حفريات سويقة القديمة تنفض الغبار عن أحواض الدباغة و الحدائق التركية العريقة
تحولت ورشة ترميم الجزء السفلي من حي السويقة القديم بقسنطينة، إلى متحف أثري مفتوح، بعدما كشفت أشغال الحفر التي تطلبتها المرحلة الأولى من الترميم، عن مواقع حضارية يزيد عمرها عن 100سنة، من بينها أحواض الدباغة القديمة بسيدي بزار و الحدائق التركية المتواجدة على ضفاف واد الرمال، فضلا عن هياكل عمرانية شكلت في زمن غابر معالم النسيج الحضاري للمدينة القديمة، و أرخت لنمط حياة منفرد لم يـتأثر بالمرحلة الاستعمارية.
الموقع المعلق أسفل جسر سيدي راشد، يعتبر واحدا من بين أجمل المواقع في العالم، ينتظر أن يتم الكشف عن المزيد من كنوزه المعمارية، في حال لم تتوقف ورشة ترميمه عن نشاطها بسبب مشاكل مالية أصبحت تهدد مستقبل المشروع، كما أوضح المهندس يوسف علي محمد، صاحب مكتب الدراسات المشرف على عملية ترميم السويقة السفلية، مشيرا إلى أن المشروع يواجه مشاكل تمويل حقيقة نظرا لتضاعف تكلفته في كل مرة تتعمق فيها الأشغال، وتكشف عن مفاجآت جديدة في الموقع المصنف كقطاع محفوظ يعود لعصور، و هو ما يتطلب حسبه الكثير من الدقة في العمل و الدراسات المتواصلة و يفرض أعباء مادية كبيرة. من جهتهم أوضح مسؤولو الشركة الجزائرية الأوكرانية المكلفة بالانجاز، بأن المقاولة وصلت لمرحلة التشبّع و لم تعد قادرة على تمويل الأشغال بشكل منفرد، ما يحتم على المسؤولين المحليين إلزامية الإسراع في إبرام العقود و تسريح المستحقات المالية الخاصة بصفقات المشاريع، كي لا يؤول مصير المشروع لمآل باقي المواقع التي هجرتها المقاولات الأخرى و بدأ الخراب يطالها بسبب الضبابية التي تخيم على العملية و عدم وضوح الجهة المسؤولة عن متابعة برنامج الترميم ككل.
أشغال الترميم التي انطلقت منذ قرابة السنة، لا تزال في مرحلة متقدمة حسب ما وقفنا عليه خلال زيارتنا للموقع، مع ذلك أسهمت الحفريات الأولى الرامية إلى الكشف عن تفاصيل المكان و تركيبته، في نفض الغبار عن الكثير من أشكال الحياة في الحي العريق الذي حافظ على أصالته و نمطه الخاص، خلال المرحلة الاستعمارية بفضل جهود السكان، الذين أجبروا بموجب أمرية إدارية استعمارية صدرت في جوان 1944 على العيش في الجزء السفلي من حي السويقة، بينما استقر المعمرون الفرنسيون في الجزء العلوي منه، الشيء الذي ساهم في بقاء الموقع نقيا و وفيا لطابعه المعماري الإسلامي التركي، حيث أن بعض المواقع التي تم حفرها إلى غاية الآن، دفعت إلى الواجهة بأعمدة و تيجان وصخور من الرخام المصقول و المنقوش، بالمقابل أبانت مواقع المنازل المنهارة « كدار طاطا»، عن تصميم هندسي متميز، ذو خاصية لا يمكن إيجادها في مكان آخر في العالم، ذلك في انتظار الكشف عن الزوايا و المزارات التي كانت منتشرة بكثرة في السويقة السفلية. وحسب المهندس يوسف علي محمد، فإن أشغال الترميم، قد تتطلب كثيرا من الوقت لا يمكن كما أوضح تحديده بدقة لأن مثل هذه الورشات بمثابة حقول غنية بالمفاجئات، فكلما تعمق العمل كلما ظهرت تفاصيل جديدة، ما يتطلب حسبه، التعامل معها بدقة عالية و تجديد الدراسات في كل مرة، مع ذلك فإن ترميم المكان في حد ذاته سيسمح بإجراء دراسة تاريخية معمقة حوله، كون مكتب الدراسات المشرف على العملية يعمل كما قال، بالتنسيق مع خبراء و باحثين متعددي التخصصات في مثل هذه المشاريع.
خلال نزولنا لموقع الورشة لاحظنا، بأن القائمين عليها قد لجأوا لانجاز مصعد هوائي صغير لتسهيل التنقل بين موقع العمل و الضفة الأخرى لواد الرمال المعروفة بشارع رومانيا، أوضح لنا مسؤول المشروع بأنه استحدث خصيصا من قبل الشركة المنجزة، للحفاظ على الصخور و الردوم الناتجة عن المرحلة الأولى من الأشغال، لإعادة استغلالها كمواد نبيلة في عملية الترميم، وبناء المنازل من جديد بهندستها الأصلية و بنفس الدقة التي كانت عليها مسبقا، مشيرا إلى أن الفكرة فرضت نفسها بعدما تعذر على العمال نقل الردوم بسبب صعوبة التضاريس و تعذر الاستفادة من مسالك الجزء العلوي للسويقة لكونه لا يزال آهلا بالسكان.
خلال تواجدنا بالموقع، أخبرنا القائمون على المشروع بأن الترميمات ستنعش وجه السويقة القديمة، و تعيدها إلى سابق عهدها، إلا أنها لن تكون قابلة للسكن مجددا نظرا لتضررها بشكل كبير بسبب عوامل الإنسان و الزمن، مع ذلك ستسمح بخلف فضاء سياحي فريد من نوعه في العالم، مؤكدين بأن الأمر يتطلب صبرا و التزاما جديا و مطلقا من قبل السلطات.
نور الهدى طابي