ضحايا التدخين السلبي يتعايشون مع الأمراض ويروون مأساتهم
مع عودة كل مناسبة يمكن من خلالها الحديث عن التدخين، إلا وتوجه الأنظار نحو نسبة المدخنين وتنوع الفئات الاجتماعية التي اندرجت في هذا المسار وعن المخاطر الناجمة عن هذه الآفة والإجراءات المتخذة للحد منها ومكافحتها، لكن نادرا ما نوّجه الأضواء نحو وضعية المدخنين السلبيين و ما يعانونه من أمراض جرّاء ذلك، خاصة و أن قلة قليلة تعلم بأن التدخين السلبي كان وراء إصابتهم بأعراض خطيرة تهدد حياتهم، فيما يجهل الكثيرون ذلك. النصر التقت عددا من الحالات ضحايا التدخين و رصدت معاناتهم.
بدايتنا كانت مع السيدة عائشة التي لا يتجاوز عمرها 43 سنة و التي تخضع حاليا للعلاج بمصلحة العلاج الإشعاعي للسرطان بوهران، حكاية هذه المريضة مأساوية ومؤثرة جدا، فعائشة ربة أسرة و أم لثلاثة أبناء، اكتشفت إصابتها بداء سرطان الرئة و صدمت و هي تطالع أهم أسباب الإصابة بهذا النوع من السرطانات الخطيرة، بأن التدخين يتصدر قائمة الأسباب، و تدرك بأنها كانت ضحية عادات زوجها السيئة في التدخين المفرط داخل البيت، حيث كان يرفض فعل ذلك خارج المنزل ويستمتع بنشر سمومه داخل الشقة.
تقول محدثتنا بنبرة يائسة و هي تصف سلوك زوجها «كان يدخن دون توّقف»رغم محاولاتها فتح النوافذ و الأبواب، إلا أن آثار دخان السجائر كانت تخترق جهازها التنفسي وتصل إلى الرئتين دون إرادة منها، حيث تدهورت حالتها وأصبحت لا تقدر على فعل أي شيء لتكتشف بعد إجراء التحاليل الطبية اللازمة بأنها مصابة بسرطان الرئة، آسرة بأن الخبر وقع عليها كالصاعقة، و تسبب في انهيارها، بعد أن باتت ترى زوجها مجرما في حقها و ربما في حق أولادها أيضا، ورغم أن العلاج معها أعطى نتائج مقبولة لحد الآن، إلا أن حالتها النفسية لازالت متدهورة، و دموعها تنهمر بمجرد النظر إليها كمريضة بالسرطان.
ربما هي حالات قليلة من هذا الصنف، لكن هذا لا يعني عدم وجودها في الواقع بل ربما لعدم انتباه المصابين بسرطان الرئة أنهم كانوا فقط ضحايا مدخنين لا يحترمون أدنى أخلاقيات تعاطي هذه السموم، وربما حسب بعض الخبراء سنصل في المستقبل القريب لارتفاع هذه الحالات بالنظر لارتفاع حالات التدخين في الأماكن المغلقة.
نادية ضحية زملاء و زميلات يدخنون في العمل
السيدة نادية التي ستنهي حياتها مع أزمات التنفس والحساسية الخطيرة التي شملت كل جسمها، حالة أخرى لم تكن تعلم بأن فرحتها بظفرها بعمل لائق في إحدى المؤسسات الاقتصادية، سيتحوّل إلى حزن و ألم و معاناة مع مرض مزمن، جرّاء إصابتها بداء الحساسية المفرط و ما سببه لها من حالات اختناق متكرّرة و ضعف في البصر و حكة في سائر الجسد.
