الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

الكاتب والباحث بلكبير بومدين للنصر


المثقف العربي يخشى من المراجعات الفكرية وقد أضحى يشكل خطرا على نفسه وعلى غيره
اكتشفت من خلال تواصلي مع عينة الدراسة أن المثقف في العالم العربي كائن معقد ومتوجس وغريب الأطوار وعدواني
يرى الكاتب والباحث بلكبير بومدين، من خلال دراسة قام بها مؤخرا حول «المثقف العربي»، أن هذا الأخير ظل حبيس أوهام غذاها بهوسه وبسلوكياته المتناقضة مع الدعوات التي يُبشر بها، كما وجد نفسه عاجزا أمام انتشار ثقافة العولمة وشيوع ثقافة الاستهلاك. ويرجع بلكبير هذا إلى ضعف فعالية أهداف هذا «المثقف»، وعدم فاعلية وسائله أمام قوة العولمة وسيطرة معايير الثقافة الاستهلاكية، وعجزه عن المساهمة في تجديد الثقافة العربية والإسلامية بما من شأنه أن يجعل منها عاملا يدفع نحو التنمية والمساهمة الايجابية.
بلكبير، الذي اشتغل على بحثه ودراسته ما يقارب السنة، يقول، أن نسبة مهمة من المثقفين العرب انخرطت في الإعلام، وخصوصا المرئي منه على حساب الثقافة، لكن المفارقة تكمن في عجزهم عن التمسك بالفكر النقدي الحر أمام استراتيجيات المؤسسات الإعلامية وقوة رأس المال. وهو بهذا يؤكد أن توجه المثقف العربي نحو وسائل الميديا يكمن أساسا في ضعف الجاذبية الاقتصادية للكتابة والتأليف والبحث مقارنة بما توفره وسائل الإعلام من عوائد مادية ومالية مجزية، وكذلك من مكانة وشهرة في المجتمع.
من جهة أخرى يرى بلكبير، أن أهم ما أظهرته نتائج الدراسة هو تلك الفجوة الحاصلة بين المثقف العربي والمجتمع، والتي تكمن في العلاقة غير السوية (علاقة معتلة) مع مجتمعه وصعوبة وضعف تعامله معه، وكذلك عجزه عن إدراك التحديات والتحولات التي يمر بها.
بلكبير، وهو يتحدث في هذا الحوار لـ»كراس الثقافة»، عن موضوع دراسته وبحثه العلمي «المثقف العربي»، يعترف أن القيام بدراسة حول هذا الموضوع أشبه بالخوض في حقل مليء بالألغام.

حاورته/ نوّارة لحـرش

اشتغلت على بحث مطول أخذ منك وقتا وجهدا، ما هي الصعوبات التي واجهتك أثناء انجاز هذا البحث الذي أراد الغوص في إشكالات وخلفيات المثقف العربي؟

بلكبير بومدين: الاشتغال على هكذا موضوع بمثابة تحد كبير، لأن درجة عدم التأكد كبيرة ومستوى المخاطرة أكبر، فالقيام بدراسة حول موضوع المثقف العربي أشبه بالخوض في حقل مليء بالألغام أي نبش فيه قد ينجر عنه انفجار في أي لحظة، وفي أي مكان غير متوقع. فباستثناء استجابة مجموعة من المثقفين العرب (المقيمين في الدول العربية أو في المهجر) والذين أشهد بتعاونهم ومساهمتهم معي، فإن النسبة الغالبة من مفردات العينة التي تعاملت معها طيلة العام الماضي جعلتني على أهبة الاستعداد كي أوقف العمل على هذا البحث الذي أخذ من جهدي ووقتي الكثير، خصوصا وأنني طيلة سنة تقريبا اكتشفت من خلال تواصلي مع عينة الدراسة أن المثقف في العالم العربي كائن معقد (مريض) ومتوجس وغريب الأطوار وعدواني. هذا المثقف الذي أضحى في الكثير من الأحيان يشكل خطرا على نفسه وعلى غيره، وهو ما ساهم بدرجة كبيرة في اتساع الفجوة بين المثقف العربي وبين المجتمع وبقاء المثقف العربي حبيس أوهام غذاها بهوسه وبسلوكياته المتناقضة مع الدعوات التي يُبشر بها.

