آمــال رقايــق.. بيتُ اللغة و مـــرارةُ الواقع..
1- -
هل نستطيع أن نستنبط من مقولة (قل لي من تصاحب أقول لك من أنت؟) مقولة أخرى مشابهة هي ( قل لي ما هو قاموس لغة قصائدك أقول لك ما هي هويتك الشعرية) لنصنف قصيدةً ما ضمن دائرة من دوائر الكتابة الشعرية بما فيها الدوائر الخليلية التي لا تزال ترى المستقبل بعين الصقر و الدوائر الخارجة عنها خروجا بيّنا و التي لا تزال تجد صعوبة في رؤية حقيقتها كما هي؟
ربما يجترح هذا الاحتمال غير الوارد أصلا على مستوى الممارسة النقدية حقيقةَ ما تخبئه فجائيةُ ميلاد بعض النصوص الشعرية في مدونة الشعر الجزائرية المعاصرة كما تولد البرتقالة الغريبة في بستان النخيل (ص:9) المصطف كـ(تلاميذ خلف سور المدرسة)(ص:73). و ربما دلت فجائية الميلاد على صبر مخاض طويل يحمل في طياته تجربة زمنية و حياتية هي أعمق بكثير ممّا قد تدل عليه فجائية الميلاد، إذ لا يولد شاعر مكتملا، وكل حرف يحمل مورثات زمنيته ومقدار معاناتها الظاهرة الباطنة و هي تندرج في مسارب النص الشعري الغامضة لحظة امتزاجه الوجودي مع الكتابة.
2- -
تقدم الشاعرة أمال رقايق في باكورة أعمالها الصادرة عن دار النقطة للطباعة و النشر بالجزائر(نوفمبر 2015) تحت عنوان غريب يحمل الكثير من الدلالات التي تؤشر على محتوى مراوغ لأفق الانتظار هو (الزّر الهارب من بزة الجنرال) رؤيةً غير معهودة في مسار الكتابة الشعرية الجزائرية التي تندرج عموما في خانة قصيدة النثر وتندرج خصوصا في مسار الكتابة الشعرية النسوية التي تتبنى قصيدة النثر بوصفها خيارا إيديولوجيا يتخذ من الأشكال الشعرية و ما تحيل إليه من اقتناعات فكرية و معرفية موقفا فنيا و قانعة جمالية. و لعل ما يجعل هذه الرؤية غير معهودة هو ابتعادها المفاجئ و غير المُتعمّد – و هنا تكمن أصالة التجربة- عمّا أصبح يميّز هذه الكتابة من مسارات لم تجد سبيلا للخروج عن مسلمات فنية و جمالية لم تتجاوز الطرح الإفضائي الذي يكاد لا يتحكم في أدنى تقنيات الكتابة التي تشترطها قصيدة النثر، ولم تتجاوز معاناتها المستمرة مع اللغة بوصفها المادة الخام الوحيدة التي يُنسج بها الشعر أو لا ينسج، كما لم تتجاوز الموضوعة (التيمة) المهيمنة التي تسيطر على دلالات النصوص و بنياتها، وهي الموضوعة التي تكاد لا تخرج عن الكتابة من وجهة نظر أنثوية في علاقتها المعقدة مع الحضور المكثف للجسد الغائب/ الحاضر/الحلم/ الصورة، و كذلك هيمنة التصوّر الذي ينأسر داخل الرؤية النسوية المشوبة بنوع من الجنسانية البريئة للشاعرات بوصفهن نساء لهن خصوصياتهن التي لا تحدن عنها، و في أحسن الحالات لم تتجاوز في جزء غير قليل من المدونة الشعرية المعاصرة التعبير عن الموقف الايديولوجي و السياسي من القضايا التي تعترض وجودها الاجتماعي بمواقف مباشرة تكاد تعيد وصفة طرائق الكتابة في النصف الثاني من القرن الماضي،.
