يعوضون مصـاريف العطـل الصيفية في أوروبـا بتجارة " الكابـا "
تشهد وكالات الأسفار و السياحة ، خلال الفترة الأخيرة تزايدا في الإقبال من طرف العائلات و الشباب و العرسان الجدد الباحثين عن وجهات سياحية خارج الوطن لقضاء العطلة .
رحلات منظمة إلى الدول التي تزخر بتقاليد سياحية عريقة جذبت إهتمام الجزائريين و البرايجية كعينة في هذا التحقيق بوجه خاص، على غرار تونس التي تبقى الوجهة المفضلة رغم ما يحدث فيها من إضطرابات أمنية ، فيما تأتي في المرتبة الثانية تركيا و الدول الأوروبية التي يقصدها التجار و حتى العائلات و الشباب من أجل السياحة من جهة و البزنسة و جلب المجوهرات و الماركات العالمية لأجود أنواع الملابس النسائية و الرجالية و أخر صيحات الموضة من أنواع النظارات و ساعات و حقائب اليد الفاخرة و العطور الثمينة من جهة أخرى، لكسب الأموال أو لتعويض مصاريف الإقامة بالفنادق و تذاكر السفر في العطل .
يبقى لإختيار تونس و وضعها على رأس قائمة الوجهات السياحية المطلوبة بكثرة ، مبررات جغرافية و مادية كونها البلد الأقرب إلى الجزائر . حيث يمكن التنقل إليها برا و عبر رحلات جوية ، إلى جانب الأسعار التنافسية المعتمدة بالفنادق و المنتجعات السياحية، ناهيك عن تضامن الجزائريين و دعمهم للأشقاء التونسيين في محنتهم.
حاولنا معرفة أسباب الإقبال الكبير على تركيا . كانت وجهتنا في أول الأمر وكالات السياحة و الأسفار بمدينة البرج . إطلعنا على مختلف الأسباب التي جعلت البرايجية و الجزائريين بشكل عام يختارون تركيا كوجهة سياحية مفضلة . يشير مختصون إلى أن إختيار تركيا يعود إلى الخدمات السياحية الراقية التي تقدمها بالدرجة الأولى ، و كذا إلى الأسعار المعتمدة التي تعد منخفضة كثيرا مقارنة بباقي الدول الأوروبية . ثم لإعتبارها الوجهة الأولى لتجار الألبسة و آخر صيحات الموضة.
كانت وجهتنا الوكالات السياحية في جولة إستطلاعية لمعرفة الوجهات السياحية للمواطنين و الفئات التي تقبل على قضاء العطل خارج الوطن . بوصولنا إلى وكالة «محموش» لفت إنتباهنا حديث شابين كانا ينصحان زميل لهما مقبل على الزواج و يحضر لقضاء شهر العسل بتركيا بإختيار الفنادق البعيدة عن الأحياء التجارية . و بدا من خلال كلامهما أنهما متعودان على التنقل إلى تركيا من أجل جلب الألبسة و بيعها . يقول أحدهم « أنصحك بعدم الحجز في الفنادق المتواجدة بالتقسيم ، كون أسعارها مرتفعة جدا . كما أن منطقة العلالي لا تنام ليلا . و ضجيج الشاحنات و الحركة التجارية لا يفارقها طوال ساعات اليوم» . كانا يتحدثان عن تركيا بأسماء الشوارع و الأحياء و على دراية بثمن التنقل في الحافلات الأقل كلفة مقارنة بالترامواي و وسائل النقل الأخرى . مشيرين إلى تعودهما على التنقل إلى تركيا لجلب الألبسة . تجار ما يعرف وفق المصطلح المحلي بتجارة « الكابة «.
