عمــال نظافــة في مــواجـهة الأخطــار على حــواف الطرقــات
لا يزال أعوان الأشغال العمومية يستعملون أدواتا تقليدية يدوية في جمع الأتربة و الأعشاب و الأوساخ التي يرميها السائقون بالطرقات السريعة، فصورة المكنسة المصنوعة من سعف النخيل أو الحلفاء، أو البلاستيكية الصالحة للاستعمال المنزلي، فضلا عن الرفش و المعول التقليديين تأبى الاختفاء من ديكور و يوميات عمال يتهددهم يوميا خطر حوادث المرور و أمراض الحساسية.
النصر توقفت بعدد من الطرقات السريعة و الوطنية لرصد واقع عمال ينتشرون يوميا على حواف الطرقات و بين ممرات الطريق السيار لإزالة الأتربة و الأعشاب، حفاظا على حياة آلاف السائقين، من حوادث قد تكون مميتة، حيث يشتكي عدد ممن تحدثنا إليهم بكل من الطريق الوطني 79 و 3 و كذا الطريق الرابط بين المنطقة الصناعية بالما و زواغي بقسنطينة من ظروف العمل، التي وصفوها بالبدائية، لاعتمادها على أدوات تقليدية غالبا ما تكون قديمة و مهترئة، حيث تحدث أحد الأعوان الذي كان يحمل رفشا بين يدين جافتين و متشققتين بدا عليهما أثر العمل الشاق و قسوة الطقس، بأن عملهم الذي يدوم 8 ساعات في اليوم، غالبا ما يذهب هباء في نفس اليوم، لأنهم ما إن يتعبوا في جمع و تكديس الأتربة و الأوساخ التي يزيلونها من حواف الطرقات الممتدة على كيلومترات، حتى تجلبها الرياح مجددا أو السرعة الجنونية لسائقين متهورين، فتتسبب في إثارة زوابع من الرمال و التراب و الغبار خلفهم.
و ذكر عامل آخر كان يجمع أكوام الأعشاب الجافة بيدين ظهرت عليهما آثار جروح و خدوش حديثة، بأنه لجأ عدة مرات لاستغلال جذوع النخيل التي وجدها ملقاة بالطريق، بدل المكنسة المهترئة التي بحوزته،وعلّق بأن جذع النخيل سهل عليه المهمة أكثر في جمع الأوراق و أكواب القهوة البلاستيكية و الورقية و عبوات الخمر التي يتزايد عددها يوما بعد يوم، أمام لا مبالاة بعض مستعملي هذه الطرقات.
و عند اقترابنا من أعوان كانوا يعملون على الطريق الرابط بين الكيلومتر الرابع و الخروب، أخبرنا البعض بأن وضعهم كأعوان متعاقدين، جعلهم لا يجرؤون على المطالبة بالأدوات و الوسائل الوقائية، كالقفازات و الكمامات و الأحذية و حتى القبعات،أو تكاليفها ليقتنوها بأنفسهم، خشية حرمانهم من تجديد عقد العمل و بالتالي حرمانهم من أجرهم الشهري الذي لا يتعدى 22 ألف دج، أمام ظروفهم المعيشية الصعبة التي أرغمتهم على القبول بهذا العمل المتعب.
و تحدث عدد من العمال عن الأمراض التي يتعرضون إليها، بسبب تعرضهم المستمر للغبار و الأتربة، مؤكدين بأن أغلبهم يعانون من أعرا ض الحساسية بكل أنواعها، حيث منهم من يشتكي احمرارا في عينيه و آخرين من حكة في أنوفهم، إلى جانب أعراض مرض الإكزيما الجلدي و غيرها من المشاكل الصحية و التنفسية خاصة.
