"أطفال الطلاق" : أطباق جاهزة للإنحرافات والإستغلال
هم ضحايا أنانية الكبار ، شوهت براءتهم بسبب أحقاد و كراهية أولياء . فضلوا التخلي عن مسؤولياتهم و اختاروا الطلاق كحل لمشاكلهم ، بدلا من إيجاد سبل لتجاوز خلافاتهم من أجل مصلحة أبنائهم . مساهمين بذلك في تشكيل قنبلة اجتماعية يغفل الكثيرون عن خطورتها ، بالرغم من أن 70 بالمائة من أطفال الطلاق يعانون اضطرابات نفسية عميقة ، تنعكس سلبا على تكوين شخصيتهم و تدفع بغالبيتهم إلى اختيار طريق الإجرام ، للفت الانتباه و الانتقام من مجتمع خذلهم ، كما أكده أخصائي علم النفس الاجتماعي الدكتور عمران نور الدين .
تناول مشكل الأطفال ضحايا التفكك الأسري لم يؤخذ بالجدية اللازمة ومازال بعيدا عن المستوى المطلوب من النقاش في الجزائر، بالرغم من تنامي ظاهرة الطلاق و الخلع ، التي باتت تصدر للمجتمع مجرمين في سن المراهقة . تشير أرقام قدمها أستاذ القانون بجامعة بومرداس خالد بن قريش ، إلى أن الجزائر تحصي سنويا 54 ألف حالة طلاق . هذا رقم خطير إذا ما أخدنا بعين الاعتبار إنعكاسات الطلاق إجتماعيا . خصوصا إذا لم يكن قد تم بالتراضي أي كان نتيجة صراع وخلافات عنيفة ، ومشاكل مستفحلة بين الأبوين.
من جهتها ، اعتبرت الأستاذة المحامية إبراهيم حنيفة ، مستشارة الحالة المدنية ، بأن ما تحمله النصوص التشريعية و القانونية ، من بين الأسباب الرئيسية في ارتفاع حالات الطلاق، خصوصا ما تعلق بالمادة 53 من قانون الأسرة و التي أعادت تحديد الحالات التي تتمكن فيها المرأة من طلب فك الرابطة الزوجية ( الخلع ) ، ما زاد في إرتفاع نسبة التطليق و الخلع ، دون التفكيرأو مراعاة العواقب ، خاصة بالنسبة للأبناء .
كما أضافت الأستاذة إبراهيم ، بأن مسؤولية الدولة لا تقل عن مسؤولية الأبوين، بل تعد أكبر لأن هشاشة النظام الاقتصادي أو ضعف صيغ التكفل المسبق للحيلولة دون حدوث الإنفصال ( السياسة الاجتماعية ) تعد من أبرز العوامل في إرتفاع نسبة الطلاق في المجتمع .
يبرز تنامي درجة العنف لدى الأطفال ضحايا الطلاق و التفكك الأسري، من خلال إحصائيات قدمتها مصلحة الملاحظة و التربية بالوسط المفتوح ، التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي و التضامن لولاية قسنطينة مؤخرا و التي أشارت إلى تسجيل 650 حدثا جانحا من الجنسين ، تورطوا خلال سنة 2014 في العديد من المخالفات و الجنح و الجنايات ، عبر مختلف بلديات الولاية . و تأتي السرقة و حيازة و استهلاك المخدرات في مقدمة جرائم هؤلاء الأحداث، و تمكنت الفرقة المتعددة الاختصاصات بالمصلحة من إنقاذ و إعادة إدماج 157 منهم في وسطهم الأسري و الاجتماعي ، تحت إشرافها و متابعتها .
الأرقام التي قدمت على هامش يوم تحسيسي حول الآفات الاجتماعية خصص لظاهرة جنوح الأحداث ، بينت بأن 55 من الأحداث الذين تكفل بهم طاقم المصلحة ، المتكون من مربيين و نفسانيين و مساعدين اجتماعيين، تمت إعادتهم إلى مقاعد الدراسة و 35 يتابعون تكوينا بمراكز التكوين المهني و 40 أدمجوا في مجال التمهين ، و 27 بلغوا سن العمل .
و أشار مسؤول المصلحة إلى إجراء 1183 تحقيقا اجتماعيا حول وضعية هؤلاء الأحداث و القيام ب 1045 زيارة لهم و لأسرهم في منازلهم ، و 1101 اتصال بالمؤسسات و الجهات التي ساهمت في إدماجهم بالمجتمع . موضحا بأن 50 من الأحداث الذين تكفلت بهم المصلحة ، تورطوا في جرائم السرقة و 40 تورطوا في حيازة و استهلاك المخدرات ، و تورط 27 في الضرب و الجرح العمدي في حين تورط الباقون في اقتراف الفعل المخل بالحياء و تحطيم ممتلكات الغير ، و كانت نتائج التحقيقات الاجتماعية قد بينت بأن غالبية المتورطين هم ضحايا محيط أسري متوتر أو ضحايا طلاق .
في ذات الخصوص عالجت مصالح أمن ولاية بومرداس في الآونة الأخيرة ، العديد من القضايا المتعلقة بالعنف في المجتمع و المحيط المدرسي على وجه التحديد، حيث تم تسجيل تنامي مخيف للظاهرة ، حسب ما كشف عنه الملازم الأول وليد براهيمي ممثل فرقة حماية الأحداث التابعة لأمن ولاية بومرداس، مشيرا إلى أن غالبية الفاعلين هم أحداث دون سن 16عاما ، معظمهم كما أوضح ، أبناء لوالدين منفصلين ، و يعيشون مشتتين بين الأبوين أو لدى أحد أفراد العائلة.