حديث الشابين جعلنا نبحث عن سر رواج هذا النوع من التجارة، الذي تحول إلى نشاط يوفر الكثير من الأموال للتجار و يعوض العائلات و الشباب المتوجهين إلى الدول الأوروبية و تركيا على وجه التحديد عن تكاليف الإقامة و التجول بين منتجعاتها و فضاءاتها السياحية . تستقطب محلات بيع الألبسة و العطور و النظارات و ساعات اليد و محلات المجوهرات بولاية برج بوعريريج ، خلال الفترة الأخيرة التي تتزامن مع موسم عودة المهاجرين و عطلة الصيف، زبائن من نوع خاص، تستهويهم آخر صيحات الموضة و الماركات العالمية ، التي يتم جلبها من الدول الأوربية من قبل الشباب و بعض العائلات عن طريق ما يعرف بتجارة « الكابة « أو من قبل التجار في حد ذاتهم الذين يستهويهم هذا النوع من التجارة خاصة تجار الذهب و المجوهرات الذين يتعاملون مع المتحايلين في تمرير كميات من الذهب من إيطاليا و تركيا رغم الاجراءات الجمركية المشددة، حسب قول « سليم « و هو شاب لديه تجربة في تجارة الذهب و المجوهرات، حيث يقول أن هذه التجارة تعرف رواجا كبيرا بين الجزائر و ايطاليا و كذا الجزائر و تركيا، و تتم عبر قنوات غير مقننة و عادة ما يتم جلب كميات كبيرة من الذهب من قبل أفراد العائلات المتوجهة إلى هذه البلدان الأوربية في العطل أين يتم شراء كميات من المجوهرات الثمينة و التزين بها و لبسها بشكل عادي أثناء العودة، و وضع الكميات المسموح بها في الحقائب تجنبا للتفتيش و الرقابة الجمركية، مشيرا إلى اعتماد هذه الطريقة من قبل التجار كذلك و ذلك لإدخال أطقم و تشكيلات جديدة من المعدن الأصفر تستجيب لآخر صيحات الموضة .
البشير شاب آخر يمتهن نشاط بيع الألبسة يقول أن الكثير من التجار انطلق نشاطهم بتجارة «الكابة»، مشيرا إلى استقبال أصحاب محلات بيع الألبسة و العطور و النظارات يوميا للعائلات العائدة من أرض المهجر و كذا الشبان العائدون من الدول الأوربية بعد قضائهم للعطلة، و هم محملين بمختلف السلع من ملابس العرسان و الملابس النسائية و كذا ملابس الرجال لإعادة بيعها، بالإضافة إلى الأنواع الفاخرة من الروائح و العطور و مواد التجميل و الساعات و النظارات بماركات عالمية، يقومون بعرضها على أصحاب المحلات لبيعها و اقتسام الفوائد، و هو ما اطلعنا عليه ببعض المحلات، أين تعرض مختلف أنواع السلع وعليها تذاكر تحمل تسعيرة المحلات الأصلية في تركيا و فرنسا و إيطاليا، بالعملة الصعبة و تباع بأسعار باهظة و لا يجد أصحاب المحلات حرجا في التذكير بأنها سلع مفقودة و يتم جلبها في الحقائب «الكابة»، بل يستعملونها للترويج لمحلاتهم و نوعية السلع الفاخرة المعروضة لديهم.
مثل هذه السلع تجدها في أغلب المحلات، و كذا لدى الشباب المعروفين بهذا النوع من التجارة الذي يتزايد بشكل كبير خلال موسم الصيف.
و يشير أحد الشبان ممن التقت بهم النصر، إلى بداية نشاطه بهذا النوع من التجارة خلال بدايته الأولى بهدف تغطية مصاريف التنقل و الإقامة بالفنادق في فترة العطل بتركيا، و نظرا لرواج هذه السلع تزايدت أرباحه ما مكنه من ولوج عالم التجارة من أبوابه الواسعة، حيث أصبح يملك محلا لبيع الألبسة بمدينة البرج.
جولات البرايجية خارج الوطن لا تقتصر على التجارة فقط، بل هناك عرسان جدد و عائلات و شبان يستهويهم السفر و السياحة و حب الاكتشاف، يتنقلون بين مختلف الوكالات السياحية بحثا عن رحلة العمر بأقل كلفة، خيارات متعددة و وجهات مختلفة بأسعار تنافسية على مقاس الزبون الثري، و رحلات منظمة بخدمات تتماشى و الوضع المادي لأصحاب الدخل المحدود تتراوح بين 04 ملايين سنتيم لقضاء 10 أيام بتونس و تصل حتى حدود 14 مليون سنتيم لقضاء عشرة أيام بتركيا أو المغرب أو مصر.
كما يعمد شبان و بعض العائلات المتعودين على السفر، إلى الاعتماد على أنفسهم في حجز تذاكر الطائرات و اختيار الفنادق، بدل اللجوء إلى الوكالات السياحية و ذلك للتخفيف من كلفة العطلة الصيفية.
