تازولـــــت ... بلديـــة مخــــيّرة بين التنميـــــة و الآثـــــار
وجدت بلدية تازولت، التي تقع على مسافة 10 كلم جنوب شرقي عاصمة الولاية باتنة، نفسها معطلة في مجال التنمية، بسبب انعدام الوعاء العقاري لوضعيته المعقدة، لدرجة بلغت عدم إيجاد مساحة أربعة أمتار مربع لإنجاز مشروع مراحيض عمومية، ولعل الأدهى والأمر في معادلة العقار بهذه البلدية، التي كانت في زمن غابر عاصمة للدولة النوميدية، تحول الكنوز الأثرية التي تحتويها من حضارات عدة تعاقبت على المنطقة، إلى عبء على التنمية، فلا المواقع الأثرية حظيت بالاستكشاف والاهتمام والبحث ولا استغلت أراضيها كمساحات في دفع عجلة التنمية، ما جعلها تتحول لعائق أمامها.
تحولت المواقع الأثرية التي تزخر بها بلدية تازولت أو لمباز كما تُعرف بتسميتها الضاربة في التاريخ إلى نقمة، فالمدينة التي مرت فوق ترابها أعرق الحضارات الإنسانية، من نوميديين وبزنطيين ورومان، وكانت عاصمة لدولة نوميديا قبل نقلها لسيرتا، أصبحت آثار الحضارات بها اليوم تشكل عائقا وعبئا على التنمية بهذه البلدية بعد أن أصبحت دون مشاريع تنموية بحجة انعدام العقار لتوطين المشاريع، ووقوف المواقع الأثرية حجر عثرة أمامها.
في وقت لم يتم الاهتمام بهذه الآثار بدليل عدم تحديد المعالم والمواقع التي لا تزال بحاجة للاستكشاف، وما اكتشف منها كان عن طريق الصدفة على غرار اللوحة الفسيفسائية لفركسوس وهيلي التي تجسد الأسطورة الإغريقية للقربان الخائب التي كشفت عنها سيول الأمطار، ولوحة النمرة داخل مسكن قائد عسكري.
وكان فريق باحثين مختص في الآثار على رأسه أمينة عائشة مالك قد أشرف على التنقيب على اللوحات الفسيفسائية، غير أن العملية توقفت بعد أن طفت للسطح عراقيل أخرى تتعلق بكيفية حفظ هذه اللوحات وغيرها من الآثار في ظل افتقار المنطقة لمتحف وإمكانيات لحماية المكتسبات الأثرية.
تسببت أزمة العقار، ببلدية تازولت، في خسارتها لعديد المشاريع التنموية منها مرافق عمومية، ويضاف لأزمة العقار في ضياع المشاريع، عوامل أخرى منها الصراعات داخل مجالس بلدية منتخبة متعاقبة على مر عهدات مضت، حيث كانت تبرز هذه الصراعات وأثرت على سير التنمية، وكان المواطنون بالبلدية قد حمَلوا فيما سبق عدم فعالية المجالس في جلب مشاريع هامة للبلدية، منها مشروع القطب الجامعي الذي أنجز بفسديس بعد تداول خبر إنجازه بتراب بلدية تازولت قبل أن ينجز بفسديس، ونالت البلدية في الفترة نفسها مشروعا لاحتواء مفرغة عمومية للنفايات، وهو ما جعل مواطنون يعلقون بالسخرية آنذاك على أن البلدية فرطت في مشروع الجامعة وقبلت بمشروع المفرغة.
وعلى غرار مشروع القطب الجامعي الذي آثار تساؤلات حول عدم استفادة البلدية منه، وإن كان لعامل المواقع الأثرية تأثير في ذلك، لكن مشروعا آخر ضاع يتعلق بوحدة للحماية المدنية بسبب عدم الاستقرار على اختيار الأرضية، وهو ما جعل المصالح المعنية على مستوى المديرية الولائية للحماية المدنية بباتنة، تسارع لتحويل المشروع لبلدية رأس العيون حتى لا تفقد الولاية هذا المشروع، وبعد مرور السنوات أعيد مؤخرا تسجيل المشروع ذاته، بعد اختيار أرضيته بوسط المدينة بجوار العيادة المتعددة الخدمات، وهو ما يبرز وجود عوامل لا تتعلق بالمواقع الأثرية فحسب في عدم اختيار أرضيات المشاريع في فترات مضت، وهذا بعد أن برز عامل آخر يتمثل في تشبع المخطط التوجيهي في الظرف الراهن الذي أصبح يساهم في أزمة العقار.
