"تحت رمال بابل" توثيق لفترة حالكة في عهد صدام حسين
يرى المخرج العراقي يحيى العلاق الذي شارك كمخرج مساعد أول في فيلمي»ابن بابل» و «تحت رمال بابل»،المتوجين بعديد الجوائز الدولية، بأن السينما المستقلة بالعراق حررت الفن السابع من قالبه النمطي، بابتعادها عن الأعمال الدعائية و تركيزها على المشاكل الحقيقية و الواقعية للمجتمع، آسرا بأن تركيزه على نقل معاناة الناس خلال حكم صدام حسين، لم يكن بهدف الانتقاد أو الانتقام من أي جهة كانت، في فترة معيّنة، و إنما توثيق وقائع لتبقى كعبرة و دروس يجب ألا تنسى. المخرج الحاصل على ديبلوم في الفنون المسرحية وبكالوريوس في السينما من كلية الفنون الجميلة، بجامعة بغداد و الذي حاز فيلمه الروائي القصير الأول «آني اسمي محمد» على الجائزة الذهبية في مهرجان بيروت السينمائي الدولي التاسع عام 2009 و جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان روتردام، عن أفضل فيلم انساني يتناول قضية اللاجئين العراقيين، و جائزة ثانية في مهرجان عيد السينما العراقية، تحدث للنصر على هامش الأيام السينمائية للفيلم العربي المتوّج التي نظمت بقسنطينة عن الدور الذي حققه فيلم «تحت رمال بابل» في تعديل قانون المفقودين و حقوق أهاليهم و كذا عن واقع السينما، في عراق ما بعد الحرب و محاور أخرى تكتشفونها في هذا الحوار
• حاورته مريم بحشاشي
• النصر:ما سر نجاح «تحت رمال بابل» و قبله «ابن بابل»؟
- يحيى العلاق:»رمال بابل» نقل معاناة الناس في زمن صدام حسين، و ما لحق بهم من تقتيل و تنكيل، ثمة أشخاص لم يظهر لهم أي أثر، و يجهل أهاليهم مصيرهم..هو فيلم من رحم الواقع، و اعتمد على شخوص حقيقية، منها من شاركت في الفيلم و على رأسهم عبد الجبار الغالبي، الذي نجا من المقابر الجماعية.. و أظنه سر نجاح الفيلم و افتكاكه لعديد الجوائز الدولية، منها أفضل فيلم في مهرجان أبو ظبي 2012 و رشح لنيل جائزة السلام العالمية 2013 و كرم في مهرجان البندقية 2014 و الجائزة المهمة و الحقيقية التي كان يسعى إليها كل فريق العمل، هي تحقيق العدالة الاجتماعية في العراق من خلال هذا العمل.
• كيف يمكن لفيلم سينمائي أن يحقق ذلك؟
- هناك القانون 31 في الدستور العراقي المتعلق بالمفقودين و حقوق المفقودين لأهاليهم، و أردنا من خلال» تحت رمال بابل» الضغط على البرلمان العراقي»، لإعادة النظر في هذا القانون.
*و هل تمكنتم فعلا من الوصول إلى مبتغاكم؟
- طبعا لقد عرضنا الفيلم تحت قبة البرلمان و جلسنا في نفس طاولة البرلمانيين و ساهمنا في النقاش، لأن الفيلم حاول إيجاد حل لواقع عائلات ضحايا الإرهاب، بالتركيز على القانون 31 العراقي الذي لم يكن يحمي حقوق أهالي المفقودين و الضحايا بشكل مناسب، لأن أهاليهم و حتى زوجاتهم و أطفالهم لا يمكنهم الاستفادة من راتب الزوج المتوفي أو أمواله، إلا بعد سنتين أو ثلاث سنوات، لكن إغفال كل تلك الفترة التي تبقى عائلات المفقودين دون دخل، كان له تأثيرات سلبية كثيرة و معاناة جرّاء الفقر و العوز و التشرّد الذي واجهته الكثير من العائلات، مما اضطر الكثير من النساء إلى سلك طريق ثان كالدعارة، لإنقاذ عائلاتهم من الجوع وثمة من اختاروا طريق آخر هو الانتقام و تفجير النفس، و هو ما حاولنا كسينمائيين علاجه، و كان للفيلم صدى إيجابي بعد العرض، و ساهم في تعديل القانون لأن العمل كان هادفا.
• هل يمكن القول بأن»تحت رمال بابل»دخل التاريخ؟
- لما لا، لقد حقق ما لم تحققه أعمال سينمائية قبله و هذا فخر لنا و لكل العراقيين.
• الفيلم و ثق لفترة محددة من التاريخ العراقي، هلا حدثتنا أكثـر عن ذلك؟
- نعم لقد تحدث عن مرحلة مهمة في تاريخ العراق و بالضبط عن سنة 1991، أي سنة الانقلاب على نظام صدام حسين، بكل محافظات الجنوب التي ثارت ضده، و التي تدخلت بعض دول الجوار لوقف زحف الثائرين من أجل تغيير النظام و هي مرحلة أعتقد أنها مهمة و جديرة بالتوثيق، لأنها قدمت الكثير من الناس الأبرياء الذين قاوموا الديكتاتورية، و قد سبقت الربيع العربي.