يجمع أغلب المختصين في مجال السياحة بوكالات الأسفار و السياحة التي قمنا بزيارتها، على أن البرايجية يهوون السفر و يتنقل الكثير منهم مصحوبين بعائلاتهم إلى مختلف الدول المعروفة برواج النشاط السياحي و تقاليدها العريقة في هذا الجانب، كما يجمعون على أن تونس و تركيا هي الوجهات السياحية المفضلة و المغرب بدرجة أقل، حسب المعلومات التي استقيناها من العون المكلف بالاستقبال على مستوى وكالة «تل أسفار» المعروفة بتسمية «واركوب» التي تعتبر من أقدم الوكالات السياحية بولاية برج بوعريريج، حيث بدأت نشاطها سنة 1987 و جاء بعدها فرع الوكالة الوطنية للسياحة و الأسفار الجزائر سنة 1989، حيث يشير نصر الدين فراشيش مدير هذه الأخيرة بمدينة البرج، أنه اشتغل لسنوات في هذا المجال، مشيرا إلى تزايد إقبال العائلات و المواطنين لقضاء العطل خارج أرض الوطن خلال الفترة الممتدة بين شهري جويلية و أوت، مضيفا أن الوكالة الوطنية للسياحة و الأسفار توفر خدمات متعددة و رحلات منظمة غير متوفرة لدى الوكالات الخاصة، على غرار الرحلات المنظمة إلى البرازيل و جنوب أفريقيا، و رحلات منظمة باتجاه الأردن و دبي و مصر فضلا عن تركيا و تونس و كذا خدمات الحجز في الفنادق و حجز تذاكر السفر، و تستقبل زبائن من مختلف فئات المجتمع من موظفين عاديين إلى التجار و الأطباء و حتى العائلات الثرية، حيث تتحكم أسعار الرحلات المنظمة و الخدمات المقدمة في اختيارات الزبائن حسب إمكانياتهم و وضعهم المادي.
تنقلنا بعدها إلى وكالة محموش للسياحة و الاسفار أين وجدنا مقرها يعج بالزبائن، استقبلتنا حنان لعماري المديرة التجارية بهذه الوكالة، حيث وجدناها لوحدها منشغلة بإتمام اجراءات حجز التذاكر و الفنادق عبر وجهات متعددة حسب الاختيار منها تونس تركيا و المغرب، من بينهم شاب سجل في الرحلات التي تنظمها الوكالة نحو المغرب، و شاب آخر مقبل على الزواج « عز الدين قزو « وجدناه بصدد دفع تكاليف قضاء عطلة شهر العسل بتركيا، طلب من مسيرة الوكالة تسجيله في الرحلات المنظمة و دفع تكاليف إضافية، تجنبا لإضاعة الوقت في اختيار الفندق و كذا متاعب البحث عن الأماكن السياحية و المطاعم بتركيا، قال لنا أنه يريد الذهاب إلى تركيا من أجل الراحة و الترويح عن نفسه و التجول مع زوجته في منتجعاتها السياحية، لنسيان روتين الحياة اليومية و العمل و أنه يفضل دفع مزيد من الأموال كون وضعه المادي مريح لتحقيق هذا الهدف .
التزايد المسجل في الإقبال على الرحلات السياحية ، صاحبه كذلك تزايد في عدد الوكالات السياحية و الأسفار بعاصمة البيبان، حيث يشير أمزالي ياسين مفتش بمديرية السياحة بولاية برج بوعريريج، أن عدد هذه الوكالات ارتفع خلال السنوات الأخيرة إلى 23 وكالة و هو مرشح للارتفاع خلال العام الحالي بالنظر إلى عدد الملفات التي تم وضعها على مستوى المصلحة المعنية للحصول على الترخيص و الاعتماد، فضلا عن توسع نشاط هذه الوكالات خارج عاصمة الولاية بالبلديات الكبرى على غرار بلديات رأس الوادي و برج الغدير و الحمادية، و التحضير لفتح وكالتين جديدتين بالحمادية و فرع لوكالة الزعاطشة للأسفار ببلدية مجانة، مشيرا إلى اجتهاد بعض الوكالات في تحسين نوعية الخدمات و تنويع الرحلات السياحية خارج أرض الوطن في ظل تزايد المنافسة .
عن حظوظ الوكالات السياحية الجديدة أمام إشتداد المنافسة و إرتفاع عدد الناشطين في هذا المجال ، أكد السيد ثابتي الذي ينتظر حصوله على الترخيص من مديرية السياحة لإفتتاح فرع لوكالة الزعاطشة ببلدية مجانة ، أنه يراهن على سمعة هذه الوكالة التي تتوفر على فروع بعديد الولايات، و كذا الخدمات و الثقة التي اكتسبتها من قبل المواطنين، فضلا عن الأسعار التنافسية المعتمدة من قبل هذه الوكالة مقارنة بوكالات سياحية أخرى، و لم يخف تركيزه على تنظيم رحلات العمرة و الإجتهاد لجلب الزبائن نحو الرحلات المنظمة لباقي الدول السياحية من خلال ضمان خدمات في المستوى و اعتماد أسعار تنافسية .
روبورتاج / عثمان بوعبد الله