أعدنا إخراج دواوين رواد قصائد الحوزي و جزء كبير ضاع في دول الجوار
اعتبر الباحث شعيب مقنونيف أستاذ بكلية العلوم الاجتماعية والتاريخ بجامعة بوبكر بلقايد بتلمسان، رصيد الجزائر من قصائد الحوزي ضئيلا جدا و لا يساوي ربع ما تركه بعض عمالقة الشعر الملحون الجزائريين كالشاعر محمد بن المسايب و بوسهلة و غيرهما كثر، في الوقت الذي تتوّفر فيه دول الجوار على رصيد كبير من مدونات هؤلاء، مؤكدا إعادة إخراج مدونات بعض فطاحلة الشعر الشعبي بفضل الأبحاث التي قام بها عدد من الباحثين من قسم الثقافة الشعبية اختصاص الأدب الشعبي بجامعة تلمسان.
حاورته مريم/ب
النصر التقت الباحث مؤخرا بقسنطينة و سجلت معه هذا الحوار:
النصر : لديك دراسات تعنى بفن الحوزي هلا أطلعتنا عن أصل هذه الموسيقى؟
- فعلا كان هذا محور محاضرتي التي شركت بها في قسنطينة و نحن نحتفل بمناسبة مهرجان النوبة من الأصوات إلى الكتابة، حيث ارتأيت التحدث عن إحدى الأجناس الشعرية و الموسيقية التي لها أصول أندلسية لكن تطوّرت نتيجة ما أضيف لها من إبداعات في النصوص المحلية الشعبية بتلمسان و الجزائر عموما. فالتسمية محلية و الحوزي جنس شعري شعبي، له عدة مسميات فهناك من يسميه بالشعبي و ثمة من يطلق عليه الملحون و آخرون يفضلون تسميته بالشعر العامي أو الحوماني مثلما هو الحال باليمن أو الشعر الأخضر و غيرها من التسميات التي ارتبطت ببيئة محلية و ظرفية مكانية، لكن ما هو متفق عليه هو أن هذا الجنس، إنما نظم لأجل أن يغنى و يلّحن، لذا وجدناه شعرا مرفوقا بالموسيقى، إما يبدعه شاعر يعرف في مجال الموسيقى أو موسيقي يفهم في الإيقاع. و لما كان من الموروثات التي اكتسبتها بلادنا عن المهجرّين من الأندلس، كان الإرث الموسيقي كبيرا، من مقامات و إيقاعات و طبوع أندلسية ظلت إلى زمن طويل حكرا على طبقة راقية أرستقراطية، لكن في عهد بني زيان الذين عرفوا بتشجيعهم للعلم و الثقافة، مما جعل الناس يتنفسون و ينظرون إلى هذه الإيقاعات، و بالتفاتة ذكية من الشعراء ضّمنوا نصوصهم هذه الإيقاعات الموسيقية و أخرجوها في قوالب موسيقية متميّزة.
لو أردنا تحديد خصوصية الحوزي التلمساني عن باقي «الحوازة»الأندلسية ماذا يمكننا القول؟
- إن موضوع الحوزي و لغته و بنيته طاوعت الموسيقي على أن يجد له اللحن الرائد و الراقي، فوضعوا ألحانا لقصائد شعبية كان الكثيرون يتداولونها لجمال كلماتها و قوة معانيها.
حدثنا عن بعض رواد شعر الحوزي؟
- ثمة عدد كبير يمكن تصنيفهم في مدارس، جمعت الأولى كل من الشاعر سيدي لخضر بن خلوف ثم سيدي سعيد المنداسي، بعدها يأتي الثلوث التلمساني المتمثل في الشيوخ محمد بن مسايب، و محمد بن تريكي و بومدين بن سهلة و غيرهم وصولا إلى جيل القرن التاسع عشر كمصطفى بن ديمراد، فالمدرسة الحديثة.
إلى أي مدى تم الحفاظ على أشعار هؤلاء علما و أن أكثر أشعار الحوزي كانت تورث بطريقة شفوية؟
- صحيح أغلب القصائد لم تكن مدوّنة و بعضها فقط حظيت باهتمام البعض حيث تداولتها بعض الأقلام بطريقة محتشمة، لكن منذ نشأة قسم الثقافة الشعبية اختصاص الأدب الشعبي في الثمانينيات ساهم بشكل كبير في الحفاظ على ما أمكن من الموروث الشفوي.
فهل نجح الباحثون في إعادة مكانة هذا الموروث الأدبي و الثقافي و الفني ؟
- الجيل الجديد حاول أن يحقق النصوص بإعادة قراءة ما طبع، قراءة متأنية، على ضوء المنهج الحديث و وفق ما تتطلبه الدراسة الأكاديمية الجادة، و قد ساهم ذلك في العثور على نصوص كانت مجهولة لشعراء كبار كبن سهلة و الذي قمت أنا شخصيا بإعادة إخراج ديوان خاص به و كذا الشيخ بن تريكي و هناك مجموعة أخرى نحن بصدد العمل عليها، لأن ثمة نصوص كثيرة لا زالت بحاجة إلى تمحيص و إعادة الاعتبار لكتابها.
هناك من الباحثين من يقول بأن الكثير من الأشعار الجزائرية سرقت و تؤدى في دول الجوار، بعد أن اندثرت و نسيت من أبناء مسقط رأس أصحاب تلك القصائد، فماذا تقول في هذا الشأن؟
-لا يمكننا وصف ذلك بالسرقة، لكن هناك نصوصا مصاحبة، فهناك قصائد من عيون الشعر في فن الحوزي و المديح لسيدي بن مسايب مثلا لا زالت تؤدى باقتدار بالمغرب، منها قصيدة «الحرم يا رسول الله»، و التي لها مكانة كبيرة عند المغربيين، بالعكس هناك نسبة كبيرة من الأشعار الجزائرية محفوظة و مدوّنة بالمغرب و على باحثينا العودة إلى التنقيب بالمكتبات المحلية و حتى بدول الجوار و أيضا بعض الدول الأجنبية لاسترجاع هذه النصوص.
قلت في محاضرتك بأن ثمة من الباحثين المغربيين تعمّد عدم ذكر الجزائر كمهد لجنس الحوزي هلا حدثتنا أكثر عن ذلك.
- نعم هناك من تعمد عدم ذكر اسم الجزائر ضمن البلدان الرائدة في هذا اللون أو الجنس الشعري، أذكر منهم الباحث المغربي محمد الفاسي الذي زعم في مقدمته بأن هذا الجنس لا وجود له سوى في مدينتي فاس و مدينة أخرى تبعد عن طوكيو ببضعة كيلومترات، و هذا خطأ متعمد لأنه كان أكثر العارفين بأن الجزائر تعد مهدا لهذا الشعر و قد ناقض نفسه بالقول «إنني وجدت لبن مسايب ألف قصيدة في الجد و مثلها في الهزل»، فكيف يأتي بعد ذلك و يقول بأنه لم يجد هذا الجنس الشعري إلا في فاس، و العيب ليس في جيراننا لأنهم سبقونا في مجال التدوين.