عدم التنقيب وتحديد خارطة للمواقع الأثرية والاهتمام بهذا التراث، و تشبع المخطط التوجيهي للعمران ببلدية تازولت، صعَب ميدانيا من مأمورية السلطات المحلية في إيجاد مواقع لإنجاز المشاريع، رغم اللجوء للمناطق المرتفعة كمنطقة بوعدلون، وقرية دردور بالاعتماد على عملية الحفر بالمرتفعات إلا أن تلك المناطق تشبعت بدورها، وقد جعلت هذه الوضعية بلدية تازولت لا تستفيد من مشاريع كبرى منها المشاريع السكنية لصيغة عدل.
وأدى تحفظ مصالح الآثار على اختيار الأرضيات، إلى اصطدام السلطات المحلية في إيجاد مواقع لتوطين مشاريع، لدرجة أنها لم تجد مساحة أربعة أمتار لإنجاز مراحيض عمومية، وهو ما ينطبق على مشاريع أخرى، منها مشروع حماية المدينة من الفيضانات بمنطقة أولاد عوف بالجهة الجنوبية للبلدية، ومشروع سكني لإنجاز فيلات ترقوية بمدخل المدينة.
مما زاد وضعية التنمية تعقيدا ببلدية تازولت، هو عدم مواكبة المخطط التوجيهي للعمران لاحتياجات السكان والتوسع العمراني الحاصل، وهذا ما اصطدمت به المصالح التقنية للبلدية، بسبب عدم تحيين المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير، بعد أن ظلت البلدية حبيسة مخطط توجيهي أعد سنة 1998 بطريقة استعجالية وغير ملائمة حسب ما أفادت به مصادر تقنية بالبلدية، بحيث أبان المخطط في الوقت الراهن وبعد مرور السنوات، عن محدوديته وعدم استجابته لتطلعات المصالح التقنية للبلدية، والمواطنين في آن واحد، حيث تشبع في ظرف خمس سنوات. ومما زاد الوضع تعقيدا أيضا، هو أن دراسة أعدت لتحيين وتجديد المخطط سنة 2005 في إطار تجمع بلدي يجمع 07 بلديات أخرى ويضم بلدية تازولت، ظلت حبيسة الأدراج هي الأخرى، بسبب تعارض مواقف مختلف المصالح المعنية بالمصادقة والموافقة على المخطط التوجيهي الجديد، الذي أعدته البلدية وعرضته للتحقيق العمومي، بحيث تم عرض توسعته على مساحة تقدر بـ700 هكتار، إلا أن هذا المخطط الجديد لم ير النور بسبب اعتراض مصالح أخرى، بمبرر أن الأراضي المقترحة للتوسع فلاحية، وهذا بعد أن صنف المخطط التوجيهي الأول الذي أعد سنة 1998، الأراضي خارج المخطط على أنها أراض فلاحية أو غابية أو أثرية.
وعلى الرغم من التصنيف المعتمد في ظل عدم تجديد مخطط توجيهي للتعمير، إلا أن المساحات خارج مخطط التوجيه لسنة 1998 باتت تشهد توسعا وزحفا عمرانيين كبيرين، خاصة في الجهة التي تربط بلدية تازولت ببلدية باتنة على أرضيات منها ما وزع في فترات سابقة على أساس تعاونيات عقارية، وقد أدى ذلك لتعقيد الوضع بعد أن امتد العمران، وبات أصحاب البنايات والأوعية العقارية يطالبون بضروريات شبكة المياه وقنوات الصرف الصحي وغيرها، وهو ما أصبح يؤدي للاحتجاجات، وتصطدم به مصالح البلدية في ظل عدم تحيين المخطط التوجيهي للبلدية.