فهل ثمة من مبالغة إذا لم يجد القارئ شيئا أو بعض شيء من هذه الحالات التي جعلت من المدونة الشعرية النسوية كمًّا متشابهاً لغةً وأساليبَ وموضوعاتٍ في ديوان (الزرّ الهارب من بزة الجنرال)؟
لعل ما يدعم رأيا كهذا هو خلوّ الديوان من الصياغة العاطفية الرومانسية المعهودة التي تختزل النص الشعري في كلمات رقيقات معدودات، وذلك بما يحمله ديوان أمال رقايق من لغة مفارقة في قاموسها الضارب في نوع الثراء القاموسي و اللغوي الذي يؤسّس لواقعية نافذة في صياغتها لجملة شعرية تكاد تجاور الواقعية السحرية في تخييلها و في جنوحها، و ذلك من خلال اشتغال الشاعرة على بناء صورة شعرية تتجاوز الواقع المرير بمسافات ضوئية من الدهشة لكي يزداد هذا الواقع مرارة في ذائقة القارئ المفتون بما تحمله لغة الديوان من تسخير نادر للتناقضات التي تملأ الحياة تسخرها الشاعرة بأريحية كبيرة لإضفاء مزيد من الشحنات إلى كهرباء الوجود التي تفرضها الموضوعة كما هو الحال في قصيدة (إلخ..إلخ..)(ص/80) مثلا:(ذُبحنا وحدنا في مفترق المرارات/ لم يكن لنا توأم عند العتبة/وحدنا/ ضيفان في موقف احتجاج على صفيح الدم/ تزلجنا/وحدنا..لم يفرق الموت بين أكثرنا فخامة)(ص/84). ويكفي الموضوعة، ها هنا، أن تنطلق من عمق الذات، أو بالأحرى من تعريفها، كما هو الحال في قصيدة(cv و ما أهمل كلاوديو بوتساني)(ص:7) و قصيدة (بساطة الحب و وعورة القلب)(ص:26) حيث يتحول التصريح بما تحب الشاعرة إلى محاولة إعادة صياغة العالم من زاوية مناقضة لما هو سائد، لا بمنطق الثورة المعهودة على السائد المهيمن، و لكن بمنطق تجاوُزِهما معاً نظرا لعدم الاقتناع بما يكرسه هذا السائد من قيم لا تعبر عن حقيقة الواقع كما تعيشه الشاعرة: (أحب الدودة المتعثرة في تربة مبلّلة../
أحب الحشرة العالقة بين عشبتين../..و حبة القمح التي تحت الثلاجة../و الفقمة التي سيأكلها الدب بعد لحظات)(ص: 27-26). لا يأتي الحب، ها هنا، عاطفة مكرِّسة لعقدة العلاقة بين الرجل والمرأة الشاعرة خصوصا كما هو الحال في الكثير ممّا يميّز المدونة الشعرية الجزائرية، و إنما يأتي تكريسا لحالة وعي بما يسلب فكرة الحب بوصفها أساسا للوجود من عمق الإنسان المتكوّر على نفسه كخيط الصوف القابل للنسج و إعادة النسج بسبب الخوف ممّا سيصير إليه على يد النسّاج. وتنفلت حالة الوعي من عقال اللغة المفعمة بالإحالات و التناصات لتقول حقيقة وجود الكائنات والأشياء كما تراها العين في واقع لا ينتبه إليه أحد، لا كما يحلم بها القلب التائق إلى بناء علاقة مع العالم لا تجيء كأنه
( صورة شعرية../ تعكر رتابة أبريل/ بكومة من الأطفال..طالعين لتوّهم من فجر أخضر..)(ص:89)
3- -
تبدو الشاعرة و كأنها تحاول أن تختطف القارئ من بؤرة التواجد الوهمي الذي طالما استأنس بأقراصه المنوّمة لتضعه في دائرة الانصياع الخشن لمرآة اللغة بما هي بيت قابل لحمل أكثر الدلالات الضاربة في الوحدة
(مأساة ثانية/ أن يشيع ألزهايمر في العواطف)(65)، وأغرب الأفكار الضاربة في عدم الانصياع (كل شيء يداويه المطر/ كلّ مطر فاسد)(78)، و أوحش الكلمات الضاربة في ما يمكن أن تدل عليه الذات في جوع موحش لحياة تريد أن تهزّ (شجرة البرتقال العقيمة المتروكة في بستان النخيل )(ص:9) لتترك شارة دائمة يكون منفذها الوحيد الذي تستطيع أن تعقد معه حلفاً هو منفذ اللغة، و كأنها تريد أن تكون في الوقت نفسه رمزا للسيدة مريم و رمزا للشجرة العاقر في الوقت نفسه ، و لكن بمعامل مناقض لما تحيل إليه قصة السيدة مريم عليها السلام و هو عامل اختلاف الفاكهة كرمز للعطاء العقيم وسط امتداد بساتين النخيل المثمرة. ليس للبرتقالة قدرة غير تحوبل لون الرمل إلى برتقاليّ حيث تتحول رمزية العذراء (البرتقالة) التائهة وسط النخيل إلى منحوتة يركلها (طفل سيء المزاج في طريقه إلى سوق الخضار الأسبوعي) (ص:20) فتتحول الرمال التي تحضن بساتين النخيل إلى لون برتقاليّ يحضن منحوتة العذراء( منحوتة عارية/ تحت الرمل البرتقالي/ على ثوبها لوثة أسمّيها اسمًا يضيق) (20). مشهد سريالي غاية في الدهشة يتوزع على مساحة الديوان بطرق متخفية تستدعي القارئ الفطن لما يحمله الديوان من براءات (اختراع) الصور الشعرية.
