افتتاح الملتقى الوطني حول المفكر والمناضل فرانس فانون في طبعته الثامنة بالـــــــــطارف
افتتحت أمس ، بقاعة أحمد بتشين بالطارف ، فعاليات الملتقى الوطني حول المفكر والمناضل فرانس فانون في طبعته الثامنة وهذا تحت شعار “فرانس فانون والذكرى الستون لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة “، بحضور نخبة من المثقفين والأساتذة و الأسرة الثورية ، إلى جانب عائلة الفقيد يتقدمهم نجله “أوليفيي فانون “.
وقد تميز اليوم الأول من الملتقى الذي يدوم ثلاثة أيام ، بتنقل المشاركين و الحضور في الصبيحة إلى روضة الشهداء ،ببلدية عين الكرمة الحدودية ، حيث تم وضع باقة من الزهور وتلاوة فاتحة الكتاب على ضريح المجاهد والمناضل فرانس فانون، قبل أن يعطي والي الولاية إشارة الافتتاح الرسمي للمتلقى الذي شهد تقديم محاضرات ومداخلات وشهادات حية من نخبة من المثقفين والأساتذة والمجاهدين حول مسيرة المناضل والمفكر والثائر والفيلسوف والطبيب فانون ،و احتضانه للقضية الجزائرية منذ أن وطأت قدميه الجزائر ،إيمانا منه بعدالة القضية الجزائرية و مناهضته للاضطهاد والميز العنصري الذي تمارسه فرنسا الاستعمارية في حق الشعب الجزائري.
الدكتور محمد طيبي من جامعة السانية بوهران ،أوضح في مداخلته أن فرانس فانون استفاد من الثورة الجزائرية ،مثلما هي استفادت منه، وبالتالي ،حسبه، فإن قضية فانون مع الجزائر قضية أزلية ، باعتبار أن الأخير اختار الوقوف إلى جانب الشعب الجزائري في مناهضته للإمبريالية الاستعمارية واستغلال الشعوب، كما أن فانون أبدى رفضه المطلق للاستعمار، وتخندق صراحة إلى جانب جبهة التحرير، بعد آن أرسل من فرنسا للعمل بمستشفى الأمراض العقلية بالبليدة ، مشيرا إلى أن تعلق فانون بالحرية ،و رفضه الاستعمار، جعله متعلقا إلى درجة كبيرة بالوقوف إلى جانب عدالة القضية الجزائرية، رغم المضايقات و الملاحقات التي تعرض لها ،قبل أن تسند له تمثيل جبهة التحرير بالهيئات الدولية .
وقال الأستاذ طيبي أن اختيار فانون للجزائر كان اختيار القلب ،رغم علمه بالمصير المجهول الذي ينتظره ،مردفا أن مسيرة الرجل الفكرية والنضالية والسياسية، ارتبطت بالجزائر ،حتى أنه أوصى قبل وفاته بدفنه بالجزائر، إلى جانب إخوانه الشهداء ،وعرج الدكتور طيبي على شخصية فرانس فانون الذي وصفه بالشخصية المتميزة ، داعيا إلى فهم كل المقاصد الفكرية والسياسية لهذا المناضل الثائر الذي قدم من المارتينيك بفرنسا، ليخلد اسمه في القضية الجزائرية ، بالنظر لمسيرة هذا الرجل و المهام التي تقلدها منذ بداية الكفاح المسلح إلى الاستقلال.من جهته الأستاذ بشينية من جامعة الطارف ، أكد في مداخلته أن فانون ارتبط بإشكالية الثورة منذ البداية ،لكونه يحمل أدوات التفكير والتحليل ، موضحا بأنه بقدر ما كان فرانس فانون ثوريا، بقدر ما كانت للثورة تفكيرا أنتجت نصوصا كانت من أقوى نصوص الثورات في العالم ، فضلا عن تميز فانون بمرجعية فكرية ونضالية ،جعلته رجلا من الطراز الرفيع ، ومفكرا ذا خاصية فريدة .ناهيك أن فانون كان منظرا للثورة الجزائرية، و قام بإيقاظ ضمائر شعوب العالم الثالث ، على اعتبار أن فانون الإنسان ،والمناضل، و المفكر، هاجر بالحق إلى أرض الحق ومات من أجل الحق .
