الأربعاء 27 نوفمبر 2024 الموافق لـ 25 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

أهلها تمردوا على الصناعة و عادوا إلى الفلاحة

الماء الأبيض.. بلدية تنام على بحيرة من الماء

يصعب على كثيرين تحديد ماهية بلدية الماء الأبيض ، فالبعض يصنفها في خانة البلديات الصناعية بإمتياز لتوفرها على 3 مصانع وأكثر من 6 مرامل ، بينما لا يتوانى آخرون في نعتها بالقطب الفلاحي الكبير بولاية تبسة ، بالنظر لحجم الإنتاج الذي تجود به أرضها . بين الرأيين لا يختلف إثنان في ولاية تبسة في وصف هذه البلدية بالمحظوظة ، لأنها قادرة على التحليق بعيدا بجناحي الصناعة والفلاحة معا . قد تساعدها وفرة المياه الجوفية في تحقيق الإقلاع التنموي المنشود . غير أن الزائر لهذه البلدية يقف على مجتمع يصارع التلوث الصناعي ويكابد جزء منه - كباقي سكان البلديات المجاورة- مشاكل فك العزلة وتحسين الإطار المعيشي خاصة بعد الطفرة العمرانية الجديدة.
بلدية الماء الأبيض – 28 كلم إلى الجنوب الشرقي من تبسة – تعتبر همزة وصل بين عاصمة الولاية وجنوبها . تأسست سنة 1956 كبلدية على مساحة إجمالية تقارب 316 كلم مربع، ويقدر تعداد سكانها بأكثر من 20 ألف ساكن نصفهم يعيشون بالتجمع الحضري والباقي في مناطق مبعثرة. وتقول المصادر التاريخية أن الماء الأبيض سميت بهذا الاسم لكثرة آبارها ومياهها الجوفية، كما تتوفر على آثار لحقبات تاريخية مختلفة، تؤرخ لعراقة تواجد الإنسان فيها، وبين ثناياها تقف عين الزائر على متحف مفتوح يروي أقوال وأعمال من مروا من هنا وذهبوا، فظلت ذكراهم باقية وشامخة شموخ بعض القلاع الرومانية ومعاصر الزيتون التقليدية كمعصرة برزقال.
 كما تحتفظ ذاكرتها الثورية بعدة مواجهات إبان ثورة التحرير قادها أبطال ومجاهدون لدحر القوات الاستدمارية، كما أنجبت الماء الأبيض الكثير من الوجوه الإبداعية التي نشطت الحركة الثقافية، فضلا عن مخزونها البشري في المجالات الأخرى.
سكان البلدية تمردوا عن الصناعة وعادوا إلى الفلاحة
إستعادت بلدية الماء الأبيض تدريجيا صفتها الفلاحية التي حاولت السلطات المتعاقبة القفز عليها بعد الإستقلال ، من خلال التركيز على خلق المؤسسات الصناعية على حساب طبيعتها الفلاحية . غير أن السكان إنتفضوا على الوضع القائم وعادوا لخدمة الأرض طواعية . حفزتهم نوعية التربة وخصوبتها والمردود المحقق في هذا المجال على هذه العودة المحمودة، وكان من ثمرة ذلك أن إسترجعت الحقول بساطها الأخضر، وتحولت هذه البلدية إلى قطب فلاحي يزود ولاية  تبسة وغيرها ببعض الخضراوات الموسمية وخاصة البطاطا.
القطاع الفلاحي سجل نقاطا إضافية على حساب النسيج الصناعي الذي لم يفلح في إمتصاص البطالة بالعدد المأمول ، تحصي مديرية المصالح الفلاحية أكثر من 300 هكتار مغروسة بطاطا تعود ملكيتها لـ 60 منتجا .  جنى هؤلاء منها أكثر من 93 ألف قنطارا، في الوقت الذي خصصت مساحة 10 آلاف هكتار لإنتاج الحبوب و575 هكتار أخرى لزراعة الأعلاف . وشهدت غراسة الزيتون إستفاقة ملحوظة بعدما توسعت المساحة المخصصة لها إلى 176 هكتار. وإستنادا لمصدرنا فإن المساحة الإجمالية الصالحة للفلاحة تقارب 14500 هكتار من مجموع 20 ألف هكتارا، لكن لا تتعدى المساحة المسقية الـ 2000 هكتار .قد تتحسن نسبة المساحات المسقية بفعل العودة إلى الفلاحة .
 وتحصي المصالح الفلاحية 2528 فلاحا ينشطون في شعب مختلفة ، منها تربية الماشية والدواجن، إذ يوجد بالبلدية 4 مداجن بطاقة 14400 دجاجة و مدجنة أخرى للديك الرومي، كما تكاثرت بها عدد خلايا إنتاج العسل لتتجاوز 220 خلية.
 في مجال الثروة الحيوانية لازالت بلدية الماء الأبيض محافظة على هذه المهنة المتوارثة عن الأجداد، إذ تضم 1380 بقرة و44400 رأس من الغنم و7100 رأس من الماعز.