هل اللغة منجاة للشاعر من ألم الكتابة بما تحمله من قوة ترميز و قدرة تخييل؟ و هل اللغة تطهير دراماتيكي من الوجه اللامع البرّاق الملتصق بالحياة كما يعتقد الشاعر أو قراؤه أنهم يعيشونها؟ و هل هي ، في نهاية المطاف، غير (مديح (ا) يثقب عقل منارة..) (21)
في حالة ما تقدمه أمال رقايق في ديوانها من توجّعات لا يمكننا الإجابة عنها بغير نعم، لأننا إزاء وجهةِ كتابةٍ غايةً في الخروج عن الأنساق و الدلالات المعهودة في قصيدة النثر الجزائرية على الأقل، و ذلك من باب ما تحمله تجربتها الأولى المطبوعة من تصوّر تحاول أن تبنى عليه القصيدة بكونها دافعا مولِّدا للمعنى و منتجا لأثرها الفادح على القارئ أولا، و كذلك من باب تحقيق هذا البناء لغويا بأكثر الأضرار التي يمكن أن تلحق بالقارئ و بأقل الأضرار التي يمكنها أن تلحق بالنص أثناء كتابته كتابة تراجيدية هي أقرب إلى الصراخ في وجه العالم و الجهر بالحقيقة التي يتنكر لها، حقيقةُ ما تراه الشاعرة برؤية تكاد تحط بالقارئ في سكن اللغة لتُحلق به نوعا من الصدمة المولدة لشحنة المسائلة الباطنة بما هي باب للولوج إلى ما تريد تمريره من نسغ كتابة تحمل رائحة طمي غامر بعد هطول مفاجئ على زرائب الواقع.
تستعير الشاعرة عناوين قصائد مُخطّئة للقارئ لتصعيب عملية تجاوزه لعتبات النص و كذلك لعتبات ما يحتويه من أسرار لا تريد الشاعرة أن تكشفها للوهلة الأولى في وجه قارئ متعوّد على نصوص مسطحة و شاحبة. ثمة همٌّ متراكمٌ وغيومٌ داكنةٌ و طقسٌ رديءٌ يخيّم على بنية النص عند الشاعرة أمال رقايق. نصٌّ مليء بالإحالات و التناصات التي تؤثث بواطنه، و محيلٌ إلى مناطق تخييل غير محروثة و مأهولة بكل ما لا يمكن أن يتصوره القارئ من مفاجآت..توعكات واقعية موغلة في البؤس، كدمات رمزية موغلة في الزرقة، و رضوضُ دلالاتٍ موغلة في الاحمرار. كما تستعمل الشاعرة قناع الآخر الغريب غير المعروف ( كلاوديو بوتساني) (ص:7) و غيره من الأقنعة(آرثر رامبو)( ص:28) من أجل تعريف القارئ بالذات الشاعرة كما لو أنه لم يعرفها من قبل أو أنه حاول أو يحاول أن يتفادى التعرف عليها لسبب ما أو لظرف تاريخي ما أو وجودي ما قد يحولان بينها و بينه، كأنما ثمة صعوبة في بناء الذات لا تريد الشاعرة أن تكتمل في بطنها و في باطنها إلا من خلال اللغة و من داخلها: (أنا كائن بعيش داخل اللغة، ما في الخارج لا يعنيني.. مهمتي ليس ترميم العالم..). و لعله لهذا السبب لا يتم بناء الذات في النّص إلا من خلال تعريفها بما يُختلَف حوله، أي بما يُزعِج و بما يولّد الدلالة و ضدّها، و كأن الشاعرة تعي جيدا أن مهمة الشعر هي هذه أصلا: التلاعب بالمتناقضات تحت أعين قارئ غائب كما يتلاعب المهرج بكرات الوقت النائم أمام أعين أطفال مشدوهين بما يرون. اللغة ألعوبة الشاعر في وجه جمهور شغوف بالانزعاج من المُدهش. إنها تحيل عند أمال رقايق مباشرة إلى الواقع المرير.