• هل هو نوع من الانتقام؟
-لا... السينما حضارة و تاريخ للشعوب، لكن رسالتنا المهمة و الأساسية من خلال الفيلم هي التذكير و ليس الانتقام، و التعلّم من أخطاء الماضي حتى لا يذهب المزيد من الضحايا.
• ذهب صدام و بقيت العراق تفقد المزيد من الضحايا
- صحيح هي تبعات و مخلفات وضع مؤقت، و كل تغيير عموما تسجل فيه مثل هذه المآسي في كل دول العالم.
• ألا ترى بأن أغلب الأفلام العربية المتوّجة في المهرجانات الدولية، مناوئة عموما لنظام بلد المنتج و المخرج و التي تحمل من الإيحاءات السياسية ما يتم عادة انتقادها كما تتهم بالغلو و المبالغة، ماذا تقول في هذا الخصوص؟
- إذا أردنا أن نصلح لابد أن نصلح أنفسنا، فنحن لدينا الكثير من المشاكل و الحروب، فكيف يمكننا التخلّص من ثقافة الحروب و العنف المنتشرة في بلدنا، دون اعتماد كل الوسائل و بشكل خاص السينما، باعتبار صورة واحدة في السينما أفضل من مئات الكلمات.. السينما لها منجزات كثيرة على المستوى الدولي، و يمكن أن نستشهد هنا بفيلم المخرج الجزائري رشيد بوشارب «الخارجون عن القانون» الذي حمل عددا من المحاربين القدامى و حتى الرئيس السابق شيراك، إلى الاعتذار للجزائريين عن جرائم الاستعمار.
• «ابن بابل» ثم «تحت رمال بابل»، أي رمزية و دلالة أرادها المخرج محمد جبارة الدراجي من هذه التسمية التاريخية لأعمال تعالج أحداثا معاصرة بالعراق؟
- هدف أغلب المنتجين و السينمائيين اليوم، إنتاج أفلام دولية، لذا كان علينا اختيار عناوين و تسميات توحي باسم البلد المنتج و لن نجد أفضل من عراقة بابل الأسطورية و حدائقها المعلّقة للتعبير عن العراق، لأن أكثر الناس يعرفون العراق من خلال هذه المدينة التاريخية.
• حدثنا عن واقع السينما المستقلة بالعراق اليوم
-أعتبر نفسي من مؤسسي السينما المستقلة في العراق و أراها تقوم بأعمال موفقة و ذات بعد انساني و فني مهم ، فالمركز العراقي للفيلم المستقل أنتج نحو تسعة أفلام سينمائية طويلة و 20 فيلما قصيرا، حاز الكثير منها على جوائز دولية منها فيلم « «أحلام» للمخرج « محمد الدراجي « الذي صوّر مشاهده في بغداد، مع بدايات العنف الذي تصاعد بشكل كبير نهاية عام 2004، و هذا العمل افتك الجائزة الذّهبية بعد عرضه على 20 محطة تلفزيونية ، إضافة إلى فيلم « ابن بابل « الذي فاز بجائزة منظمة العفو الدولية بمهرجان برلين السينمائي الدولية، و جائزة السلام، كما رشح لجائزة الأوسكار، وغيرها من التتويجات المهمة، فضلا عن أعمال أخرى، كفيلم « كرانتينا « لمخرجه عدي رشيد عثمان و الحائز على جائزة لجنة تحكيم مهرجان وهران الدّولي للفيلم العربي سنة 2010 ، كما يعمل المركز على مشاريع أفلام جديدة، خمسة أفلام طويلة وأربعة قصيرة تدور في مجملها حول الظروف والوضع الأمني في بلاد الرافدين.
• و ماذا عن واقع السّينما العراقية عموما ؟
- لقد تحوّلت من سينما دعائية ، لا تتحدث أبدا عن الشّعب و المجتمع العراقي، إلى سينما مستقلة لها هامش كبير من الحرية بعد الحرب ، و بات لها صدى أكبر في رأيي على الصعيد الدولي.
• عملت كثيرا كمساعد مخرج، فماذا عن مشاريعك كمخرج؟
- لدي فيلم بعنوان» عطر « و هو فيلم عراقي أمريكي، صوّرت مشاهده بجنوب هوليوود رفقة ممثلين أمريكيين، أتحدّث فيه عن قصّة العطر الذي فرّق بين حبيبين، حيث أخذت الفكرة انطلاقا من تقليد في العراق يقول بأن « من تعطي عطرا لحبيبها فستفترق عنه»، يأتي هذا العمل السينمائي بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلمي الأخير» كولا» بحكم عدد الجوائز التي افتكها مؤخرا في المهرجانات العربيّة والعالميّة، كجائزة أفضل فيلم في مهرجان بيروت السّينمائي، وفي مهرجاني الخليج و» روتردام «.
م/ب