القرية الاشتراكية التي وقفت في وجه الصحراء وبقيت عزلاء منسية
نجحت بلدية ثليجان التي أنشئت كقرية اشتراكية في تبسة في وقف زحف الصحراء ضمن مشروع السد الأخضر طيلة عقود و منعت تقدم الرمال نحو الشمال عبر الكثير من عمليات التشجير التي قام بها جنود الخدمة الوطنية، و يحتفظ الكثيرون منهم بذكرياتهم في القرية التي كبرت على مدى العقود الماضية و صارت مدينة تحتاج للسكن و الطرقات و التهيئة. ينتظر سكانها الذين يشتغلون في تربية الماشية مزيدا من الدعم للنهوض بنشاطاتهم الرعوية و الزراعية، كما سيكون بإمكان أبنائهم الدراسة في أول ثانوية ستفتح أبوابها في سبتمبر المقبل.
روبـوتـاج : الجموعـي ساكـر
تشتهر ثليجان بلحوم ماشيتها من منطقة – الدرمون - التي صارت مقصدا لمواطني تونس، بالنظر لنوعية الأعشاب التي تعتمد عليها في أكلها كالشيح و التقوفت والإكليل وغيرها، كما اشتهرت في تسعينيات القرن الماضي بفريق "المكارم" الذي سطع نجمه على يد الحاج محمد غلاب، وتمكن في ظرف قصير من الصعود للقسم الوطني الثاني، بيد أن نقص التمويل والظروف التي مر بها مسؤولوه قد ساهمت في تلاشيه بداية من سنة 1999، لتتلاشى معه تلك الحيوية التي كانت تضفيها المقابلات على المدينة .
وثيقة ميلاد ثليجان 63 كلم إلى الجنوب الغربي من تبسة، كانت في إطار مشروع الألف قرية إشتراكية، ومع دوران عقارب الزمن دبت الحياة في أوصالها، وتوسعت بتوسع سدها الأخضر الذي ظل يتلوى كالحية الرقطاء بمحيطها، ولا زال الكثيرون من شباب الخدمة الوطنية الذين أسندت لهم مهمة التشجير يروون كثيرا من ذكرياتهم مع ثليجان، غير أن رواياتهم قد تكون مبتورة ومخالفة لراهن البلدة الذي تغيرت ملامحه واختلفت تصاميمه العمرانية، ورغم ما تحقق بهذه البلدية من مكاسب تنموية، إلا أن الزائر لها لا يحتاج لجهود كبيرة للوقوف على ما يعانيه سكانها من مشاكل.
يؤكد المسؤولون أن السد الأخضر قد حقق نتائج جيدة و منع تحرك الرمال القادمة من الجنوب نحو الأراضي الخصبة، و تجري متابعة وصيانة السد الأخضر من خلال تشجير 4215 هكتارات، كما غرست 200 هكتار أشجار مثمرة، وتشير أرقام محافظة الغابات بتبسة إلى أنه تم فك العزلة عبر 62 كلم وغرست 104 هكتارات من أشجار الزيتون، وتقدر محافظة الغابات النسيج الغابي بهذه البلدية بنحو 160ألف هكتار منها 8857 هكتارا كغابات و23 ألف هكتار عبارة عن حلفاء والباقي مراعي.
يمكن للزائر أن يدرك منذ الوهلة الأولى ما يحتاجه مواطنو البلدية من مشاريع خاصة، على غرار التهيئة والسكن وفك العزلة والإنارة الريفية وتحسين الخدمات وتأهيل المرافق والمنشآت القاعدية. وبرغم قلة فرص العمل المتاحة إلا أن المواطن البسيط في معاملاته، والكريم بخصاله يرفض التنازل عن أحلامه ويراهن كغيره من سكان ولاية تبسة على محيط معيشي أفضل.