كذلك، تتم صياغة (الأنا) الباحثة عن هيمنتها على اللحظة التي تتمنى أن تدوم إلى عمر كامل صياغةً مقلوبة تشي بمحمولات مكظوظة إلى درجة الانفجار، و ناتئة بشتّى كلمات الحياة الغائبة عن قواميس الحداثة الجاهزة و عن صالونات التفكير المعلّب و القيمة (المُفرمطة). باقة شوك تنفرد بكلّ شيء و بأيّ شيء في الوقت نفسه، و تحيل إلى حجم المعاناة الباطنة التي تكاد تمزق اللغة تمزيقا لكي تُخرِج منها (من اللغة / الذات، زمن الذات / اللغة) ما يشغل كوامنها و ما يشتعل فيها من براكين ..:( أنا غمّازة../ قريصاتٌ متسخة في مقلمة الراسب../ بيت شعر مغمور..) (ص:7) و كأنها تريد كذلك أن تقول لهذا العالم (القارئ) الذي لا يعيرها أدنى اهتمام: (لا رغبة لي بأن ألبس أيّ دور،، حتّى ذاتي أحاول أن أخلعها عنّي ما استطعتُ،،) و رغم ذلك فهي قادرة على تحويل كل ما يترك الآخرون من بقايا لغة يتعففون من استعمالها في نصوصكم إلى معدن خالص بمُكَوّنه الدلالي النابع من عمق الوجود، و ببريق صياغته المختلفة عن لمعان ذهب نصوص حياة الآخرين لأنه ليس كل ما يلمع ذهبا. و كأن صياغة (الأنا) التي تعبر عن حقيقة الشاعرة لا يمكن أن تتم بلغة مهادنة أو مداهنة أو لبقة أو رشيقة ، و إنما يجب أن تتم بعكس ذلك تماما لكن في ما تسربه الشعرية المتفجرة في عمق ما يحمله التخييل المجنح من بناء لافت لعمارة التناقضات داخل القصيدة: (نحن نجرف الحياة من قمصاننا المخرومة..نفكّر قليلا بما بصعب ترويضه: / مشية السكّير مثلا، أو أصابع محمد كلاي)(ص:73).
4- -
تحاول الشاعرة واثقةً أن تستند في تشكيل سيرتها الذاتية (cv) إلى شجرة نسب مناقضة لقيمة التوكل على الإرث الشعري التي تضمن تواتر رواية النص و تسكن في طوابق الهوية الشعرية المختومة بحبر تقاليد الكتابة حتى في حالاتها الأكثر حداثة. و هي بذلك تعيد ترتيب ذاتها وفق رؤية هوية شعرية خارجة عن مقاس ما هو معترف به على الأقل في المدونة الشعرية الجزائرية الراهنة ، و لكنها هوية تحمل مقاس ما هو موجود فعلا في الواقع على الرغم من الادعاء ظاهرا بالسكن في اللغة. و لعله لذلك، تتخفى الشاعرة في اللغة من أجل ترميم الواقع في نص يرفض مقاسات النص الرسمي المكرس أو المُدجّن أو المألوف، و كأنها تريد أن تصرّح بعكس ما هي مقتنعة به من باب تأكيد استعمال القناع للجهر بالحقيقة التي تؤمن بها لأن ما تعرفت عليه من وجوه لم يكن في نهاية الأمر غير أقنعة كاذبة تحوّل لبس الأقنعة بموجبها إلى تعبير صادق عن حقيقة الوجه الشعري الذي تريد أن تقابل به العالم المنهوك من شدة نفاقه و زيفه.
