ثريد الدجاج و الخضر لاستقبال حازوزة و بخار بونافع لطرد الأمراض
أجمع من تحدثنا إليهم من سكان بلدية عين عبيد ولاية قسنطينة ، على ارتباط مظاهر الاحتفال بالسنة البربرية أو العربية، تمييزا لها عن المسيحية ، بالمواسم الفلاحية. على اختلاف توجهاتهم ، و انتماءاتهم الثقافية ، بين أمازيغية وعربية و كذا ما يسمى بمنطقة القبائل الصغرى بنواحي جيجل، فإنهم يتقاسمون نفس المعتقدات و من بينها الاحتفال بليلة « حازوزة « التي توافق 12 جانفي و التي «تحز»، حسبهم، أي تفصل بين عامين.
الجديد ، الذي يبدأ عند المسحيين في 28 نوفمبر ، و بحذف ثلاث ليال منه يكون منتصف جانفي عندهم يوم 12 من هذا الشهر ، وهو ما يوافق رأس السنة البربرية ، التي يحتفل بها الجزائريون في مناطق عدة على اختلاف تسمياتها. لدى محاولتنا رصد اختلاف مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة التي تسعى بعض الحركات الأمازيغية لتصنيفها ضمن الأيام الوطنية الرسمية ، و عطلة مدفوعة الأجر ، وقفنا على أن إحياء يناير ، مرتبط بالموسم الفلاحي ، و هناك معتقدات ينطلق منها المحتفلون ، والآمال تحذوهم وهم يحضرون لذات الموسم في أن يكون موسما خصبا مكللا بالخيرات، و أكبر كميات المحاصيل و الثمار . الدكتور د. حكيم، من أبناء منطقة القبائل الكبرى ، ومقيم منذ أكثر من عشريتين ببلدية عين عبيد ،ولاية قسنطينة ، قال للنصر، بأنه يحرص كل الحرص على الاحتفال بحلول يناير ، وفق التقاليد التي نشأ عليها ، منذ نعومة أظافره ، ويريد اليوم نقلها لأبنائه ، بعد أن ورثها عن أسلافه ، الذين يحضرون وجبة الكسكسي ، التي يجب أن تعلوها كل الخضر المتوفرة في السوق ، من لفت و جزر ، و بطاطا ، و خرشوف ، بعد طهيها بمرق الدجاج المحلي إن وجد ، وهذا على أمل أن يكون الموسم الفلاحي غنيا بذات المنتوجات ،بما فيها البقول من حمص وفول ، و يتأسف على تحويل ذات المناسبة إلى مجرد فرصة للغناء والرقص ، مع نسيان الموروث الشعبي. من جهته يرى لخميسي،و هو يقيم بنفس المنطقة منذ بداية الثمانينيات ، بأنه و عائلته كانوا يحييون ذات المناسبة في أجواء احتفالية جد رائعة ، بدأوا التخلي عنها تدريجيا ، خلال السنوات الأخيرة .عن مظاهر الاحتفال ، يقول نفس المتحدث ، أنها كانت تبدأ أياما قبل ليلة رأس السنة ، بشراء «القشقشة»أي المكسرات ، والحناء ، وتحضير ثريد الطاجين التي تسمى بمنطقة قسنطينة « الشواط «، مع ذبح دجاجة لكل فرد من العائلة ، ليحتسى مرقها بعد طهيها كعلاج أو وقاية من الزكام ، و تحرص ربات البيوت على أن يكون المرق حارا جدا ، مع احتوائه على مختلف الخضر المتوفرة في السوق أو البستان .
و أضاف لخميسي بأن بعض الأرياف و الأعراش في عين الفكرون، مسقط رأسه ، لا يزال سكانها يذبحون العجول ويقسمون لحومها ، حتى تعم الفرحة جميع طبقات المجتمع،و تسود نفس أجواء الاحتفال بالعيد من حناء ، وإعداد أشهى الأطباق التقليدية في الجهة ، كنوع من غرس الأمل و التفاؤل بموسم فلاحي جد وفير ، فارتباط الناس بالأرض وما تنتجه كان جد قويا، قبل التوجه نحو التجارة ، والاستيراد ، إلا أن ذلك لم يمنع من بقاء فئة و إن كانت محدودة وفية لإحياء ذات المناسبة. عمى مسعود الذي حل أجداده قسرا ،بمنطقة بئر سطل الواقعة بين عين عبيد وتاملوكة ، بعد أن اجتثهم الاستعمار ، من منطقة العوانة بولاية جيجل ، يسكن الآن عين عبيد ، يقول بأنه و عائلته و سكان منطقته ، كانوا يحتفلون بذات المناسبة بنفس الطقوس التي ذكرها لخميسي ،لكن دون استعمال الحناء ، وشراء المكسرات ،لكن «الشواط» بالدجاج أهم وجبة يحتفل بها في ليلة حازوزة ، أملا في موسم فلاحي جد وفير ، و كنوع من التوسعة على العيال ، وإبداء الفرحة على أمل أن يكون خيرالموسم وفير.
فيما يتأسف عمي السعيد شعبي ، على اختفاء مظاهر الاحتفال بموسم حازوزة ، الذي كان «يقابله سكان منطقة جنوب قسنطينة ب» الفتات « أي «الشواط « و «الشخشوخة «، حتى يقابلهم هو بالنبات «أي بمحصول وفير و كانوا يتطيرون بكل ما يبرم من كسكسي و عيش ، حتى لا يكون بردا يفتك بمحاصيلهم الزراعية ربيعا ،في موسم الرعود ، إلا أن الاحتفال عندهم يدوم حوالي ثلاثة أيام ،يبدأ من ليلة ذات السنة بتحضير ، «الغرايف» أو «القرصة» التي تسقى بالسمن المقطر، الذي يستخرج من أوان مطمورة تحت الأرض ، بعد خزنه ربيعا ، ثم يفطرون به صباحا ، وقد أغرق صحون العصيدة ، بصفرته المميزة ،ويأكل منه الفلاحون ، ويتصدق منه على الجيران، ممن لا يملكون ذات المدخر ، المقاوم للبرد. يأتي بعد ذلك دور الشواط و الدجاج ، ويحضر المرق بالفلفل الأحمر و «الفرماس» أي المشمش المجفف ،و كل ما توفر من خضر. و هذا أهم طبق في الاحتفال، ويضاف إلى ذلك تغيير كل ما يتعلق بالمطبخ ، من الحجارة التي يوضع عليها القدر ، و حفرة النار أو الحطب التي تغطى بطبقة بيضاء ، ويتم طلاء البيوت ، بجير المحافر.بعد ذلك، يعقم البيت أو الكوخ بغلي جذور نبتتي ، «بونافع» أو «الدرياس» مع «لاداد «، بغليهما معا في قدر ، فيطرد ،حسب المعتقد السائد ، بخارهما الذي يملأ أرجاء البيت الأمراض ، من أرجائه. وأخيرا يرش السقف و المحيط بمائهما ، و بذلك تكون أيام حازوزة قد طويت، و الكل يحذوه الأمل في موسم فلاحي وفير.
ص.رضوان