحتاج إلى المساعدة فقط، لكن والدة الطفل تأسفت و تحسرت على حالها، وقالت لها بأن ذلك غير ممكن في ظل واقع وسائل النقل الجماعي التي لا توفر مكانا للمعاق المقعد على كرسي متحرك، حيث أن جل الحافلات التي تعمل على خط البليدة العفرون لا تتوفر على أماكن مخصصة لهذه الفئة، و وضع العائلة المالي لا يسمح لها بتأجير سيارة لنقله على الدوام، نفس المشكل الذي طرحته هذه السيدة في ما يتعلق بوسائل النقل طرحته جل العائلات التي وجدت في هذه الزيارة ، متنفسا لتبادل أطراف الحديث حول مختلف الهموم التي يعيشونها مع أبنائهم المعاقين.
النزول بحديقة الحامة لم يكن سهلا بالنسبة لهذه الفئة، وبالرغم من أن جمعية الأنس قدمت مراسلة إلى مسؤولي الحديقة تتعلق بزيارة معاقين حركيا وذهنيا من أجل تقديم تسهيلات لهم والسماح لهم بالدخول بالحافلات إلى الحديقة لتسهيل نزولهم، لكن المراسلة لم تأخذ بعين الاعتبار، واضطر المعاقون إلى النزول في مدخل الحديقة، ولم يسمح للحافلات بدخول الحديقة، بحجة أن هناك تعليمات تنص على عدم السماح لأي مركبة بالدخول، وبالرغم من أن هذه الفئة تحتاج إلى مساعدة و إلحاح مسؤولي الرحلة على السماح بدخول الحافلات لنزول المعاقين ومرافقيهم، إلا أن أعوان الحديقة رفضوا بحجة وجود تعليمات، و اضطر بذلك المنظمون على إنزال المعاقين في مدخل الحديقة و قد استغرقت عملية نزولهم حوالي نصف ساعة، ففي البداية تم إحضار كراسيهم المتحركة أمام المدخل، ثم اصطفت الحافلات التي كانت تقلهم، وتم حملهم على الأكتاف و وضع كل معاق في كرسيه المتحرك.
وبعد الدخول تجمعت العائلات في زاوية من الحديقة لتناول وجبة الإفطار، تحت الأشجار مع هبوب نسيم وبالرغم من أن جمعية الأنس وفرت وجبات إفطار للمعاقين ومرافقيهم، لكن كل عائلة انزوت في ركن ، و اتضح أنها أحضرت وجبات خاصة للمعاقين و أغلبهم يضطرون لمساعدتهم من أجل تناولها .
والأمر لا يكاد يختلف عند إطعام رضيع لا يتجاوز 06 أشهر، وبعد الانتهاء من وجبة الإفطار سمح للعائلات و ذويها المعاقين بالتجول وسط الحديقة، وفي حدود الساعة الرابعة والنصف تجمهر الجميع أمام مدخل الحديقة، ولم تكن الانطلاقة مختلفة عن العودة، حيث واجه المنظمون وعائلات المعاقين صعوبات في نقلهم إلى الحافلات، لكن الأمر الوحيد الذي كان مختلفا هو الهدوء والسكينة و الراحة التي كانت تطبع كل المشاركين، سواء المعاقين أو مرافقيهم.
أمهات تشتكين من آلام الظهر
الواقع و المتاعب التي وقفنا عليها في مرافقتنا لعائلات المعاقين ذهنيا وحركيا في هذه الرحلة خلال يوم واحد، هو واقع يتجدد يوميا مع عائلات هذه الفئة، خاصة الأمهات، و أكدت أمهات معاقين بأن هذا الواقع تعشنه يوميا و لسنوات طويلة، وفاجأتنا في هذا الإطار والدة هاني، البالغ من العمر 16 سنة ، المقعد على كرسي متحرك، بأنها تقيم في عمارة في الطابق الرابع ببلدية أولا د يعيش، فحمل هاني وأخته فلة البالغة من العمر 24 سنة المعاقة أيضا ، ضمن يومياتها من الطابق الرابع إلى أسفل العمارة أو العكس، وتضيف نفس المتحدثة بأنها مطلقة وتقيم حاليا في منزل والدها، ولا تجد من يساعدها في رعاية ابنها وابنتها، و تؤكد بأنها أصيبت بآلام الظهر نتيجة حمل ابنيها، واضطرت خلال رحلة حديقة الحامة إلى استعمال حزام الظهر للوقاية، و أمل هذه السيدة الوحيد هو الحصول على سكن في الطابق الأرضي، يخفف عنها معاناتها في حمل ابنها وابنتها.
