"مالك بن نبي اضطهد نتيجة أفكاره و وجّه كتاباته للأجيال المقبلة"
كشف الدكتور عمار طالبي رئيس جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة سابقا، وأحد من عايش المفكّر الجزائري مالك بن نبي، بأن الأخير لم يُعطى حقه من طرف أبناء جلدته، الذين رفضوا أفكاره الإستشرافية مضيفا «لقد حاربوه واضطهدوه، لأنه رفض تطبيق سياسات و إيديولوجيات مستوردة من الغرب، على غرار الاشتراكية والماركسية، التي فشلت في بلدانها الأصلية لأنها، بثت في الشعوب روح الاتّكال على الدولة وشجعتهم على الكسل». مضيفا «لقد وجد الكثير من الخصوم الذين هم أنصار هذه الإيديولوجيات، و حاولوا إسكات صوته وتجميد فكره، لكنه صدّهم بشتى الطرق وأصدر كتابا بعنوان الثقافة والحضارة والإيديولوجية، شرح خلاله نظرته المستقبلية بعد دراسته للواقع والثقافة الإسلامية والعربية المتجذّرة في بلادنا».
وأجاب ذات المصدر في تصريح للنصر على هامش فعاليات الملتقى العلمي الوطني الرابع لفكر مالك بن نبي، احتضنته قاعة المحاضرات بدار الشباب بعين أرنات شرق سطيف، بأن الجزائريين لم يعطوا المفكر حقه «لكنه وجد الاعتراف من الأجانب، بدليل أن ماليزيا قامت بتنظيم أول ملتقى عالمي سنة 1999 حول فكر مالك بن نبي. لقد تنبأ المرحوم بالعودة إلى أفكاره وبأنها ستفهم وتناقش بعد 30 سنة من كتباتها، حيث نشهد حاليا إقبالا كبيرا من طرف الشباب العربي على أفكاره من أجل دراستها وتحليلها والاستنباط من معانييها».
أما بخصوص معايشته ومرافقته للمفكر مالك بن نبي الذي توفي سنة 1973، صرّح «كان رجلا لطيفا ومؤدبا وحضاريا، لكنه في نفس الوقت يمقت الإعوجاج خاصة الفكري منه ويحتج عليه كثيرا، لأنه تعوّد على الأفكار المستقيمة والصحيحة، كما أنه كان ينزعج من سماع بعض الأفكار التي لا تنطبق مع الواقع العملي، ويحاول تصليحها من خلال المقالات والكتابات التي كان يصدرها». أما عن مميزاته وصفاته أضاف قائلا «لقد كان رحمه الله واقعيا ويستلهم الأفكار من الواقع والمجتمع لأنه شديد الملاحظة، خاصة لمختلف السلوكات والظواهر الاجتماعية، يقوم بتحليلها بعد تفكير عميق ثم يستنبط الأحكام والنتائج ويطرح الحلول العملية».
وخلال مداخلة قدّمها الدكتور مهداوي توفيق، رئيس الملتقى، دعا إلى أهمية تطبيق أفكار مالك بن نبي في هذا الظرف العصيب التي تمر به الأمة الإسلامية والعربية، خاصة أنه لم يحظ بالأهمية الكبيرة رغم أفكاره العميقة والعملية، مضيفا «لقد حثّنا المفكّر بأن غنى المجتمع لا يقاس بكمية ما يملك من أشياء، بل بما فيه من أفكار تجديدية حيّة تعرف طريقها إلى العقول والنفوس وواقع الناس العملي». واستطرد قائلا «اليابان مثلا تعتبر معجزة في الاقتصاد كذلك تايوان، رغم أنهما لا يملكان من الثروات الطبيعية إلا القليل، فما كان لهذين البلدين أن يبلغا هذه المكانة المرموقة في دنيا المال والاقتصاد لولا اعتمادهما على عالم الأفكار الحية والمبدعة».
وكشف الدكتور محمد العيد ممطر من جامعة باتنة، بأن المفكر مالك بن نبي أدلى بدلوه خلاله فترة الاستعمار والثورة التحريرية وطرح أفكارا غزيرة في تلك الفترة مصرحا «مالك بن نبي قال في تلك الفترة بأن الثورة الجزائرية هي من صنع الجماهير الشعبية الواسعة وليست من صنع طبقة معنية أو نخبة خاصة، كما أن الثورة في الواقع تعتبر ثورة الفلاحين ولا تحسب بعدد الشهداء بل بروحها ورمزيتها». مضيفا استلهمنا من أفكاره أيضا «أن ما يجب علينا فعله هو إختيار مواضيع تفكيرنا بأنفسنا وذلك من أجل ضمان استقلال فكري وتحديد نظرتنا للأجيال الصاعدة، لبناء وطننا والحضارة الإنسانية والإبداع وتحطيم بعض الأفكار و الذهنيات البائدة». وأضاف بأن على الجيل الحالي التعمق في دراسة فكر مالك بن نبي وتطبيق أفكاره، خاصة أن الأجيال السابقة لم تعطيه حقه.
وأوضح الدكتور عبد الحليم مهور باشا من جامعة سطيف 2، بأن المفكر مالك بن نبي سبق عصره وقدم أفكارا في مختلف المجالات خاصة الفلسفة والثقافة لها أبعاد عميقة وواقعية مضيفا «لقد استشرف مشروع نهضوي وتغييري مستنبط من الثقافة الإسلامية، على أساسه يكون الإقلاع العلمي والمعرفي لأمتنا، وقد كتبه للأجيال المقبلة لكي تقوم بعملية البناء والتجديد، حيث وجد بأن المجتمع آنذاك ولازال واقعا في مشكلات حضارية وأفكار مستوردة».
جدير بالذكر في الأخير، أن المنظمين وجهوا دعوة للسيدة موساوي زينب، ابنة أخت المفكر مالك بن نبي التي عايشته لسنوات عديدة، قالت بأنه آخر ما صرح به قبل وفاته وصية لطلابه حول أهمية العناية باللغة العربية لغة القرآن الكريم وقراءتها جيدا وتلقينها للأجيال المقبلة وأضافت قائلة «لقد كان غزيرا في العلم والكتابة، في إحدى المرات سألته زوجته لمن تكتب؟ قال لها أكتب للأجيال المقبلة».
رمزي تيوري