أزيد من 54 بالمائة من حاملي شهادة البكالوريا يلجأون للمعاهد الخاصة لضمان منصب شغل
يشكل الحصول على وظيفة بعد سنوات من الدراسة، الهاجس الأكبر بالنسبة للطلبة الجامعيين، و يتوقف ذلك على مدى نجاعة اختيار الطالب للتخصص الذي يدرسه طوال سنوات الجامعة، كخطوة أولى نحو ضمان منصب في عالم الشغل، إلا أن واقع السوق اليوم، قلب الموازين، و غيّر من توجهاته نحو تخصصات جديدة، دفعت بالجامعيين إلى العودة إلى مقاعد الدراسة من منابر المعاهد و المدارس الخاصة، في حين فضل الكثيرون من حاملي الباكالوريا الجدد توفير الوقت، و عدم تضييع سنوات الجامعة، و توجهوا بشكل مباشر نحو هذه المؤسسات علهم يصلون إلى نتيجة في النهاية.
فالكثير من خريجي الجامعات ببلادنا، يعيشون منذ سنوات في دوامة البحث عن وظيفة، تتماشى و تكوينهم الجامعي الذي تلقوه طيلة سنوات كانوا متأكدين أنها ستضمن لهم منصب شغل دائم، يجنبهم مشقة التنقل بين مناصب عمل غير قارة، إذ تحصي الجزائر اليوم الملايين من الجامعين المصنّفين في خانة البطالين، و على الرغم من اعتماد بعض الاستراتيجيات لأجل امتصاص الجزء الأكبر من الإشكال، إلا أن ذلك شكل الحل بالنسبة للغالبية منهم، ممن واصلوا رحلة البحث عن وظيفة تليق بتخصصاتهم و مستواهم التعليمي.
جامعيون يعودون إلى الدراسة من بوابة التكوين الخاص بالمعاهد و المدارس العليا
تشكل التطورات في عالم الشغل بظهور تخصصات جديدة، إحدى أهم العوامل المساهمة في تهميش نسبة كبيرة من خرجي الجامعات في بعض التخصصات التي لا تتماشى و ذلك، الأمر الذي أحال الكثيرين على البطالة، و جعل شهاداتهم غير صالحة لإيجاد منصب عمل، ما أرغم البعض منهم على تغيير الوجهة بالعمل، سواء كان ذلك بالإنقاص من المستوى التعليمي لديهم و الرضوخ للعمل في مناصب أدنى مستوى، أو التوّجه نحو عالم الحرف كما هو الواقع بالنسبة لخريجي جامعة يشتغلون في عالم البناء، النجارة، الحدادة، الخياطة و غيرها.
و مع هذا، نجد شريحة أخرى، غيّرت اتجاهها بشكل مباشر، بعد أن رفضت الإنقاص من مستواها التعليمي، لتتوجه نحو تدعيمه بشكل أكبر، عبر ولوج عالم تخصصات الشغل المطلوبة، فقصدت المعاهد و المدارس العليا، نتيجة ما رسخت له من احترافية في التكوين و تطوّر في المناهج و اعتماد التكنولوجيا، خاصة و أنها تضمن تكوينات ربما لا تكون متاحة لكافة حاملي شهادة البكالوريا، إلا أن المال المطلوب و المستوى الجامعي أو شهادة البكالوريا، قد تضمن هذا التكوين الذي يمنح في النهاية شهادة عليا ضمنت للكثيرين فرصة عمل قارة، بعد أن أسقطت شهادتهم الجامعية أمام جملة التغيرات الجديدة.
أزيد من 54 بالمائة من طلبة المعاهد و المدارس الخاصة جامعيون
تشير الأرقام المقدمة من طرف القائمين على بعض المعاهد و المدارس الخاصة بالجزائر، إلى أن نسبة المنتمين إليها من خريجي الجامعات و حتى حاملي شهادة الباكالوريا، مرتفعة جدا، إذ تؤكد المكلفة بالتربصات على مستوى المدرسة العليا الدولية للتجارة و التسيير بتيزي وزو السيدة صبرينة منصوري، على أن أزيد من 54 بالمائة من المسجلين لديهم هم من الجامعيين و حاملي شهادة الباكالوريا، و هي نسبة أكدت أنها تعرف ارتفاعا من سنة إلى أخرى خاصة في الفترة الأخيرة، إذ تحصي المدرسة لوحدها قرابة 700 مسجل، أغلبهم من ذوي المستوى العالي.
و تضيف المسؤولة بأن الشريحة الأكبر من خريجي الجامعة، ممن أنهوا دراستهم و تعذر عليهم الظفر بمنصب عمل بالشهادة التي يحملونها، ليقرروا التوجه لدراسة تخصصات أخرى أكثر طلبا في عالم الشغل كالشهادات العليا في مجالات المحاسبة، الجمركة، الأمن الصناعي، الأمن الطبي، الماركيتينغ، التكنولوجيات الحديثة، اللغات و غيرها من التخصصات التي تربط بتكوينات تطبيقية على مستوى مؤسسات قد تضمن توظيف من يتكون لديها من هذه المعاهد.
مغامرات لمتزوجين يتركون أسرهم لأجل التكوين و آخرون ينقصون من مستواهم التعليمي
تقربنا من بعض المسجلين على مستوى مدرسة تيزي وزو، فوجدنا شرائح مختلفة من المجتمع، انزوت إلى المدرسة، بعد أن أنهكها المد و الجزر الحاصل في عالم الشغل، فوجدنا أرباب أسر ضلوا يعيشون على ما وفروه من العمل في نشاطات لا تتماشى و مستواهم التعليمي، ليقرروا التمرد على الواقع، و التوجه نحو التكوين الخاص، تاركين عائلاتهم لأيام أشهر نتيجة لانتقالهم للدراسة و العيش باقامة المدرسة كحال لمين الذي لم تمكنه شهادته في مجال الإعلام و الإتصال من الظفر بوظيفة، ليختار التكوين في مجال الصيانة و الأمن الصناعي بعد أن باتت مطلوبة بشكل أكبر في عالم الشغل.
