روجيه غارودي ومفكرون كبار يحاولون فهم العالم في سجن الجلفة
اعتبر الروائي عبد الوهاب عيساوي بأن الرواية قادرة على إعادة سرد التاريخ الذي لم يكتب، من خلال الاستعانة بمذكرات من شاركوا فيه ونسج حكاياتهم في قالب روائي جميل ومشوق ،وهو ما قام به في روايته «سيّيرا دي مويرتي»، حيث استعاد أهم الشخصيات التي مرت بمدينة الجلفة وكتبت عنها، من خلال مذكرات أو كتب فكرية و حتى أشعار.
ينقل الروائي أحاديث أشهر الشخصيات الفكرية والأدبية التي سجنت في سجن «عين الأسرار» بالجلفة بعد الحرب الإسبانية و خسارة الجمهوريين في معركة سييرا المعروفة ،وتم نفي المعتقلين إلى أماكن عدة ،وانتهى الأمر بمعظمهم في مدينة الجلفة الجزائرية ، حيث اضطر كثير من المسيحيين والشيوعيين واليهود والمسلمين للتعايش معا في سجن «عين الأسرار» ،وذلك في روايته «سيّيرا دي مويرتي» التي صدرت مؤخرا عن دار نشر رابطة الإبداع بوادي سوف.
و هكذا يلتقي كل من المفكر روجيه غارودي بالكاتب العالمي ماكس أوب والمفكرة سيمون فاي ،بالإضافة إلى اليهودي بنجامين كورسكي، القادم من وارسو البولونية، في سجن «عين الأسرار» الكائن بالجلفة ، حيث ينفى إليه الجمهوريون الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية، وقامت حكومة فيشي بنفيهم إلى الجلفة ومعهم الجمهوريين الفرنسيين و الأوروبيين الآخرين الذين كانوا يعارضون نظم الحكم الديكتاتورية في أوروبا، كما أن سجن عين الأسرار عرف عنه بأنه أشهر معتقل أودع فيه عدد كبير من الشيوعيين في الثلاثينيات من القرن الماضي.
وحسب الكاتب عبد الوهاب عيساوي، فإن مدينة الجلفة تشكل مادة روائية،خاصة وأنها كانت معبرا للشخصيات المهمة في العالم، كما كان الحال بالنسبة لمرور الأمير الكمبودي «دون شاكر» الذي اعتقل في الجلفة طيلة 04 سنوات إلى غاية وفاته في 15 مارس 1897، بعد أن أدلى بتصريحات أغضبت السلطات الفرنسية ،فتم نفيه الى الجزائر ،فمن الحدث التاريخي يستطيع الروائي الجزائري أن يوصل تاريخ منطقته وعلاقتها ببناء شخصيات فكرية وأدبية وسياسية عالمية.
تنقسم الرواية إلى قسمين ، حيث يسرد القسم الأول مشاهد رحلة الأسرى من معتقل «فارني دارياج» (Vernet d›Ariège) بالجنوب الفرنسي، إلى معتقل عين أسرار بالجلفة، بينما ينقل القسم الثاني حوار أهم الشخصيات التي اعتقلت ووجدت داخل السجن ، خاصة حين يتمكن الحلفاء من النزول بالجزائر و منح الجمهوريين حرية الخروج والاختلاط مع السكان المحليين، فيتم نقل انطباع سكان سجن عين الأسرار عن المدينة وتقاليدها.
ويرتفع السؤال الفلسفي والوجودي بين الديانات المختلفة التي يمثلها مفكرون وأدباء لتكون الرواية بمثابة حوار حضاري مصغر تقوم به النخب ، مثل الحوار الذي جرى ما بين اليهودي كورسكي و مانويل الملحد ، كما تناولت الرواية موقف روجي غارودي من الإسلام ،الذي تغير تماما بعض أن رفض الحراس العرب قتلهم و رددوا مقولتهم الشهيرة : « لسنا نحن الذين نرفع السلاح في وجه الأسير».
حمزة.د