حالات دهس وحوادث سقوط من الشاحنات
الحديث عن نقص و قدم أدوات العمل و المطالبة بوسائل جديدة، يبقى بمثابة المطالبة بتوفير كماليات، على حد تعبير أحد الأعوان، لأن أكثر ما يهمهم هو الحفاظ على حياتهم من حوادث المرور التي تتهددهم باستمرار، مؤكدا بأن عددا من زملائه تعرّضوا لحوادث متفاوتة الخطورة، و أكد زميله بأن بعضهم تعرضوا لحوادث سقوط من الشاحنة التي تقلهم للعمل لعدم توفرها على مقاعد آمنة، و وضعيتهم حرجة.
عن الحوادث دائما، ذكر عون آخر التقيناه بالطريق الوطني الثالث، بأن أكثر حوادث المرور التي تعرّض لها زملاؤه وقعت خلال المناوبات الليلية التي يضطرون للقيام بها من حين إلى آخر، متطرّقا إلى المشاكل التي يسببها لهم بعض مستعملي الطرقات السريعة الذين يتعمدون إسقاط إشارات التنبيه بوجود أشغال، دون الاكتراث بعواقب ذلك، مستشهدا بواقعة خطيرة كادت تودي بحياة زميل لهم في عقده الرابع، بعد أن دهسته سيارة، حيث أن السائق لم يقلل من السرعة، لأن لوح التنبيه كان واقعا على الأرض، على بعد أمتار من مكان الأشغال.
نفس الظروف المزرية سجلناها لدى أعوان مكلفين بالكنس داخل الأحياء السكنية و الشوارع الرئيسية و الطرق الولائية، فهم لا يزالوا يستعملون مكانس و عربات يدوية، أكل عليها الدهر و شرب، و لا يكاد المرء يميّز بين الأعوان التابعين لقطاع الأشغال العمومية و أعوان النظافة التابعين للبلدية و المؤسسات الخاصة، سوى بارتدائهم لبزات عاكسة للضوء، تختلف ألوانها بين البرتقالي و الأخضر و الأزرق و الأصفر،حسبما توّفره المؤسسة التي يعملون بها.
أعطاب المكانس الميكانيكية تحد من جدواها
خلال استفسارنا عن سبب عدم استغلال أدوات ملائمة أو ميكانيكية لتسهيل مهام هؤلاء الأعوان، ذكر لنا السيد رماش، المسؤول عن أعوان الأشغال العمومية، بأن إدارته تدعمت منذ فترة بمكنستين ميكانيكيتين، اكتشف بعد إدخالهما حيّز الاستغلال، أن نوعيتهما رديئة ، حيث تكرّر عطب الآلتين في وقت قصير، إضافة إلى صعوبة استغلالهما في أماكن عدة، حيث يقتصر الأمر على حافة اليمين دون اليسار، لعملهما في الاتجاه المعاكس لسير السيارات.
و كشف محدثنا عن تزويد المؤسسة بمكانس ميكانيكية إضافية، لكن ذلك ،حسبه، لن يحل المشكلة، لأن هناك الكثير من الأماكن التي لا يمكن الاستغناء فيها عن الأدوات التقليدية اليدوية. أما بخصوص الوسائل الوقائية التي يحتاج إليها العمال، فقد أكد بأنه تم توفير مآزر و أحذية واقية و قبعات و كذا قفازات، كما تم مؤخرا توزيع بزات شتوية من نوع "باركا" و أخرى مصنوعة من القماش المشمع، على عدد من العمال و سيستفيد آخرون من نفس البزات في الأسابيع القادمة.
بخصوص سؤالنا عن حوادث المرور و السقوط التي يتعرّض لها العمال من حين إلى آخر، أكد السيد رماش وقوع ثلاثة عمال من الشاحنة خلال تنقلهم إلى مكان العمل، بالإضافة إلى وفاة عونين صدمتهما سيارتان كانتا تسيران بسرعة جنونية خلال أدائهما لعملهما ، لكنه حمل العمال جزءا من المسؤولية "لتهاونهم" في اتخاذ تدابير الوقاية، كوضع ألواح تنبيه بوجود أشغال على بعد أمتار من مكان العمل.
مريم/ب