وأجمعت تدخلات المشاركين بأن فرانس فانون، ورغم ترعرعه في المدرسة الثقافية الفرنسية التي حاولت دمجه في فضائها ، إلا أن فانون اكتشف مدرسة ثانية بالجزائر ،حيث تولدت لديه فكرة عن العالم وتشكلت بداخله إرهاصات رافضة للعبودية والعنصرية و الاستعمار ، وما زاد من تعلق الجزائريين بهذا المناضل، إنسانيته منذ أن عمل كطبيب بمستشفى الأمراض العقلية بالبليدة، واحتكاكه بمختلف فئات الشعب الجزائري، خصوصا منهم الفقراء ، وهو ما يستوجب البحث والقراءة في الفكر الإنساني، والثوري ،والثقافي لهذا الجزائري الثائر الذي اختار عدالة القضية الوطنية و فضلها عن بلده الأصلي .
ومن ثمة فإن فانون بات يمثل ،حسب المتدخلين، مرجعا أساسيا في الفكر الثقافي والسياسي والثوري ،وأحد رموز الذاكرة التاريخية الوطنية للجزائر ، زيادة عن ذلك فإن الفكر الفانوني أعطى للثورة الجزائرية بعدا عالميا ،مبرزين العلاقة بين فانون والثورة عبر المراحل التي مرت بها الجزائر من الكفاح إلى الاستقلال .
و دعا المحاضرون إلى تشجيع الأبحاث الثقافية لدراسة فكر فانون السياسي، والثوري و شخصية المثقف و الإنسان والتعمق في كل ذلك.
شرح نجل فرانس فانون ،أوليفيي في مداخلته ، بأنه ورغم صغره إبان مسيرة والده،إلا أن والدته حكت له مدى تعلق فرانس بعدالة القضية الجزائرية ووقوفه إلى جانب الشعب الجزائري ،قبل أن يشرف على تسيير جريدة المجاهد ،رفقة بعض المجاهدين، و منهم مديرها آنداك رضا مالك ، قبل أن يعين مبعوثا و ممثلا لجبهة التحرير في المحافل الدولية، لتدويل والتعريف بالقضية الجزائرية، ومناصرتها ، وأشار أوليفيي إلى أنه ورغم جذوره إلا أنه ليس لديه أي عقدة ،لأنه يعتبر وعائلته جزائريين مائة بالمائة ،مثل بقية الشعب الجزائري ، مؤكدا بأنه فخور بتواجد ضريح والده بجانب الشهداء .
وكشف أوليفي من جهة أخرى بأنه تنازل عن الجنسية الفرنسية، بعد أن خيرته السلطات الفرنسية خلال توقيفه في 1975 بإحدى الضواحي الفرنسية ،بين الجنسية الجزائرية أو الفرنسية ،فاختار الجنسية الجزائرية .
و تساءل أوليفيي فانون عن أسباب التماطل في الترخيص له بإنشاء جمعية تعنى بالفكر النضالي لوالده و مسيرته التاريخية إبان الثورة ،مثل بقية الجمعيات و المؤسسات الأخرى التي استحدثت لبعض الشخصيات الثورية ،داعيا في سياق متصل، الشباب إلى الاستلهام من الثورة الجزائرية ،والحفاظ على الذاكرة الوطنية ، ودراسة الفكر النضالي والثوري لفرانس فانون المتعدد الأبعاد، على حد قوله .
الجدير بالذكر أنه تم تنظيم على هامش الملتقى، معرضا للكتب الخاصة بتاريخ الثورة و التراث الفكري لفرانس فانون، وصوره الفوتوغرافية النادرة ، قبل أن تقوم السلطات المحلية بتكريم عائلة المناضل فرانس فانون .
ق باديس