إنها محاولة تعريف الذات الشاردة من خلال الحالات الأخطر وجودا(مدينة نائمة في خط زلزليّ)(ص:9)، و الأشد بؤسا(الخاتم الرديء في يد أربعينية شبقة !(ص:9)، و الأكثر إقصاءً(الوريث المُعاق ذهنيا..) (ص:9)، و الأغرب وجْهةً بالنظر إلى ما لا تريد أن تنتسب إليه شعرا و كتابة و حياةً:
('أنا..الزرّ الهارب من بزة الجنرال../ أنا والدة السمك../الذكرى الغائرة في وجه الملك../النمل الناجي من هجوم الأطفال..) ص: 8). إنها حالات (الأنا) الحقيقية المتلاحمة مع واقع الشاعرة إلى درجة توحّدها معها .(أنا) جمعيةٌ تتوطّن على حافة الأنانية في مواجهة (أنا) فردانية ذاتية تتربع على عرش الادعاء و التزييف..كأنها (أنا) مزاجية حيث لا كتابة بدون مزاج ..و ليكن حادّا إلى درجة الجنون الذي بإمكانه أن ينسي الشاعرة في حالة الانتباه إلى ما يمكن أن يُسقطها في حفرة الوزن الذي لا يساير المنطق الشعري الذي أسست له في قصيدتها الأولى كما هو الحال في قصيدة (بائعة البنادق) (ص:28)، أو يغرقها في تكرار بنية الجملة بحثا عن تشكيل التناقضات ممّا يجعل بعضها متكلّفا أو زائدا ، أو يقلقها إلى درجة التسرع في الجمع بين قصائد ذات مستويات متفاوتة في دفة ديوان واحد، أو يجبرها على الخروج من نثرية الشعر إلى نثرية النثر دون الانتباه إلى ذلك كما هو الحال في بعض القصائد ذات المقاطع المسترسلة. لكن هل من السهل ألاّ يكتشف القارئ خصوصيات (الزرّ الهارب من بزة الجنرال) دون أن يدوخ ؟
أمال رقايق
لا المنجِّمون إخوةٌ ولا الماء سهلٌ،
لا الحزن وردةٌ ولا الطّيبونَ،
فلا أستاء
حين أكرّر صليبي...
ولا أفرح، إذا العمرُ فخٌّ ويدي شائعة،
وإذا معجم الصّيف يطردُ نملتي،
أهيّء مركبي للاحتمال الكبير،
اسمعيني، اسمعيني
من العيد المكشوف أغادرُ..
ومن سعاري البريء.. هذا النشيد!
ومن حقّي أن أردّ الاعتبارَ لفزّاعتي،
أمنحها الريح
والصرخة والانتشاء،
فتحمل بمنقارها اللازورديّ ناري
وبعيدا، أبعدَ منكم جميعًا...
تتبدّد!
فاسمعيني، اسمعيني
بعيدًا عن البلاغةِ والسّهارى الجدد،
هذا النشيدُ بلادٌ مخصّصةٌ لنــا...
وبودّي أن أعصب عيونك
يا شجرَة الرّعب الورديّة،
وأشرب ظلمك!
فمك: أوركيدة صاخبـــة،
وبه أغنّي... وبه أزايدُ
على كوكب الميتين...
وبه أحاورُ مدينتينِ
صنعتهمـــا بالقحولة ولحاء الشجر
ولم أندم...
حين آخيتُ بين المياه الأولية وكرّاستي،
وحيـــن استوقفتنـــي زهور النردِ،
تنازلتُ عن كلّ السّكّـــر الأجنبيّ...
ومن يومها، وأنــــا.. دائرة!
فمن يدينُ لي بالوقوف أعطيه ملاكًا،
ومن يدين لي بالوقتِ أعطيه فانوسًا،
ومن يدين لي بالعالمِ أعطيه دموعي،
هكذا، هكذا...
تضخّ الحياة في المساميرِ،
ويُخلـــقُ الشجر الآمنُ،
وتستعادُ البراءة...
فنبقي على يتمنـــا السّاخنِ ساخنًا،
ونهدمُ بدلة ناظر المدرسة...