قصة «سميرة 17 سنة « لا تختلف كثيرا عن قصص الأفلام الدرامية ، فهي لم تعرف والدها الذي تخلى عن زوجته و أبنائه بعد أربعة سنوات من ولادتها، و فضل عيش حياة السكر و الملذات. اضطرت بعدها والدتها للعمل كعاملة نظافة في أحد الفنادق لتعيل ثلاث أطفال أكبرهم سميرة ، التي أخبرتنا بأنها عانت كثيرا من الناحية النفسية بسبب وضع أسرتها ، بسبب نظرة المجتمع القاسية.
قالت بأن قصتها مع الإنحراف بدأت في سن 15 سنة ، أين بدأت تكتشف ذاتها كأنثى و تحاول استغلال ذلك في تحسين وضعها المادي و البحث عن حنان الأب الذي فقدته طيلة حياتها ... تسترسل :» كانت أول تجاربي صبيانية لكنني إلتقيت في سن 16 بشاب في الرابعة و الثلاثين من عمره ، استغل بساطتي و أوهمني بالزواج وحاول أخذ أعز ما أملك شرفي . انتشرت القصة ، و طردتني والدتي من البيت بسبب الفضيحة .تركت الدراسة و كنت أقضي الليالي في سرداب العمارة ، قبل أن يتدخل بعض الجيران و يتوسطوا لي لدى والدتي».
تتوقف ثم تضيف : « صحيح أنها أعادتني إلى منزل ، لكن سوء علاقتي بها لم يغير من الأمر شيئا لأنني لا أزال أشعر بالضياع و أواصل البحث عن حنان والدي المفقود، بين أحضان رجال أشقياء ، كانت تتحدث إلينا و في قلبها ألم يظهر من خلال طريقة كلامها و نظرات عينيها الجاحظتين».
«رابح» في الرابعة عشر من العمر، هو ضحية طلاق ، فضل الالتحاق ببيت جده لوالدته على أن يختار طرفا منهما بعد الطلاق.
حكاية معاناته بدأت حين قرر أبوه الزواج من زميلته في العمل، حينها ثار ثوران والدته و قررت الانفصال و الزواج أيضا بصديق لها، و بقي «رابح» في مفترق الطرق يعاني الحرمان قائلا: « أصبحت لا أحب زيارتهما ، فلاحظت مرارا و تكرارا أن زوج أمي يتضايق من وجودي معها ، و عندما أقصد بيت والدي تخبرني زوجته دائما بغيابه رغم أني في كثير من الأحيان أسمع صوته داخل المنزل ، أو أجد سيارته أمام بابه ، ما جعل «رابح» يقضي معظم أوقاته في الشارع الذي ربطه مع أصدقاء أدخلوه معهم عالم المخدرات.
ترى الأخصائية النفسانية شامة بن زيتوني بأن الأطفال ضحايا الطلاق يكتسبون العنف بالدرجة الأولى من الأسرة قبل تشتتها، حيث يقوم الأبناء بتقليد الأبوين في العنف الممارس في ما بينهما، و كل شئ سلبي يقومون به، خلال شجاراتهما اليومية، فكل هذا يجعل الطفل يقوم بإسقاط العنف المكتسب داخل الأسرة بين إخوته، قبل أن ينتقل إلى مرحلة أخرى بنقله إلى المحيط و المجتمع في المرحلة التالية ، داعية إلى الابتعاد عن مناقشة قضايا الخلاف بين الأبوين أمام الأبناء، أكدت بأن الأطفال يكتسبون العنف اللفظي و الجسدي اللذين يتحولان إلى إجرام.
من جهته يعتبر الأخصائي النفساني و الاجتماعي، عمران نور الدين، بأن الميل إلى العنف و الانحراف لدى الأطفال ضحيا الطلاق هو بمثابة رد فعل عكسي عن العنف النفسي الذي تعرضوا له نتيجة لطلاق الوالدين و توتر الجو الأسري، إذ يجدون في الشارع متنفسا للتعبير عن رفضهم لواقعهم و الانتقام من نظرة المجتمع السلبية و الهامشية لهم.
المختص أشار أيضا إلى أن الميل للعنف و الانحراف يكون خيارا للمراهقين، بالمقابل تبرز التغيرات في السلوك لدى الأطفال أقل من 5 سنوات، في التبول اللا إرادي و الخوف المرضي و اضطرابات النوم، التي تظهر على الأطفال المتمدرسين، إضافة إلى آثار أخرى تنعكس من خلال الحضور المدرسي خاصة عدم الفهم في القسم و التغيب الدائم.
أما بالنسبة للجانب الشرعي، فقد لخصه الأستاذ سليمان بوديسة في عبارة، «أطفال الطلاق هم مجرمو الغد»، مشيرا إلى ارتفاع نسبة العنف بالمجتمع و التي قال بأن هذه الفئة هي الفاعل الأساسي فيها، محملا الوالدين المسؤولية في ذلك، متهما إياهما بالتخلي عن دورهما و مسؤوليتهما في رعاية أبنائهما، نتيجة التطور المتسارع الذي يعيشه المجتمع الجزائري و الذي جعله ماديا بالدرجة الأولى.
إيمان زياري/ هدى طابي