و أمثال لمين كثر، فهذا شاب آخر من سكيكدة، و آخر من بجاية، و حتى من ولايات الجنوب، تجد فيهم كل الأعمار، و إن كان أغلبهم قد فضلوا تكوينات بمستواهم الجامعي أو شهادة الباكالوريا، فقد وجدنا شابا جامعي قدم شهادة في المستوى الثانوي، لأجل ضمان فرصة في التخصص في مجال الطبخ ، و آخرون في الفندقة، و وقفنا على بعض الحالات لموظفين في مجالات معينة يرغبون في رفع المستوى، و الإنتقال إلى وظيفة أمثل، فتجهوا إلى هذه المدارس لتضمن لهم ذلك.
تخصصات سوق الشغل تسيل لعاب الطلبة بالمعاهد و المدارس الخاصة
بات اختيار التخصصات لمشوار ما بعد الباكالوريا، معيارا مهما في الفصل في مستوى الذكاء لدى الشباب الجزائري، خاصة و أن ذلك يرتبط مباشرة بمصير الفرد مع عالم الشغل، فبتوغلنا وسط المسجلين بمدرسة تيزي وزو، و حديثنا إلى المسؤولة عن التكوين و حتى مدير المدرسة السيد جبار عبد الحق، تأكد لدينا أن نسبة كبيرة من حاملي شهادة الباكالوريا الجدد قد فضلوا المعاهد و المدارس العليا الخاصة على الجامعات نتيجة انفتاحها على تخصصات تتماشى و سوق الشغل، إذ يرى البعض منهم بأنه اختزال للوقت و عدم تضييع في دراسة سنوات بالجامعة قد لا تكون نهايتها كما يتم التخطيط له بمنصب عمل راق في مؤسسة راقية.
كما أكدت السيدة منصوري من جانب آخر، على أن هنالك صنف آخر من الطلبة الحاصلين على الباكالوريا الجدد الذين اختاروا الجمع بين التكوين الخاص و الجامعة، و هم من يتم توزيهم على مستوى أفواج يتماشى توقيتها و توقيتهم الجامعي، إذ يحاولون التوفيق بين الإثنين بضرب عصفورين بحجر، و كما يقولون، فإن تعذر الحصول على وظيفة بتكوين الجامعة، أكيد سيضمن تكوين المعهد ذلك بحسب قراءاتهم لمستقبل الشغل لديهم.
أسر تقترض، و أخرى ترهن و تبيع أملاكها و الميسورين الأوفر حظا في معظلة التعليم الخاص بالجزائر
لا يمكننا القول بأن التعليم الخاص بالجزائر متاح لكل طبقات المجتمع، فارتفاع التكلفة، قد يحصر العملية في شريحة معينة، إلا أن الضرورة قد ترغم الكثيرين على البحث عن حلول و إن كانت قاسية، فتوفير مبلغ يتراوح بين 5 إلى 15 مليون سنتيم لأجل تكوين 4 أو 5 أشهر بمعهد أو مدرسة عليا خاصة، ليس بالمبلغ الهين، خاصة بالنظر لتقارب المستوى لدى الأسر الجزائرية، إذ يستدعي الوضع التعامل بطرق المهم أن تضمن في النهاية توفير المبلغ المطلوب.
و بحديثنا إلى بعض الطلبة، وجدنا اختلاف في التعامل مع الجانب المادي، فبينهم من اقترضت أسرته المبلغ كاملا لأجل تغطية مصاريفه الدراسية، في حين قال آخر بأن والدته قامت برهن مصوغاتها و آخر باعتها والدته لتوفير المبلغ، في حين تمكن من سنحت لهم الفرصة بالعمل في مجالات أخرى، من توفير المبلغ، بعد أن حرموا أنفسهم من كل شئ لتجميعه، متبعين سياسة التقشف في معيشتهم اليومية، حارمين أنفسهم حتى من شرب فنجان قهوة بالمقهى، مثلما أسر أحدهم. كما وصل الأمر بآخرين، أنهم لم يجدوا حتى المال للعودة إلى منازلهم نهاية كل أسبوع أو 15 يوما كما أكد لنا البعض.
و يبقى الحظ في هذه المعادلة، حليف أبناء الأسر الميسورة، من الذين لا يتعبون في التفكير في سبل توفير المال، بل يجدونه متوفرا حتى قبل الحصول على الشهادة، فيدرسون بكل أريحية على عكس الآخرين، ممن تعتمد كل مؤسسة تعليمية على سياسة خاصة في التعامل معهم قصد تسهيل عملية دفع أقساط الدراسة، إذ تقول مسؤولة التربصات بمدرسة تيزي وزو مثلا بأن المؤسسة تتبع مبدأ الدفع بالتقسيط، فهي لا تفرض المبلغ كاملا، و إنما الدفع بالتقسيط كل شهر، قصد تسهيل المهمة على الطلبة من كل الفئات الاجتماعية، بحسب تعبيرها.
و بين الحاجة الماسة لتكوين من أجل الفوز بمنصب شغل، و مسايرة الموضة في تسجيل الأبناء بالمدارس و المعاهد الخاصة، قصد التباهي بذلك كما هو حال الكثير من الأسر الجزائرية، تبقى النتيجة وحدها الفاصل في القضية، فهل سيمكن التكوين الخاص حقا طلبتنا من مناصب شغل قارة؟
إ/ز