مطلقات ضحايا مغتربين يبحثون عن خادمة أو ممرضة في ثوب زوجة
أعمارهن بين العشرين و السادسة و العشرين، فتيات في عمر الزهور بينهن جامعيات و أخريات تركن مقاعد الدراسة لتحقيق حلم البيت و العائلة و الأبناء، يجمعهن قاسم مشترك هو أنهن وقعن ضحايا شباب مغتربين وعدوهن بالزواج و الهجرة إلى أوروبا، للإستمتاع بحياة سعيدة، فبنين قصورا من الأوهام، سرعان ما انهارت فوق رؤوسهن بعد أقل من سنة من الزواج، لتجدن أنفسهن مطلقات دون أن تطأ أقدامهن يوما أراضي الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.
بريق حلم الهجرة يعمي أبصار الضحايا
التقت النصر، ببعض ضحايا هذه الزيجات فتحدثن عن معاناة، بدأت بحلم الزواج و الهجرة إلى أوروبا، و انتهت في أروقة المحاكم، قلن لنا بأنهن انتظرن وثائق تسوية الوضعية بالخارج، فتفاجأن بورقة الطلاق، فتيات تزوجن بمغتربين فوجدن أنفسهن خادمات، هو واقع أليم تعيشه كثير من الجزائريات اللائي قادهن النصيب للاقتران بعرسان مقيمين خارج الجزائر، و تحديدا بفرنسا و كندا و بلجيكا، كن يُمنين النفس بالعيش الكريم ليجدن أنفسهن «يتوسلن» طلاقا لم يتحصلن عليه إلا بشق الأنفس، بعد أن اكتشفن الحقيقة المرة لعرسان تسرعن في القبول بهم، بعدما أعماهن بريق حلم الهجرة.
مريم. س، في ربيعها 26، خريجة كلية الحقوق بجامعة قسنطينة، قالت بأن قصتها بدأت داخل صالون للحلاقة، حيث التقت هناك بإحدى السيدات من حي بوذراع صالح، عبرت لها عن إعجابها بجمالها و ثقافتها، و عرضت عليها أن تطلب يدها لشقيق زوجها المغترب بفرنسا، بعدما أوهمتها بأنه شخص محترم، و دون تفكير وافقت مريم، وبعد ثلاثة أشهر تم عقد قرانها.
محدثتنا أوضحت بأن حلم باريس أعمى بصيرتها عن كل شيء، حتى أنها وافقت على الزواج و الانتظار في منزل عائلة زوجها إلى غاية إتمامه لوثائق الإقامة الخاصة بها لتلتحق به في الخارج، غير أن الواقع كان خلاف ذلك، إذ طالت مدة الإقامة بمنزل العائلة إلى أزيد من ثمانية أشهر، عاشت خلالها الجحيم مع عائلة الزوج التي حولتها إلى خادمة، بينما غادر هو دون عودة، ليتضح بعد ذلك، بأنه متزوج من فرنسية بمارسيليا، و ارتبط بمريم الجزائرية إرضاء لوالدته، التي ظنت بأن تزويجه من ابنة بلده ستقنعه بالاستقرار نهائيا في الوطن.
محدثتنا قالت بأنها، اضطرت بعد مرور تسعة أشهر إلى العودة إلى منزل والدها و طلب التطليق فعانت الأمرين للحصول عليه، بعدما تطلبت منها القضية حوالي ستة أشهر في أروقة المحاكم قبل أن ينفصم الرباط المقدس، دون أن تتحصل على أي تعويض مادي على الضرر المعنوي الذي لحق بها.
تزوجت شابا في الوثائق فوجدت شيخا هرما بفرنسا
أما فريال، 20عاما فكانت ضحية مغترب يعيش في بلجيكا، قالت بأنه تربطه علاقة قرابة بعائلة والدتها، تعرفت عليه في أحد أعراس العائلة، و تقدم لخطبتها، ثم تزوجا لكنه تركها في بيت عائلته ووعدها بالسفر للعمل و العودة كل شهرين، إلى غاية إتمامه لإجراءات اصطحابها معه، لكنه بعد شهرين بدأ يتحجج و طلب منها خلع الحجاب، و لأنه زوجها شرعا اضطرت للقبول بالأمر، وبعد سفرها و إقامتها معه لمدة ستة أشهر،عادت إلى أرض الوطن مجددا، بعدما اكتشفت سوء أخلاقه و إدمانه على الكحول و الموبقات، مؤكدة بأنها لم تغادر المنزل منذ وطأت أقدامها الأراضي البلجيكية، إذ كان يصر على حبسها داخله، وما كانت لتعود إلى الجزائر مجددا، لولا تدخل عائلتها.
