تتحدث فاطمة الإبراهيم، صاحبة السبع سنوات، مزيجا جميلا بين اللهجتين المشرقية و الدارجة الجزائرية، ما يعكس ازدواجية هويتها، فهي سورية الأصل حملها رحم الجزائر، حالها حال العشرات من الأطفال السوريين الذين ولدوا في مستشفيات بلادنا، و انصهروا في النسيج الاجتماعي العام، بعدما لجأت عائلاتهم إلى أراضيها، هربا من شبح الأزمة الأمنية، معلنين بذلك عن ميلاد جيل جديد هو ثمرة الحرب و السلم، في وقت يعيش غيرهم من الأطفال معاناة التفرقة و شبح انعدام الهوية في العديد من دول اللجوء الأخرى.
نور الهدى طابي
هنا ..الجنسية حق مكفول
فاطمة هي عينة عن أبناء الجيل الثاني من السوريين الذين ولدوا في بلدان اللجوء بعد الحرب، و عددهم بالإجمال، حسب آخر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة « اليونيسيف» 3.7 مليون طفل، من بينهم 306 آلاف ولدوا في بلدان مجاورة لسوريا، أو في الجزائر، التي فتحت لذويهم أبواب اللجوء و الاستقرار، دون شروط بداية من سنة 2011، وحتى قبل الأزمة بكثير، تلبية لنداء الإنسانية و التزاما بمبدئها الداعم للشعوب، و هو المبدأ الذي تؤكده الحكومة و الشعب خلال كل مناسبة، ليولد بذلك جيل لا يربطه بالجزائر الانتماء العربي و الإسلامي و الحضاري فحسب، بل صلة الأرض و حتى الدم، على اعتبار أن هناك من السوريين اللاجئين من تزوجوا بجزائريات، بعد استقرارهم هنا، وأنجبوا أطفالا ينعمون بالأمن و السلام و يحظون بمعاملة أبناء الوطن، فغالبيتهم الآن متمدرسون يملكون شهادات ميلاد رسمية، و منهم من يحمل جواز سفر جزائري بحكم جنسية الأم.
بهذا الخصوص يوضح والد فاطمة، السيد منهل الإبراهيم، وهو تاجر استقر في قسنطينة منذ سنوات، و استطاع أن يحتضن الكثير من أفراد عائلته الذين لحقوا به مع بداية الحرب، بأن ابنته الصغيرة محظوظة، لأنها ولدت في بلد يحترم حقوق الإنسان، فهي الآن، كما قال، تلميذة في الطور الابتدائي، تملك جواز سفر جزائري نظرا لجنسية والدتها، و تتعلم الكثير عن ثقافة البلدين رغم صغر سنها، تحب سوريا و تصر في حديثها على المزج بين لهجتها الشامية و العامية الجزائرية، كما أنها جد متفهمة لفكرة ازدواجية هويتها، و لم تجد يوما صعوبة في التأقلم و التعايش مع أبناء جيلها من الجزائريين ، سواء في المدرسة أو في الشارع.
و أضاف محدثنا بأن فاطمة، لا تعد السورية الوحيدة التي ولدت في الجزائر، فقبل سنة رأى النور أحمد ، ابن عمها في عيادة الأمومة و الطفولة بسيدي مبروك، و هو مسجل إداريا ، و قد تأكدت العائلة من حقه في اكتساب جنسية أبويه السوريين و الحفاظ عليها، الأمر الذي من شأنه أن يضمن له و لغيره من الأطفال اللاجئين ، حقهم في الهوية و الانتماء وبالتالي حقهم في المستقبل، موضحا بأنه كأب سوري يعيش حياة كريمة رفقة عائلته، ولا يتعرض لأية عراقيل إدارية في ما يخص نشاطه التجاري أو تمدرس ابنته و باقي أبناء العائلة، حيث يملك ترخيص إقامة قانوني يتجدد كل سنتين، ويمكنه بموجبه ممارسة حياته كأي جزائري.
مواليد مسجلون إداريا يستفيدون من مجانية العلاج و الحق في الهوية
كثيرا ما يُصنف أبناء المهاجرين و اللاجئين في دول العالم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ، يواجهون نظرة المجتمعات العنصرية القاسية خلال محاولاتهم للاندماج بها ، فضلا عن تهديد فعلي آخر، يتمثل في كونهم عديمي الجنسية ، وهي وضعية يمكن وصفها بأنها «عقوبة أكثر بدائية من التعذيب» ، فأن يكون المرء بلا جنسية ، هي حالة تعني تجريده من الحماية التي توفرها الدولة ومن الحقوق المدنية أيضا ، وأن يُترك عرضة للتفرقة و التهميش ، لكن الواقع مختلف في الجزائر ، فهي تدعم الشعوب و تتضامن معها خلال الأزمات ، كما أنها تلتزم ببيان «الحق في المواطنة» المنصوص عليه في المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، ما سمح للاجئين السوريين بالإقامة داخل المدن بشكل طبيعي، بعيدا عن مخيمات اللجوء القاسية ، التي نصبتها بعض الدول على حدودها.