 يؤكد المدافعون على الخيار الفلاحي بأن هذه البلدية بإمكانها تحقيق الإقلاع التنموي المنشود في هذا القطاع بالنظر لثراء تربتها ونومها على مخزون وافر من المياه الجوفية . لكن القطاع لن يعرف التطور المرجو حسب المختصين ويحقق الهدف المنشود ما لم تتغير آليات العمل التقليدية بإدخال التقنيات الحديثة على غرار تعميم إستعمال البيوت البلاستيكية والسقي بالتقطير وإستخدام الطاقة الشمسية ، واقتناء محولات كهربائية للآبار العميقة.
نقص غرف التبريد وأسواق الجملة يعرقلان إنتاج الخضروات الموسمية
حققت بلدية الماء الأبيض قفزة نوعية في إنتاج الخضراوات الموسمية وخاصة البطاطا ، غير أن عملية الإنتاج تواجهها عدة مشاكل أخرى بعضها مرتبط بندرة اليد العاملة وبعضها الآخر مرتبط بالظروف المناخية ، على غرار الإنجراف والتصحر والفيضانات . مما دفع ببعض المنتجين إلى الإستعانة بالشراكة مع منتجين من خارج الولاية للتغلب على هذه المشاكل.
ويأمل المنتجون من السلطات المعنية خلق غرف للتبريد وأسواق للبيع بالجملة بالبلدية، للتغلب على مشكلتي التخزين والتسويق . وكان رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية الماء الأبيض قد طالب عقب زيارة الوالي للبلدية بتدعيم بلديته بغرف للتبريد، مشيرا إلى أن الفلاح لا يمكنه الحفاظ على منتوجه الوفير من البطاطا، ويضطر إلى التخلص منه قبل الوقت ببيعه للتجار القادمين من عدة ولايات.
 وتعول البلدية حسب المير على مشاريع الإستثمار التي لم تنطلق بعد لتجاوز مشكلتي غرف التبريد وأسواق الجملة .  والي الولاية تأسف لكون إنتاج البطاطا يتم بسواعد من خارج تبسة، حيث قال إن الماء والتربة والأسمدة من الولاية ولكن جنيها وتسويقها يتم بسواعد من ولايات خنشلة و سطيف والبرج وأم البواقي . كما أشار إلى أنه سيتم النظر في الطلبات التي تقدم بها المواطنون بشأن حفر آبار جديدة، لتنمية القطاع و وعد بأن السلطات العمومية سترافق هؤلاء المنتجين.
 الدولة قدمت الدعم للمئات من المواطنين لخلق مشاريعهم الإستثمارية في بداية الألفية الماضية . كما دعم الصندوق الوطني للتنمية الفلاحية 160 فلاحا بعمليات لحفر الآبار العميقة والسطحية، فضلا عن إنجاز الأحواض المائية وإقتناء الجرارات والحاصدات.
الفلاحون  ينتظرون تدعيما أكثر من خلال فتح المسالك وتعبيد الطرق البلدية نحو المشاتي الكبرى لتطوير القطاع . أما في مجال توصيل الكهرباء الفلاحية إلى نقاط المياه فقد منح للبلدية حصة بـ 5 كلم وفق برنامج 2014، والعملية بصدد الدراسة التقنية من طرف سونلغاز بالتنسيق مع المصالح الفلاحية لتحديد المسافة لكل مستفيد، كما سيتم فتح المسالك الريفية بعنوان 2015 على مسافة 8 كلم والعملية حاليا في طور تعيين مكتب الدراسات.
وكان رئيس البلدية قد طالب السلطات بتدعيم حصة السكن الموجهة لبلديته بالنظر لكثرة الطلب ورغبة الكثيرين في العودة إلى خدمة الأرض بعد تحسن الوضع الأمني ببعض المناطق . وشدد والي الولاية في هذه النقطة على أن حصة السكن الريفي غير مسقفة وما على رؤساء البلديات سوى تحضير ملفاتهم بعد الإنتهاء من دراستها . تجدر الإشارة إلى أن مديرية السكن كانت قد أحصت إستفادة 111 مواطنا من السكن الريفي في إطار البرنامج التكميلي، بينما لازالت 19 ملفا أخرى في إنتظار المعالجة لوجود جزء منها على مستوى البطاقية ، أو في انتظار تعويضها . كما إستفاد قطاع السكن بحصة 104 مسكن تساهمي بالمنطقة الحضرية . يأمل المواطنون تدعيم حصة السكن الإجتماعي بالنظر لكثرة الطلب في الوقت الذي لم تعد فيه مشكلة الربط بالغاز مطروحة .