أقر، مدير الثقافة لولاية باتنة، في حديثه للنصر بالوضعية المعقدة لبلدية تازولت، بسبب التوسع العمراني الذي عرفته على حساب مواقع أثرية على مر الزمن، وأوضح ذات المسؤول، بأن عمران المدينة الحالية مشيد فوق مدينة أثرية، باعتبار المنطقة كلها عبارة عن موقع أثري، وكشف ذات المسؤول عن إعداد مخطط حماية لما تبقى من المواقع الأثرية بتازولت، وهو المخطط الذي أشار إلى أنه قيد الدراسة وبلغ المرحلة الثالثة والأخيرة، بعد إنجاز مرحلتين تخللهما إعداد خارطة توضح معالم المواقع الأثرية بهدف تصنيفها.
وأكد مدير الثقافة، بأن المواقع الأثرية لمدينة تازولت، تحظى بالعناية كونها مصنفة عالميا من طرف اليونسكو، وسيساهم مخطط الحماية مثلما أضاف في وقف الزحف العمراني والاعتداءات على هذه المواقع، وفي القضاء على الجدل القائم في كل مرة على أنها تقف عائقا أمام مشاريع التنمية.
وأشار لقرب انتهاء إعداد المخطط بعد بلوغه المرحلة الأخيرة على أن يصادق عليه قبل ذلك ويصدر في الجريدة الرسمية. كما اعتبر عدم استئناف بعض أشغال الاستكشاف التي انطلقت إلى ما تتطلبه هذه العمليات الخاصة بالآثار من وقت في التنقيب والدراسة.
من جهته، المكلف بحماية الموقع الأثري بتازولت والتابع للديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، أكد مواجهته لعديد الصعوبات في حماية الموقع، بسبب توسعات فوضوية بعضها برخص بناء وأخرى دون رخص، معطيا مثالا عن الموقع المعروف باسم “لوفلا” بالقرب من الملعب البلدي، الذي أكد بأن عدم التعاطي معه من طرف مصالح البلدية بوقف البناء الفوضوي، خصوصا بعد ترحيل عائلات كانت تقيم بالموقع نحو سكنات جديدة، جعله يتحول مجددا لموقع لسكنات فوضوية، وأشار محدثنا أن عمل مصالحه في حماية الآثار يتم وفقا للقانون 98/04.
رئيس بلدية تازولت الشريف قدوار، وفي حديثه لنا أقر بدوره بصعوبة سير عجلة التنمية، في ظل تشبع المخطط التوجيهي للعمران، وعدم تحديد خارطة المواقع الأثرية، غير أن المير بدا متفائلا بإنشاء منطقة توسع سياحي على مساحة 65 هكتارا بالجهة العلوية الواقعة بالمرتفعات جنوب البلدية، موضحا بأن المنطقة كانت تابعة للبلدية، غير أنه تم التنازل عنها لمصالح الغابات في وقت سابق، وأكد بأن مصالحه تسعى حاليا لاسترجاع المنطقة بعد أن أجريت مداولة على مستوى المجلس الشعبي الولائي خصيصا لاسترجاع المنطقة، وتصنيفها ضمن مناطق التوسع السياحي لما تتوفر عليه من مؤهلات، وأكد رئيس البلدية بأن هذا الموقع بعيد عن المواقع الأثرية بما لا يجعل السلطات تصطدم مرة أخرى بمشكلة توفير العقار.
المير اعتبر المنطقة المقترحة لتصنيفها ضمن مناطق التوسع السياحي، المنفذ الوحيد لدفع عجلة التنمية ببلدية تازولت لما تتوفر عليها من مؤهلات، وأكد بأن المنطقة بإمكانها جذب مستثمرين سواء في المجال السياحي لإنجاز منتجعات ومرافق سياحية وحتى مرافق في قطاعات أخرى، مشيرا لاقتراح تهيئة أرضية لإنجاز مستشفى بالمنطقة، وأشار المير أيضا، لتواجد مرفق شباني بذات المنطقة عبارة عن مركز لإيواء المنتخبات أنجز سنة 1982 بمرتفع جبلي على علو 1550 متر، واستقبل وفودا من عدة دول فيما مضى قبل أن يتعرض للحرق سنة 1994 من طرف جماعات إرهابية، وقد ظل مهملا منذ ذلك الوقت، وأكد المتحدث السعي من أجل ترميمه وتفعيل دوره مجددا، خاصة وأن طاقته الاستيعابية تصل لـ300 شخص، مما يؤهله لاستقطاب الرياضيين في الدورات الرياضية، ولقربه من عاصمة الولاية في نفس الوقت حسب رئيس بلدية تازولت.
ربورتاج: يـاسين عبوبو