"قصعة لالة حليمة" تنقرض من عادات المولد بغرب البلاد
تختلف العادات والتقاليد الاحتفالية بمولد الرسول الكريم في الجزائر، رغم اشتراك كل جهات الوطن تقريبا في تحضير الطمينة و الشخشوخة وغيرها من الأطباق التقليدية في هذه الاحتفالية الدينية، لكن سكان الجهة الغربية يتميزون بطقوس معينة تلخص تراكم ثقافات و حضارات مرت من هنا، ولكن معظم هذه الطقوس أصبحت في طريقها للانقراض مثل "قصعة لالة حليمة" التي غالبا ما تحضر بعد أسبوع عن المولد.
من عادات سكان الجهة الغربية للوطن عندما تلد المرأة، إقامة احتفالية تسمى "القصعة"، و ليس لها موعدا، لكن المتعارف عليه هو أن تقام بعد أسبوع من الوضع، خاصة اذا كانت الأم والجنين بصحة جيدة، و تتمثل هذه الاحتفالية في تجمع كبير يدعى إليه كل أفراد العائلة و أهل الزوجة وأصدقاؤهم وكذا أهل الزوج و كل المعارف و الجيران، و يحضر فيها طبق البركوكس، بشرط أن يكون مزينا بكل أنواع التوابل الحارة، وكان قديما يقدم في قصعة الحطب التقليدية و يلتف حولها الجميع، أما اليوم فيقدم في أطباق مختلفة و تلتف كل مجموعة غالبا مكونة من 4 أفراد ، حول طبق، إلى جانب تقديم الطمينة و الحلويات للحضور.
ويبدو أن هذه العادة الراسخة تكون قد استمدت من طقوس "قصعة لالة حليمة" التي يرتبط فيها الماضي بالحاضر و الحقيقة بالخيال، فبعد مرور أسبوع عن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، يبرم اتفاق بين نسوة الحي أو نسوة العائلة، على أن تقوم إحداهن بتحضير القصعة، وغالبا ما يقع الاختيار على المرأة التي تكون تعاني، سواء من مرض أو من حالة فقر، أو أية معاناة أخرى، في إشارة إلى أن الهم والغبن سينتهي بعد أن تعد القصعة.
مباشرة بعد ذلك تنطلق السيدة المعنية بطرق 7 أبواب لمنازل سكان الحي أو العائلة أو القرية، وعندما يفتح لها الباب تطلب من صاحبة البيت أن تساعدها على تحضير القصعة بأي مادة متوفرة على ألا تكون مالا، بل الخضر أو الكسكسي، أو أية مادة تساهم في تحضير الطبق، و المتعارف عليه أنه اذا رفضت صاحبة المنزل منح أي شيء من بيتها الاعتقاد السائد أن اللعنة ستلحقها، مما يعني أن إخراج و لو حبة بطاطا هو إبعاد للعنة والمصائب.
وبعد جمع كل لوازم تحضير البركوكس يتم التعاون بين بعض من النسوة من أجل طهيه، ويشارك كل سكان الحي في الوليمة. وبهذا تذهب اللعنة والمصائب عن الجميع ويكون العام مليئا بالخير و البركات.
يروي القدامى بأن "قصعة لالة حليمة".. تعود إلى السيدة حليمة السعدية مرضعة الرسول الكريم، فمن شدة فرحتها بقبولها كمرضعة لخير الأنام ،يقال أنها قامت لأنها فقيرة بطرق أبواب 7 لجمع الخضر ولوازم إعداد طبق يوزع على الفقراء، تبركا بقبولها مرضعة للرسول عليه الصلاة و السلام، و بعد إرضاعه هل الخير عليها وتحسن وضعها المالي و الاجتماعي، ما جعل النسوة يتخذنها قدوة لهن ولعائلاتهن لجلب الخير والبركة بمناسبة حلول المولد النبوي.
من جهة أخرى، هناك عادات انقرضت منذ زمن، أعاد بعض الناس التذكير بها هذه الأيام التي تعيش فيها الجزائر الجفاف و شح السماء من الأمطار، وهي "غونجة" التي كانت طريقة تقليدية لاستجداء المطر و كفأل خير على السكان لنزول الغيث، فحسب بعض المواطنين الذين التقيناهم، فإن هذه العادات كانت تتمثل في أن يلف كل واحد من كبار السن عصى القصب بمناديل مختلفة، وكأنه يشبه المتشردين،فيلاحقه الأطفال و يرددون "يا النو صبي صبي " لاستجداء نزول المطر،و يجوب هذا الموكب عبر أغلب شوارع المدن أو القرى، ويقال بأنه مباشرة بعد ذلك يتهاطل المطر بقوة ويكون العام مزهرا، و يضيف البعض الآخر، بأنه و في عهد الاستعمار الفرنسي، كانوا يلبسون أكياس "العيشة" و يقومون بنفس المسار رفقة الأطفال، و تحل مباشرة البركة و ينزل المطر. ورغم بركة وأهمية هذه الأساطير في ذاك الزمن غير البعيد،إلا أنها صنعت جزءا من تراثنا اللامادي المنسي وسط زخم العولمة والتكنولوجيا.
هوارية ب