تلاميذ يعانون من الأرق و الاكتئاب و الأهل يتسببون في نسبة قلق تزيد عن 70 في المائة
بدأ العد التنازلي لاجتياز امتحان الشهادة المصيرية بالنسبة للكثيرين، فأقل من شهر على امتحان البكالوريا، لا يعتبر وقتا طويلا للتلاميذ و أوليائهم، الأمر الذي أنتج قلقا حادا يسيطر منذ فترة على كل عائلة يجتاز أحد أفرادها هذا الامتحان، لتتلون ملامح شريحة واسعة بلون داكن، و كأنها نهاية العالم على تلاميذ تتفاقم وضعيتهم النفسية مع اقتراب الموعد الحاسم، ليطلق الكثيرون النوم و يدخل آخرون في حالات اكتئاب، يؤكد النفسانيون على أن أكثر من 70 بالمائة من هذه الحالات سببها الأولياء.
الملاحظ أن ظروف اجتياز شهادة البكالوريا تغيرت بين الأمس و اليوم، فقد باتت كل العائلات الجزائرية تضبط ساعتها على هذا الموعد، و ترهن مصيرها بنتيجتها التي أصبحت مصيرية، تقاس عليها العلاقات مع باقي عناصر المجتمع، و تحدد مستوى كل عائلة بمقياس الحصول على البكالوريا.
تلاميذ يسكنون العيادات النفسية
تاريخ 7 جوان لم يعد بعيدا، الأمر الذي نراه على وجوه كل تلاميذ الأقسام النهائية، الذين يصنعون حالة طوارئ داخل عيادات الأخصائيين النفسانيين الخواص أو في وحدات الكشف و المتابعة التابعة للطب المدرسي، حسب الأخصائية حمزة دلال،التي قالت بأنها تعمل دون انقطاع مع اقتراب الموعد، و تستقبل حالات إضافية للحالات التي كانت تستقبلها باقي أيام السنة.
لقد أكدت بأن عدد الحالات قد ارتفع أضعافا مضاعفة، إذ تستقبل حالات جديدة كل يوم، لتلاميذ تمكن منهم القلق الحاد، الذي يقولون بأنه بات يعرقل عملية الحفظ بالنسبة إليهم، حيث لم يعودوا قادرين على ذلك، في حيت يتخيل البعض منهم أنهم ينسون ما حفظوا في اليوم السابق، ما أنتج فقدان الثقة في النفس و زادهم توترا، إحدى الطالبات قررت اللجوء إلى الأخصائية لمساعدتها، علها تدلها على حل يعيدها إلى حالتها الطبيعية، و يمكنها من مواصلة المشوار بنفس مطمئنة.
و إن كان القلق أمرا عاديا بالنسبة للمقبلين على البكالوريا،حسب تفسير الأخصائية حمزة دلال، إلا أنه يرتفع بنسبة كبيرة بالنسبة للكثيرين، خاصة لدى البنات اللائي تقول بأنهن دخلن في حالة نفسية سيئة، كن في غنى عنها لو أنهن نظرن إلى الشهادة نظرة عادية، إلى درجة تقول أنها انعكست على ملامحهن فوجوههن باتت داكنة، تزدها ظلمة ألبسة سوداء يلبسنها طوال الوقت، و يحرمن أنفسهن من كل شئ جميل و كأنهن عجائز في أرذل العمر.
تلاميذ لا ينامون، مضطربون، يبكون و آخرون يدخلون مرحلة الاكتئاب
باختلاف التلاميذ، تختلف الحالات النفسية، و تؤكد الأخصائية التي تتعامل بشكل يومي مع تلاميذ الأقسام النهائية، بأن القلق بات مسيطرا بشكل كبير على أغلب التلاميذ، الأمر الذي جعله يتطور بشكل كبير، فهي تتكفل بحالات مختلفة، استبد بها القلق ، و حرم عددا كبيرا من النوم، بعد أن قرروا قضاء الليالي البيضاء لأجل إتمام الحفظ و المراجعة، في حين يضبط البعض منبهاتهم على برنامج النوم ساعتين مقابل ساعتين للحفظ إلى غاية انقضاء الليل، علما أن اليوم بأكمله يخصص للمراجعة، فضلا عن اضطرابات الأكل التي تؤثر بدورها على الطالب بشكل كبير. الملاحظ أن الوضع قد تطور لدى آخرين إلى أكثر من ذلك، فالخوف الزائد و البكاء الدائم باتا سمتين لدى عدد كبير من التلاميذ الذين لم يعودوا قادرين على المواصلة ،كما تؤكد المختصة التي كشفت عن حالات أخطر وصل معها الأمر إلى حد الدخول في حالة من الاكتئاب المصاحبة لكل شهادة مصيرية، ما يجعلهم عاجزين عن القيام بأي شئ مهما قل شأنه. تقربنا من عينة من هذه الشريحة، فأجمع أفرادها على أن الوضع صعب للغاية، و قالوا بأنهم مضطربون جدا، و بأن الخوف يسيطر عليهم مع اقتراب الموعد الحاسم، الأمر الذي جعلهم مشتتين بين الدراسة، زيارة النفسانيين ، التوجه إلى المساجد، و حتى التنقل بين القاعات التي تقدم دروسا خاصة في التنمية البشرية لمساعدتهم على التركيز و التغلب على الحالة السلبية التي تسيطر عليهم كما يقولون.