ونفس الشيء ذهبت إليه والدة سيف الدين من العفرون، التي تقول بأنها أصيبت بالآم الظهر نتيجة حمل ابنها البالغ حاليا 13 سنة، وتذهب رئيسة جمعية الأنس بن قاسيمي إلى أبعد من ذلك في حديثها عن الأمراض التي تصيب الأمهات من شدة المشقة في رعاية أبنائهن، بأن بعضهن أصبن باضطرابات عصبية أو عقلية ويتابعن حاليا عند أطباء مختصين في الأعصاب، نتيجة المشقة الكبيرة التي يكابدنها والمعاناة الشديدة مع أبنائهن المعاقين، خاصة العائلات الفقيرة التي لا تتوفر على مداخيل كافية، أو التي تعاني من أزمة السكن، وبالرغم من تلك الصعوبات و معاناة الأمهات في رعاية أبنائهن المعاقين، لكن أظهرن حبهن الكبير لهم وتمسكهن بهم، و نظراتهن لا تفارقهم وكلهن رضا بما أعطاهن الله.
الأنس تسعى إلى إخراج المعاقين من عزلتهم
خديجة بن قاسيمي رئيسة جمعية الأنس، أكدت لنا في نفس السياق، بأن من بين أهداف ومشاريع الجمعية التخفيف من معاناة هذه العائلات وإخراج المعاقين ذهنيا وحركيا من عزلتهم، موضحة بأن جمعية الأنس تحاول اليوم توفير بعض الحاجيات الأساسية للمعاقين، بمساهمة المحسنين كالحفاظات، ومساعدتهم في التأهيل الوظيفي والنطقي، لكن مشاريع الجمعية، أكبر من ذلك، فهدفها الأساسي هو فتح مركز للمعاقين ذهنيا وحركيا، يتكفل بهذه الفئة، ويوفر لهم بعض النشاطات اليدوية لكي تخرجهم من العزلة المفروضة عليهم بين جدران المنازل، كما أن خلق هذا المركز يخفف معاناة العائلات مع أبنائها المعاقين، خاصة الأمهات، و أشارت المتحدثة بأنها راسلت والي البليدة ورئيس المجلس الشعبي الولائي، و رئيس البلدية بهدف توفير مركز لهذه الفئة ،و لم تتلق أي إجابة لحد الآن.
و ذكرت أيضا رئيسة الجمعية بأن من بين مشاريعها أيضا توظيف مساعدين اجتماعيين يتنقلون إلى المنازل بهدف رعاية المعاقين و توفير حاجياتهم، إلى جانب اقتناء سيارة إسعاف تخصص لنقل هذه الفئة إلى المستشفيات أو لقضاء حاجات أخرى، خاصة في ظل الصعوبات التي يجدونها في التنقل على متن المركبات العادية.
كما تطالب مديرية النشاط الاجتماعي بتجنيد مساعدين اجتماعيين يتنقلون إلى المنازل لإثبات شهادة الحياة التي يطلب من المعاق إحضارها سنويا، للحصول على منحة 04 آلاف دينار، وقالت بأن بعض المعاقين لا يقدرون حتى على الجلوس، و بالتالي فإن نقلهم إلى مصالح الحالة المدنية بالبلديات لتحرير هذه الشهادة يسبب متاعب كبيرة لهم، و تفضل أن تقوم بهذه العملية مصالح مديرية النشاط الاجتماعي.
روبورتاج: نور الدين عراب/تصوير: شريف قليب