السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق لـ 21 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

بعد أن كان ملتقى للحرف و الصناعات التقليدية

سيدي جليس يقبر ما تبقى من حرفييه

يرى بعض الحرفيين بأن حي سيدي الجليس تحوّل إلى مقبرة للحرفيين، بعد أن كان ملتقى الحرف و الصناعات التقليدية و التجار و الزبائن الذين يأتونه من كل حدب و صوب، حيث تراجع عدد الحرفيين و من بقي منهم يصارعون من أجل الصمود و الحفاظ على حرفهم المهددة بالاندثار.
الحرفي مصطفى بن أحمد المدعو برهان، المختص في النقش على الخشب، صاحب الأنامل التي تبدع على صفحات الألواح، أسر لنا وهو ينزع واجهة المحل ، الذي قضى بين جدرانه سنوات، تجرّع خلالها طعم النجاح قليلا، ومرارة الفشل طويلا ، بأن صاحب المحل طالبه بإخلائه بعد عجزه عن تسديد الكراء، الذي عرف ارتفاعا لم يغطه نشاطه الذي أصابه الركود.
برهان بدت على  وجهه المرهق علامات التعب ، و اصفرت ملامحه وقد أنهكه  التفكير في الوجهة التي سوف يوليها، وهو يشرع في حزم أمتعته، وتحف كثيرة خشبية، و آلات موسيقية منها العود و الكمان و الغيتار وأشياء أخرى، أخبرنا و  يداه تعملان دون توّقف بأن كل الحرفيين غادروا إلى المدينة الجديدة وعين السمارة، مشيرا إلى نجاح بعضهم و تحسن ظروفهم المادية، معربا عن أمله في خوض التجربة و منح نفسه فرصة أخرى بمكان آخر، رغم صعوبة قرار مغادرة الحي الذي تعلّم فيه و تعوّد على سكانه و زبائنه و زواره و أجوائه الساحرة، غير أن غلاء أسعار الكراء بالمدينة الجديدة لن يسمح له حتى بحلم الانتقال و فتح ورشة جديدة، أمام ظروفه المادية التي لا تسمح بذلك، مذكرا بوعود المسؤولين له بمحل وقروض لم تجد طريقها إليه حتى اليوم و لم يستفد كغيره من فرصة الاستمرار في حرفة اختارها عن حب و قناعة، لكنه رغم ذلك حاول التحدي و لاحق طيف النجاح، كما قال ، غير أنه عجز عن اللحاق به:»أنا الآن دون عنوان في شعاب الرصاص مأويا، و كان ذلك سببا في حرماني من قرض مصغر.. الوعد بالسكن بدوره تحوّل إلى سراب ، الفشل يلاحقني وتعلقي بالنحت سبب مشاكلي».
و اشتكى من اعتماد المسؤولين عن الترميم في قسنطينة، على الخبرة الأجنبية من مصر والمغرب، بينما يبقى مصيره كغيره من الحرفيين المحترفين كل مرة التجاهل، ويتذكر بصعوبة أنه منذ سنوات خلت ساهم في ترميم بعض أبواب قصر الباي، مع إحدى المقاولات، متسائلا لماذا لا يمكن أن يكون له في مساجد وزوايا المدينة المبرمجة للترميم، دور للحفاظ على طرازها المميّز مؤكدا بأن لا أحد طلب خدماته، وهذا ما جعله يلجأ إلى صناعة قوالب الحلويات القسنطينية على غرار المقروض لكسب قوت عائلته حسبه، لكن نشاطه هذا يبقى موسميا، لا يلبث أن يخفت الطلب عليه، وقد ساهم في ركود ذات النشاط المنافسة غير الشريفة للسلع المقلّدة الصينية، بسبب سعرها المنخفض رغم نوعيتها الرديئة، والمادة المصنوعة منها لا يعلم أحد مصدرها.
و عن باقي زملائه الحرفيين قال بنبرة يطبعها التحسر، «لقد أغلق باجين المصلح الوحيد للألأت الوترية في المدينة ، وبعده بعض صانعي النحاس، واليوم جاء دوري، والبقية سوف يكون لها نفس المصير و سيتحوّل سيدي الجليس إلى أطلال تنعق فيه الغربان» على حد وصفه.
على الرغم من أن الحي تحوّل  مؤخرا إلى بلاطو لتصوير الأفلام، حيث شارك في تصوير شريط لصالح فرانس 24 ، حول الحي وحرفه، كان نجمه باجين، إضافة إلى شريط آخر تحت عنوان «  نجمة جسر إلى الحياة « وهو فلم قصير حول الثورة ، لكن يتساءل بعض من بقي من حرفييه عن سر عدم استغلال هذا الحي العتيق  و تحويلها إلى قبلة للسياحة، والفن خاصة و أنها لا زالت تحافظ على نمطها القديم الساحر. تركنا برهان و ماء عين سيدي الجليس لا يكف عن الخرير، ، و «دلالات» قسنطينة يملأن المكان نشاطا وضجيجا، على أنغام وقع مطارق حرفي النحاس، وطقطقة النقش على صفحاته، لصناعة تحف كانت يوما رمزا لتقاليد قسنطينة.           
ص.رضوان

جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com