نفسانيون يتحولون لعلاج الأمهات و يتهمون الأهل بـ70 في المائة من قلق أبنائهم
يرجع الأخصائيون النفسانيون حالة القلق الزائد لدى تلاميذ البكالوريا بالدرجة الأولى إلى الأولياء، فالنفسانية حمزة دلال و بحكم عملها المباشر مع كل تلاميذ الأقسام النهائية بثانوية كاتب ياسين، بالمدينة الجديدة علي منجلي، بقسنطينة باعتبارها الوحيدة على مستوى المدينة، تعتبر بأن أزيد من 70 بالمائة من هذا القلق سببه الأولياء، الذين يمارسون ضغطا زائدا على أبنائهم.
و ترى المختصة بأن العلاج عوض أن يقتصر على التلميذ، لا بد و أن يمتد إلى الأهل، خاصة الأمهات اللائي يعتبر الناقل الأٌقوى للقلق خاصة بالنسبة للبنات بحكم أنهن أقرب إلى أمهاتهن من آبائهن، حيث تقول بأنها و من بين 3 حصص تخصصها للتلميذ الواحد، تخصص واحدة منها للأم التي غالبا ما تنهال عليها بالتوبيخ بسبب الطريقة الخاطئة التي تعامل بها ابنها أو ابنتها على حد تعبيرها، و تؤكد بأنها تعقد معها تحالفا لأجل التمكن من علاج ابنتها و وضعها في حالة مريحة.
أمهات يفكرن في المظاهر و أخريات يحلمن بالنجاح لأجل التباهي أمام الجيران و الأقارب
ربما يعتبر الأخطر في كل ما يلحقه الأهل من ضرر معنوي بأبنائهم المقبلين على البكالوريا، ذلك التخويف و الرعب و الإجبار على ضرورة النجاح و عدم القبول بالفشل، فأغلب التلاميذ الذين تحدثنا إليهم أجمعوا على أن أولياءهم يخاطبونهم بعبارات قاسية مثل:»لازم تجيب الباك»، و «العايلة كامل راهي تستنى فيك»، و «ولاد الجيران كامل جابوا الباك، ما تبهدلش بيا»...و عبارات أخرى ربما تكون أكثر قسوة تترك في نفسيتهم انطباعات مزعجة و تزيدهم رعبا و قلقا.
أما بالنسبة للأمهات، فقد تقربنا من بعضهن، حيث قلن بأنهن ينتظرن من أبنائهن تحقيق حلم كبير بنيل شهادة البكالوريا، و الفشل فيها يشكل ضربة قاضية، كما تقول السيدة وردة التي تعيش قلقا حادا و هي تنتظر ما سيفعله ابنها زين الدين، و بلغت حد القول بأنها ستموت إن لم ينجح ابنها، فيما تقول أخرى بأن نجاح ابنتها يعتبر نجاحا لها و تلميعا لصورتها أمام الجيران و الأقارب، دون التفكير في المعني المباشر بالأمر الذي تحول إلى آلة أوتوماتيكية لا يفكر في النجاح لأجل نفسه، و إنما لأجل إرضاء أهله و الناس جميعا.
دعوات «للرأفة» بالأبناء و ضبط برنامج لا يخلو من الراحة
وسط حالة الغليان التي تعيشها عائلات كثيرة، تنادي الأخصائية النفسانية حمزة دلال إلى التعقل في مواجهة أمر تصفه بالأكثر من العادي، و تدعو الأولياء إلى الرأفة بفلذات أكبادهم، عبر التقليل من العنف المعنوي الممارس ضدهم، و تركهم على راحتهم، مع الحرص على تخصيص ساعات يومية من الترفيه لهم و شراء أشياء تفرحهم، لأجل كسر روتين الدراسة المتواصلة.
كما تنصح المختصة الأولياء أيضا خاصة الأمهات، بالتفكير بنفسية أبنائهن التي تصبح هشة أكثر كلما اقترب موعد الامتحان، معتبرة أن كل البرامج التي يعتمدها التلاميذ في التحضير خاطئة، حيث تشدد على ضرورة ضبط برنامج متنوع لا يقتصر على الحفظ فقط، لترسل رسالة نهائية تطمئن فيها الجميع بأن امتحان البكالوريا أسهل امتحان في المشوار الدراسي، لا يتطلب غير التركيز و السكينة النفسية.
و في انتظار مرور الموعد الحاسم ،يبقى المعنيون بين مطرقة أهل يتقمصون دور من يجتازون الامتحان، و سندان شهادة مصيرية يعتبرها الجميع نقطة التحول الأكبر في الحياة، ومها اختلفت الطرق في مواجهة الوضع، تبقى النتيجة العامل الفاصل لأهل قد يقتنعون بعدها، بأن الأمر يخص أبناءهم، أو قد يدخلون مرحلة حداد لأن الفشل كان النهاية أو يقيمون الأعراس على شرف «نيلهم هم
للباكالوريا».
إ.زياري