في المدن الجزائرية يمارس السوريون التجارة و يسكنون منازل كريمة يتزوجون من سوريات و من جزائريات و ينجبون أبناءهم في مستشفيات الدولة ، أين يحظون برعاية صحية كاملة و يستفيدون من مجانية العلاج كباقي الجزائريين ، و العينة من مستشفى قسنطينة الجامعي ، أين تم تسجيل عديد الولادات ، كما كشف عنه مسؤول التنظيم الطبي بالمؤسسة الاستشفائة ، مشيرا إلى أن إجراءات استقبال الحوامل بسيطة و لا تفرض أكثر من الدفتر العائلي و أي وثيقة تثبت الهوية ، سواء كانت شهادة الإقامة أو جواز السفر أو غير ذلك ، علما بأن معاملتهن لا تخضع لأي تمييز ، بالمقابل يستفيد المواليد الجدد من فحص أولي مجاني و تلقيح ما بعد الولادة ، كباقي المواليد الجزائريين.
بالنسبة للوضعية الإدارية و القانونية للمواليد الجدد من أصول سورية، فقد أكد رئيس المجلس الشعبي لبلدية قسنطينة نجيب عراب ، بأن هؤلاء الأطفال يسجلون بطريقة عادية ضمن سجلات الحالة المدنية ، و يتم إدراجهم قانونيا ، ضمن الدفاتر العائلية لذويهم ، كما يتمتعون بحق استخراج شهادات ميلاد و وثائق إقامة ، و تم ببلدية قسنطينة تسجيل 8 مواليد جدد في العام الجاري في الفترة بين الفاتح من جانفي و أوت المنصرمين ، بالإضافة إلى عقد قران لأزواج سوريين خلال هذه الفترة.
يؤكد رامز الشاري ، وهو سوري دخل الجزائر رفقة عائلته سنة 2012 و استقر بمدينة الخروب ، بأنه استطاع أن يلملم شتات حياته بعد خروجه من حمص السورية و لجوئه إلى الجزائر ، ففي غضون الست سنوات الماضية، كان يشتغل في بيع المناديل الورقية و الكتيبات الدينية ، قبل أن يجد وظيفة لدى سوري آخر يملك محلا لبيع الأقمشة ، ما مكنه من تأجير شقة محترمة لعائلته.
و قد أنجبت زوجته طفلهما مؤيد ، قبل سنتين ، حيث وضعت مولودها في مستشفى الخروب دون أي عراقيل ، واستفادت من رعاية صحية مجانية بعد وضعها لمولودها ، كما منحت إدارة المستشفى للأسرة بيان ولادة رسمي ، سمح بتسجيل الطفل لدى مصالح الحالة المدنية و سحب شهادة ميلاد باسمه.
التعليم لتخفيف جراح الحرب و تكوين جيل الإعمار
يعتبر الحق في التعليم المجاني الذي تقدمه الدولة الجزائرية لمواطنيها من بين الحقوق التي يستفيد منها أبناء اللاجئين السوريين ، سواء من قدموا إلى الجزائر رفقة ذويهم بعد اندلاع الأزمة الأمنية ، أو أولئك الذين ولدوا هنا ، في وقت يشير فيه تقرير منظمة الأمم المتحدة إلى أن أزيد من 700 ألف طفل منتشرين في البلدان المجاورة لسوريا، حرموا من حق التعليم بعدما سلبت الحرب طفولتهم ، وأجبروا على خوض معركة الكبار، تاركين المدارس ، ليهيموا في الشوارع.
في قسنطينة وحدها سجلت مصالح التنظيم بمديرية التربية خلال الدخول المدرسي هذه السنة، التحاق 193 تلميذا بمقاعد الدراسة ، من بينهم 89 أنثى و 104ذكور ، علما بأنه تم إحصاء في الطور الابتدائي وحده 127 تلميذا من إجمالي المسجلين.
و أكدت ذات المصالح ، بأن عملية التسجيل بسيطة ، و لا تتطلب أكثر من وثيقة إثبات هوية، « جواز سفر أو دفتر عائلي»، كما أن الدولة ضبطت إستراتيجية خاصة لإدماج هؤلاء الأطفال و تعليمهم، من خلال تجاوز التفاصيل المتعلقة بالسن و التأخر الدراسي ، إضافة إلى ذلك ، فإن مدراء المؤسسات التعليمية، تلقوا توصيات تتعلق بتدريس اللغة الفرنسية لهؤلاء التلاميذ عبر مراحل ، و إخضاعهم لدروس الدعم و حصص المعالجة لتدارك ضعفهم فيها، فضلا عن تكييف الامتحانات بما يتماشى مع مستواهم العام ، كل ذلك من أجل تكوينهم بشكل جيد لبناء جيل مثقف يؤمن بالسلام و قد يعمل مستقبلا على إعادة إعمار سوريا، إذا ما عادوا إليها يوما.