من خلال بحثك والنتائج التي توصلت إليها، ما هي أكثر الصعوبات التي تعيق المثقف العربي في تعامله مع مجتمعه في ظل التحديات والتحولات الجديدة؟

بلكبير بومدين: من بين أهم ما أظهرته نتائج الدراسة هو تلك الفجوة الحاصلة بين المثقف العربي والمجتمع، والتي تكمن في العلاقة غير السوية «علاقة معتلة» مع مجتمعه وصعوبة وضعف تعامله معه، وكذلك عجزه عن إدراك التحديات والتحولات التي يمر بها مجتمعه، ففي الكثير من الحالات نجد المثقف العربي في واد ومجتمعه في واد آخر. وهذا ما يظهر جليًا من خلال طبيعة ونوع المواقف التي يبديها المثقف تجاه القضايا الحساسة والجوهرية التي تمس مجتمعه في الصميم، فالمثقف العربي فشل في أن يؤدي دوره على أكمل وجه وأن يتحمل مسؤوليته تجاه ما يحدث في مجتمعه خصوصا في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها المنطقة ككل، بل أصبح مجرد تابع يمشي في آخر الركب. وهذا الوضع البائس دفع الكثير من المحللين لتحميله مسؤولية كل الإخفاقات والأزمات.

وهل من وجود فعلي وملموس للمثقفين العرب، في عصر العولمة، أم أن العولمة أزاحت الدور الحقيقي والفاعل للمثقف العربي؟

بلكبير بومدين: الحديث عن مدى وجود المثقفين العرب من عدمه في عصر العولمة، يظهر جليا من خلال العجز في إيصال صوت المثقف العربي إلى كل العالم، والمكانة التي يحتلها مقارنة مع المثقف الغربي هذا من جهة. ومن جهة أخرى وجد المثقف العربي نفسه عاجزا أمام انتشار ثقافة العولمة وشيوع ثقافة الاستهلاك، فالمثقف العربي ليس له تقريبا أي وجود ملموس أمام سطوة معايير ثقافة العولمة الجارفة. وهذا راجع لضعف فعالية أهدافه وعدم فاعلية وسائله أمام قوة العولمة وسيطرة معايير الثقافة الاستهلاكية، وعجزه عن المساهمة في تجديد الثقافة العربية والإسلامية بما من شأنه أن يجعل منها عاملا يدفع نحو التنمية والمساهمة الايجابية (بأفكاره الخلاقة ومفاهيمه المبدعة) في تغيير الواقع وفي الحضارة الإنسانية ككل.

قلت بأن المثقف العربي يخشى المراجعات الفكرية «النقدية» لإرثه الثقافي بسبب «الدوغمائية الموروثة». هل هذا ما حصلّته أيضا نتيجة البحث؟، أم جاءت الردود بعكس هذا؟

بلكبير بومدين: أظهرت النتائج أن نسبة مهمة من المثقفين العرب لديهم خشية من المراجعات الفكرية لإرثهم الثقافي، ويرجع السبب الجوهري لذلك إلى النرجسية وتضخم الايديولوجيا، وهكذا راحت المجتمعات العربية والإسلامية وفق وصف أركون تدخل في ما يعرف بـــــ»السياج الدوغمائي المُغلق».
لذلك من المهم الدعوة إلى مراجعة هذا الإرث الثقافي الإسلامي أو القومي... الخ من دون التعارض والتصادم مع المبادئ العامة، وهذا ما يتطلب من المثقف العربي إخضاع التاريخ إلى قراءة نقدية شاملة، خصوصا تلك المقولات الخاطئة والأفكار المُسبقة من الآخر المتقدم، فنحن بحاجة إلى حركية فكرية تؤسس لحوار إيجابي مع مختلف الحضارات البشرية شرقية كانت أم غربية.

الدراسة ركزت على ترك معظم المثقفين العرب للبحث والتأليف والكتابة والنشر واتجهوا نحو وسائل الإعلام الجماهيرية. لماذا برأيك يتخلى المثقف العربي عن وظيفته هذه ويتجه نحو/وإلى وسائل الميديا؟

بلكبير بومدين: حقيقة لقد انخرطت نسبة مهمة من المثقفين العرب في الإعلام، وخصوصا المرئي منه على حساب الثقافة، لكن المفارقة تكمن في عجز المثقف عن التمسك بالفكر النقدي الحر أمام استراتيجيات المؤسسات الإعلامية وسلطة مديريها وقوة رأس المال. وما يؤخذ كذلك على وسائط الميديا الجماهيرية تركيزها على البرامج السطحية والاستهلاكية غير الهادفة، في حين تخصص للبرامج الثقافية الجادة مساحة محدودة وضعيفة. والسبب الذي يقف خلف توجه نسبة مهمة من المثقفين العرب نحو وسائل الميديا يكمن أساسا في ضعف الجاذبية الاقتصادية للكتابة والتأليف والبحث مقارنة بما توفره وسائل الإعلام من عوائد مادية ومالية مجزية، وكذلك من مكانة وشهرة في المجتمع.