قطب صناعي قادر على جلب العملة الصعبة خارج المحروقات
تجاهل القائمون على الإقتصاد المخطط طبيعة هذه البلدية وراهنوا على الصناعة فقاموا بإنشاء مؤسسات صناعية كبرى معتمدين على مخزون المواد الأولية الذي تتوفر عليه . وتماشيا مع هذه الإستراتيجية تحولت بلدية الماء الأبيض إلى القطب الصناعي الأكبر بولاية تبسة، غير أن هذه الميزة إصطدمت ببعض المشاكل فكانت الإنطلاقة متعثرة بالنسبة لبعض المؤسسات الصناعية ، التي لم تتمكن من الصمود في وجه بعض المشاكل . وتضم الخريطة الصناعية شركة الإسمنت ووحدات للحصى و المرامل ومصنع للأنابيب وآخر للزجاج المقعر. نشير إلى أن مصنع الإسمنت قد دخل الإنتاج أواخر شهر ديسمبر من عام 2006 بأكثر من 100 عامل وبطاقة إنتاج تفوق مليون طن سنويا من مادة الإسمنت . هو حاليا  يمون مختلف الورشات البنائية بولاية تبسة بهذه المادة كما يمون بعض الولايات المجاورة . ترافقه 3 محاجر تابعة له و3 أخرى خاصة تشغل عددا لا بأس به من العمال . كما تتواجد بالماء الأبيض المؤسسة الوطنية للأنابيب وتحويل المنتجات المسطحة وحدة أنابيب الغاز بتبسة . هي الوحدة التي أنشئت منتصف جويلية 1988 ودخلت الإنتاج الفعلي بداية من عام 1993، ويقدر عدد عمالها بنحو 211 عامل منهم 186 دائما، غير أن إنتاج هذه المؤسسة تواجهه منافسة شرسة من قبل المنتجات المستوردة والمنتجة بأسعار أقل.
غير بعيد عن هذا المصنع يوجد مصنع الزجاج المقعر الموجه لإنتاج القارورات الزجاجية بأنواعها . إذ لم ينطلق هذا المصنع بعد ، رغم أنه كلف الدولة 120 مليار سنتيم بأسعار التسعينيات من القرن الماضي وكان حسب المختصين بحاجة آنذاك لـ 50 مليار سنتيم إضافية لدخوله مرحلة الإنتاج، وتحركت السلطات العمومية في إتجاه تشغيله بالاعتماد على الشراكة، حيث أسفرت مساعيها على الاتفاق مع شركة «سان غوبان» من خلال الفرع الايطالي على شراكة، لحلحلة الوضعية ودخول هذه المنشأة الإنتاج، إذا علمنا أن طاقته النظرية يمكن أن تلامس إنتاج 60 مليون قارورة و68 مليون بوقالة، سنويا وبدخوله الإنتاج سيسد حاجيات السوق المحلية من هذه المواد وقد يصدر منتوجه للخارج.
طرق بلدية غير معبدة والماء الأبيض بحاجة لمستشفى كبير
طالب رئيس بلدية الماء الأبيض من السلطات الولائية تعبيد الطرق المؤدية على المشاتي الكبرى، وأشار أن بلديته بحاجة للتهيئة بالأحياء وأنها لم تستفد من تعبيد ولو كيلومتر واحد مما جعل المواطنون بمشاتي مثل البغدادي والكريز والدكان والترشة والقوسة يعانون وخاصة كلما تساقطت الأمطار، وذكر أن مصالح البلدية تكفلت بدراسة هذا المقترح وستحيله على مديرية الأشغال العمومية للنظر فيه، كما اغتنم رئيس البلدية فرصة زيارة والي تبسة مؤخرا للتأكيد على ضرورة دعم الماء الأبيض بمستشفى جديد، بالنظر لتوسطها الولاية واعتبارها منطقة عبور ولتواجد قاعدة صناعية بها.
 مع العلم أن القطاع الصحي يضم عيادة متعددة الخدمات يؤطرها 7 أطباء عامون و4 جراحين و23 شبه طبي، فضلا عن 6 قاعات علاج منها قاعتي علاج مغلقتين بالدكان وبرزقال في انتظار التهيئة.
 وفي السياق ذاته أشارت مديرية التجهيزات العمومية أن 57 بالمائة من الاستثمارات العمومية استهلكت بالبلدية وقدر عدد العمليات بنحو 56 عملية موزعة على البرامج القطاعية المركزية والمخططات البلدية للتنمية، وتحتاج بلدية الماء الأبيض وفق النظرة استشرافية قريبة ومتوسطة المدى لمديرية التخطيط إلى مركز ردم تقني يستوعب القمامة المنزلية والصناعية، كما تحتاج لـ 1010 مسكن موزع على مختلف الصيغ لمواجهة طلب السكان، وستكون مديرية الطاقة حسب المصدر ذاته مجبرة على ربط 2430 مسكن بالكهرباء و 1155 مسكن بالغاز، في ظل التطور العمراني الذي تشهده الماء لبيض، كما تحتاج إلى مكتبين بريديين و1519 خط هاتفي بالمناطق الحضرية، فيما يتطلب التصدي للعوامل المناخية تشجير 1422 هكتار للتقليل من عوامل الانجراف وحماية المستثمرات المنتجة، كما تحتاج لمحطة لنقل المسافرين وأخرى للسكة الحديدة، بينما يتطلب ضمان تدريس التلاميذ مستقبلا إنجاز 10 حجرات توسيعية بالابتدائي و17 قاعة في المتوسط و4 في التعليم الثانوي.
روبورتاج: الجموعي ساكر

جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com