المريضة نادية، قالت أنها كانت تتمتع بصحة جيّدة و لم تنتبه إلى خطر التدخين السلبي الذي كانت تتعرّض إليه يوميا و على مدار ساعات العمل، باعتبار الإدارة التي كانت تعمل بها، كانت شبه مغلقة و أغلب العمال يدخنون و من الجنسين، و رغم التهوية المؤقتة من حين إلى آخر، إلا أنه بعد سنوات من استمرار الوضع بدأت تحس بالتعب الشديد أثناء المشي وخلال أداء مهامها، و إن لم تكثرت في البداية لاعتقادها بأن حالة تعبها ناجمة عن عملها المتواصل و عدم منح نفسها قسط من الراحة، غير أن تزايد حالة الحكة لديها لدرجة تخوّف زملائها من العدوى و ابتعادهم عنها، دفع مدير المؤسسة إلى منحها عطلة مرضية، خشية أن تكون مصابة بالجرب، اضطرها إلى استشارة أطباء و إجراء تحاليل كثيرة بيّنت نتائجها بأن أعراضها لم تكن ناجمة عن داء الجرب، حيث وجهها الأطباء نحو مختصين في الأمراض الجلدية، ليتضح لها مرة أخرى بأن مرضها لم يكن جلديا، و بعد مد وجزر علمت نادية بأنها مصابة بحساسية من نوع خاص، لا تصيب الكثير من الناس و من أهم أسبابها التدخين السلبي، فخضعت لعلاج مكثف، لكن حالتها تعقدت أكثر، بعد انتشار الحساسية إلى جهازها التنفسي و عينيها، و هو ما اضطرها لترك العمل و المكوث بالبيت لتفادي مواجهة دخان السجائر.
حالة أخرى، مؤثرة لطفل لا يتجاوز اليوم 6 سنوات، إبراهيم البريء الذي سيعيش حياته الباقية ضحية التدخين السلبي، هذا الأخير لم تفارقه بخاخة الربو منذ مجيئه إلى الدنيا ويبدو أنها سترافقه لمدة أطول حسب والدته، التي ذكرت بأنها تحس بالذنب في كل ما يمر به صغيرها من أزمات تنفسية خانقة، لكونها و زوجها كانا مدمنين على التدخين ولم يباليا بخطر ذلك على الجنين الذي خرج للدنيا مريضا، و رغم تحسن حالته تدريجيا لأنه يخضع للمتابعة الطبية المتواصلة ولأن والدته توقفت عن التدخين وأصبح والده يدخن خارج البيت، إلا أن إبراهيم لن يتعافى كليا بسبب تضرر رئتيه الضعيفتين بمخلفات السجائر.
أطفال ضحايا أولياء يدخنون
ودائما مع البراءة، هذه المرة الطفلة هناء لا تعيش في هناء بسبب والدها، كان يحبها كثيرا ويفضلها على إخوتها، ومن شدة حبه لها كان كلما عاد من العمل إلا ويجلسها قربه ويضمها إلى صدره وترافقه في خرجاته، وفي كل هذه الأماكن كانت تستنشق دخان سجائره، لا أحد انتبه للوضع إلى غاية إصابتها بإغماء استدعى نقلها إلى المستشفى، هناك فقط علم الجميع أن الطفلة مصابة بضعف في القلب بسبب مشكل في الشرايين، من ضمن الحالات التي يسببها التدخين و التدخين السلبي أيضا.
أما سفيان 23 سنة، فوضعه مختلف ولكن النتيجة واحدة، حيث أصبح هذا الشاب الذي عمل نادلا في مطعم منذ عدة سنوات، استنشق خلالها دخان سجائر الزبائن و دخان الشيشا التي انتشرت بصورة مرعبة وسط الشباب و الكهول في الآونة الأخيرة، يشعر بدوار و تعب شديد، دفعه إلى زيارة الطبيب، الذي أكد له أن الدخان سبب حالته و نصحه بالابتعاد عن المكان، غير أن سفيان فشل في الابتعاد عن عمله لكونه أدمن على رائحة الدخان، و لم يستطع المقاومة وعاد للعمل كنادل في نفس المطعم ولكن هذه المرة انخرط في جماعة المدخنين للسجائر أو الشيشة، حيث لم يعد يبالي بصحته و علّق قائلا «أنا سأبقى مريضا طوال حياتي، فلما لا أدخن» هذا هو المنطق الذي جر سفيان نحو مخاطر التدخين الحقيقي بعدما أصابته مخاطر التدخين السلبي.
هي عينات من حالات كثيرة تتألم في صمت و ربما تموت في صمت، وربما لم يع المدخن بعد أنه هو الجاني، فهل ستكفي الحملات التحسيسية والتوعوية في تغيير هذا الواقع مستقبلا؟
هوارية ب