هل حقا، مشكلة المثقف العربي تكمن فقط في غيابه عن مهنته الفكرية وانخراطه في العمل السياسي في مؤسسات السلطة، أم تكمن في أمور أخرى غيرها توصلت إليها الدراسة؟

بلكبير بومدين: توصلت الدراسة إلى العديد من الفجوات في مسؤوليات وأدوار المثقفين العرب، ومن بين أهم هذه الفجوات: الفجوة بين المثقف والسلطة، وتحت هذه الفجوة نجد مشكلة «المثقف الموظف»، والمقصود به مثقف السلطة، أو المثقف الانتهازي الذي يتبع مصالحه ويميل أين مالت الريح، ولا يهمه ما يؤمن به من أفكار بقدر ما تهمه المكاسب المحصلة من تماهيه مع ما تمليه عليه السلطة. فهو غير مستقل ولا موقف له، وبمثابة أداة ترويج وتسويق لبرنامج وإيديولوجية النظام الحاكم حتى وان كانت تخالف معتقداته وتتناقض مع ما يؤمن به.

«لقد كابد المثقفون العرب طويلاً من -إرهاب السلطة- التي عاقبتهم غالبا، ولم تعترف بهم، أو تحترمهم أو تقدرهم إلا موالين لها». ألا ترى أن وظيفة السلطة دائما و(من أكبر مساعيها)، احتواء المثقف والزج به تحت عباءتها بأي شكل من الأشكال؟

بلكبير بومدين: أثبتت الكثير من الوقائع التاريخية أن السلطة في عالمنا العربي -في غالب الأحيان- لم تعترف بالقيمة الحقيقية للمثقف العربي ولم تقدر مواقفه وأدواره كما ينبغي. فأتبعت مع المثقفين العرب سياسة العصا والجزرة، فهي تغدق بالتكريم والعطاء على المثقف الموالي وترفع عصا الطاعة في وجه المثقف المعارض، مما دفع بنسبة مهمة من المثقفين العرب إلى الانتقال من ضفة المعارضة إلى ضفة السلطة (التي لم تعترف بهم) بعد أن كابدوا إرهابها وتنكيلها وتعذيبها وسجنها.

أيضا لماذا حسب رأيك ظل خطاب المثقف العربي المعاصر لا يخلو من نزعة إقصائية للآخر، «الآخر» المثقف، زميله وشريكه في الفضاء الثقافي والأدبي؟

بلكبير بومدين: للأسف الشديد نعيش بؤسا ثقافيا كبيرا، يظهر أكبر وجه له في تلك الحالة المرضية لنسبة كبيرة من مثقفينا، والتي تتجلى أساسا في النزعة الإقصائية للآخر المثقف/الزميل/الشريك في الفضاء الثقافي. فهناك قفز وتجاوز وإنكار لكل مساهمة جادة مبدعة تأتي من المثقف القريب/ المحلي والشريك في الساحة الثقافية مقابل التغني بكل انجاز يأتي من خلف الحدود حتى وان كان هزيلا وضحلا، ومبرر هذه العقدة المرضية يرجع أساسا حسب اعتقادي إلى عقلية سائدة عند نسبة مهمة من المثقفين عندنا، فحواها أن الجزائري مستعد أن يسامحك في كل شيء إلا في النجاح، فكأنك لم تكن.
وتتجلى هذه الأمراض بصفة مهمة في وسائط التواصل الاجتماعي، فنجد مثقفا يقوم بحظر مثقف آخر من حسابه بسبب مخالفته الرأي أو بسبب صداقته مع مثقف آخر لا يتفق معه، وبعدها نجد هذا المثقف يتكلم بكل تبجح ونفاق في برنامج تلفزيوني عن المحبة وضرورة خلق فضاءات للالتقاء الكُتاب. ولا يسلم من هذه العقدة المرضية بعض رؤساء الصفحات الثقافية في الجرائد والمجلات الذين يغضون الطرف عن انجازات وإبداعات زملائهم المثقفين، أو النقاد الذين ينقصون من قيمة انجازات وإبداعات المثقفين ويبخسونهم حقهم لأسباب ذاتية وشخصية بعيدة عن الحيادية والموضوعية.

جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com