تختلف قصة فريال عن بقية الحالات، لكونها عادت و هي تحمل في أحشائها جنينا، قالت بأنه سيذكرها دائما بأن حياتها قد تدمرت، خصوصا و أنها تحمل الآن صفة مطلقة في عمر العشرين.
الظاهرة التي عرفت ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، تبدأ عادة خلال فصل الصيف عندما يبدأ المغتربون بالعودة إلى أرض الوطن، للبحث عن خادمة تحت غطاء الزواج، فمنهم من يصطحبها معه إلى الخارج، و منهم من يتركها حبيسة غرفة في منزل العائلة لتخدمها و تعتني بشؤونها.
و تختلف القصص من ضحية إلى أخرى، لدرجة أن بعضها يصل حد التحايل، كما حدث مع فتاة أخبرنا بقصتها محام بمجلس قضاء قسنطينة، تزوجت، كما قال، عن طريق الوكالة من شاب مغترب، أخبرها أهله بأنه ثري و وسيم في الرابعة و الثلاثين من العمر، فوافقت فورا، هربا من مشاكلها العائلية، لتكتشف بعد سفرها بأنه شيخ عمره 67 عاما أرسلت إليه كممرضة، تعتني به ليستفيد أهله في الجزائر من منحة تقاعده التي يرسلها لهم شهريا، فاضطرت لطلب الخلع لتنجو من وضع لا يطاق.
العدالة تعالج حوالي 20 قضية طلاق
و خلع سنويا
حالات أخرى مختلفة أكدت الناشطة الحقوقية و المحامية بمجلس قضاء قسنطينة كوثر كريكو، بأنها موجودة بكثرة، و تعبر عن واقع فتيات دمرت حياتهن بسبب أشخاص لا ضمير لهم، مشيرة إلى أنها عالجت ثلاث قضايا من هذا النوع خلال مسيرتها المهنية، بالمقابل يصل عدد القضايا التي تستقبلها العدالة سنويا إلى 20 قضية، أغلبها حالات خلع.
المحامية أوضحت أن هذا النوع من القضايا جد معقد، لأن التعامل يكون مع أشخاص مغتربين يخضعون بحكم إقامتهم في الخارج لقوانين الدول الأجنبية التي يعيشون بها، وهي دول لا تملك اتفاقيات مشتركة مع الجزائر، و من الصعب تكييف قوانيننا مع قوانينها، فضلا عن استحالة تطبيق قرارات العدالة الجزائرية على الأشخاص المتواجدين فوق أراضيها، وهو ما يطيل عمر الفصل في قضايا انفصام الزواج بالطلاق أو التطليق من هذا النوع لتتجاوز السنة إلى سنتين أو ثلاث سنوات أحيانا، و تنتهي دون حصول الضحية على أي تعويضات.
صعوبة تكييف القوانين الجزائرية
و الأجنبية يعقد معاناة الضحايا
ويبقى الإشكال في مثل هذه الزيجات هو صعوبة حصول المرأة على التطليق بعد تمسك الزوج بها، وحتى وإن تطلقت يظهر مشكل دفع النفقة إذا كان لديها أولاد، وعن هذا تقول الأستاذة فتيحة بغدادي ترعي، محامية و رئيسة جمعية النور لحماية و ترقية الأسرة، بأن دفع النفقة تعيقه دائما العناوين الوهمية التي يقدمها العرسان بأرض الوطن، لأن القانون الجزائري ينص على أنه إذا كان الزوج خارج الوطن، فإن التبليغ من المحكمة يرسل إلى عنوان أهله أو معارفه بالجزائر عبر محضر قضائي، لكن إذا كان العنوان وهميا يبلغ المحضر القضائي النيابة بالأمر، فتتخذ الأخيرة ضد الزوج إجراءات منها إصدار أمر بالقبض ضده بمجرد دخوله إلى الجزائر.
المحامية أشارت إلى أن المشكل يكمن في كون الكثير من المغتربين لا يعودون إلى أرض الوطن، بينما يتظاهر آخرون بتمسكهم بزوجاتهم طمعا في الأموال التي سينالونها إذا ما قررت المعنية اللجوء إلى الخلع، مضيفة بأن القضاة بالجزائر يمنحون المرأة التي تخلى عنها زوجها المهاجر لمدة معينة لتتمكن من الحصول على الطلاق، وتبدأ هذه الفترة أحيانا من 4 أشهر.
و ترى المتحدثة أن أبرز المشاكل التي تواجه النساء الجزائريات في الغربة، هو اختلاف القوانين، فما يعاقب عليه القانون الجزائري لا تجرّمه القوانين الأجنبية، مثل الخيانة الزوجية أو ممارسة الشذوذ الجنسي وغيرها.
نور الهدى طابي