مـشــاتي جـبـل مـاونـة بقـالـمـة.. مـعـانـاة مع العـزلــة و الفـقـر
عند سفح جبل ماونة الشهير و على بعد 20 كلم تقريبا من مدينة قالمة، تتناثر منازل ريفية صغيرة و ملاجئ للأبقار وسط تضاريس جبلية معقدة ظلت معقلا لثورة التحرير، أين دارت معارك كبرى و تعرض السكان للقتل و التهجير، لكنهم ظلوا صامدين فوق الأرض إلى اليوم، يدفعون ثمن الإجحاف الذي لحق بهم و كذلك ثمن الأزمة الأمنية الطاحنة و عصابات المواشي التي عاثت فسادا بأرياف قالمة على مدى 20 سنة تقريبا.
هنا تقع واحدة من هذه المشاتي، تسمى مصماصة على الحدود بين بلديتي بلخير و لخزارة، بمحاذاة الطريق الولائي 123 المؤدي إلى عين العربي موطن القمح و رعاة البقر.
من هذا الطريق المعبد تبدأ قصة المعاناة الطويلة لسكان مصماصة، منازلهم و أراضيهم الزراعية مازالت معزولة إلى اليوم، و من الصعب الوصول إليها عندما تسقط الأمطار، كل المسالك المؤدية إلى المنازل البائسة ترابية، بعضها واضح المعالم، و البعض الآخر يمر بفوضى وسط الأراضي الزراعية دون معالم و دون مسار محدد، فإذا أردت أن تصل إلى قلب المشتة البائسة، عليك بالبحث عن مسلك ترابي سهل تستطيع السير فيه بجرار فلاحي، و أحيانا يمكن للسيارة أن تقطع مسافة قصيرة منه، قبل أن تتوقف بعيدا عن السكان بسبب الطبيعة الجغرافية الصعبة.
عندما وصلنا إلى المنطقة، وجدنا عدة مركبات على جانب الطريق الولائي المعبد مغلقة الأبواب، تركها أصحابها هناك و توجهوا سيرا على الأقدام إلى منازلهم البعيدة، يحملون المتاع على ظهورهم عبر مرتفع حاد من الصعب تجاوزه.
حياة متوقفة على مسلك طوله 3 كلم
« نحن هكذا دائما نعاني كثيرا عندما نتنقل بين المشته و المدن و القرى المجاورة لشراء مستلزمات المعيشة، و الذهاب للعلاج و الدراسة، علينا أن نقطع كل هذه المسافة وسط الأحراش و الحقول الزراعية مشيا على الأقدام، بعضنا يملك مركبات لكنها بالنسبة إلينا غير مجدية بسبب انعدام الطريق المعبد نحو مصماصة، مازلنا نقاوم و ننتظر أصحاب القرار، لكننا لم نعد قادرين على التحمل و الانتظار لسنوات أخرى، شباب المشته غادر بلا رجعة و لم يبق إلا بعض الرجال و النساء ينتظرون نهاية المعاناة».
هكذا تحدث لنا راعي غنم وجدناه بالمنطقة في يوم خريفي متقلب، أجبر السكان على ترك مركباتهم على جانب الطريق المعبد حتى لا تغرق وسط الأحوال عندما تسقط أمطار الخريف المفاجئة.
و تحدث السكان عن مركبات ظلت عالقة وسط الحقول الزراعية عدة أيام، عندما فاجأتها الأمطار و منعتها من التحرك وسط كتل الطين.
يقول أهالي مصماصة، بأنهم مصممون على البقاء فوق الأرض، و المساهمة في جهود الإعمار و تطوير الاقتصاد الريفي، لكنهم مصابون بخيبة أمل تجاه المجالس البلدية المتعاقبة، مجالس كثيرة مرت و لم تنجز مسلكا ريفيا طوله لا يتعدى 3 كلم لفك العزلة عن السكان الذين يعانون في صمت، بدون احتجاج أو غلق للطرقات كما يفعل سكان المدن و القرى عندما يطالبون بالماء و السكن و الكهرباء و العمل.
و وجه السكان نداء إلى والي قالمة، يدعونها إلى التدخل لبناء طريق ريفي لا يتجاوز 3 كلم لرفع الغبن عن السكان و إعادة الأمل إلى رجال و نساء و شباب، قهرتهم العزلة و زادهم الإجحاف و اللامبالاة تعاسة و حزنا بموطن البطولة و الصمود.
موطن البطولة و رعاة البقر
و يعتمد سكان المنطقة على الزراعات البسيطة و تربية الأغنام و الأبقار ذات السلالة المحلية المقاومة للجفاف و البرودة الشديدة في فصل الشتاء القاصي، الذي يطبق على السكان بثلوجه و يبقيهم تحت الحصار أياما طويلة، دون أن تتمكن فرق الإغاثة من الوصول إليهم، فلا طريق معبد و لا مسلك ريفي واضح المعالم.
و إلى جانب العزلة، مرت منطقة مصماصة بظروف صعبة بعد تردي الوضع الأمني منتصف التسعينات، و أحكمت عصابات المواشي قبضتها على المنطقة و كادت أن تهجر السكان الذين صمدوا في انتظار فجر جديد، فجر السلم و الأمن، لكن ظروف المعيشة مازالت تثقل كاهل السكان و تشعرهم بالآسي و الإحباط كلما نظروا إلى مسالك الطين و التراب.
و تعد المشاتي الواقعة عند سفح جبل ماونة، من أكثر المناطق التي تعرضت لحصار كبير خلال ثورة التحرير و دارت فيها معارك طاحنة، و سقط العشرات من المجاهدين و السكان فداء للوطن، و مازال النصب التذكاري المخلد لواحدة من هذه المعارك الخالدة شاهدا على معاناة المنطقة على مر الزمن.
و تعتبر معركة أم النسور التي سقط فيها أكثر من 40 شهيدا في جانفي 1958، بينهم البطل زغدودي علي المدعو بلخير، من أكبر البطولات التي خاضها جيش التحرير المدعوم من السكان بالولاية التاريخية الثانية، و يقول السكان بأن التضحيات المقدمة على مر الزمن، لم ترافقها برامج تنموية تغير وجه المشاتي البائسة و تعيد الأمل للسكان، و تشجعهم على البقاء، و تعيد النازحين إلى موطنهم من جديد.
و قال لنا رئيس بلدية بلخير عمار لمواسي، بأن مشاتي مصماصة تابعة لبلدية لخزارة، حسب التقسيم الإداري الساري المفعول، لكننا لم نتمكن من الاتصال برئيس بلدية لخزارة لمعرفة ما إذا كانت هناك مشاريع لفك العزلة عن السكان، الذين ينتظرون تدخل مسؤولي ولاية قالمة لبناء طريق ريفي يحفظ كرامة الأهالي و يعيد الحيوية و النشاط إلى الأراضي المهجورة.
فريد.غ