و ثليجان كلمة مركبة قيل إنها اسم لأول شخص استوطن المنطقة، فيما ربطتها الرواية الثانية بكلمة -إيرس جان- التي يتوعد فيها الراعي ماشيته عند تجاوز نطاق المرعى، ورقيت – ثليجان – إلى بلدية منتصف الثمانينيات بعدما كانت تابعة للشريعة، إذ تعد من أكبر بلديات ولاية تبسة بمساحة إجمالية تقارب 1825 كلم مربع، يعيش بها 15 ألف شخص يمارس أغلبهم مهنة الفلاحة والرعي وتربية الماشية في سهول منبسطة وتضاريس صعبة وبيئة مناخية قارية، وتضم البلدية تجمعا حضريا يأوي 4 آلاف ساكن، بينما يتوزع بقية السكان عبر الأرياف.
رغم أن بلدية ثليجان تعد الأكبر بولاية تبسة إلا أن مردودها الفلاحي يبقى ضعيفا مقارنة ببلديات أخرى أقل منها مساحة، بحيث لم تحقق الاكتفاء الذاتي رغم ما تتوفر عليه من مؤهلات والعناية الكبرى التي يوليها المواطنون للفلاحة والرعي، وقد زادت حالات الجفاف التي تضرب المنطقة لمواسم متعددة في متاعب قرابة 5 آلاف مربي ماشية و 300 فلاح، وينتظر أهلها دعما إضافيا لتربية الماشية التي يقارب عددها 60 ألف رأس غنم و 200 رأس من الأبقار.
أما في مجال الزراعة فقد عرفت السنوات الأخيرة نقلة في المساحات المسقية وخاصة بمناطق فزقية الرتم والتوتة والغنجاية و بولثروث، كما تطورت غراسة الزيتون الذي صار يعصر في معاصر ببئر العاتر، ويحتاج القطاع حسب الخبراء إلى إنجاز سدود صغيرة على مستوى الأودية لوقف تآكل حوافها غير المهيأة وانجراف التربة والتصحر، كما تحتاج الفلاحة إلى حفر المزيد من الآبار.
بلدية كبرى بلا مداخيل وأول ثانوية في سبتمبر القادم
تصنف ثليجان ضمن البلديات الفقيرة، بحيث تنعدم بها المؤسسات و الورشات الصناعية القادرة على التوظيف مثلما تنعدم بها بعض الفروع الإدارية التي لا تزال في مدينة الشريعة المجاورة، ولمواجهة هذا الوضع تلجأ البلدية إلى المناصب التي تتيحها مديريتا التشغيل والنشاط الاجتماعي كحلول مؤقتة، وهو الإجراء الذي يعتبره شباب ثليجان بمثابة مسكنات ظرفية لا تستجيب لتطلعاتهم ولا لطموحات طالبي العمل الذين يزداد عددهم من سنة لأخرى. تحصي ثليجان 7 عمال فقط ينشطون في إطار مشاريع الجزائر البيضاء، كما يستفيد 555 من شبابها و أراملها من منحة ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن 174 مستفيدا من منحة جهاز نشاط الإدماج الاجتماعي.
و قد أكد رئيس بلدية ثليجان جباري إبراهيم غياب مشاريع استثمار خاصة بالرغم من الإمكانيات الطبيعية التي تزخر بها البلدية، مشيرا إلى مشروع واحد لإنتاج الآجر سيدخل الخدمة مستقبلا، غير أنه غير كاف مقارنة بعدد البطالين وكذا النزوح الريفي الذي ظل ولا زال عبئا إضافيا يؤرق المتعاقبين على رئاسة مجالسها المنتخبة.
و يبقى الاستثمار العمومي حاضرا بقوة وخاصة ما تعلق بالبرامج القطاعية اللامركزية أو مخططات البلدية للتنمية، بحيث استفادت ثليجان من 29 عملية بقيمة 148 مليار سنتيم تخص 8 قطاعات كلها في طور الإنجاز بنسب متفاوتة.
بات حلم أول ثانوية بهذه البلدية قريب المنال بعدما قاربت نسبة تقدم الأشغال بها الـ 90 بالمائة، ومن المرتقب تدشينها مع الدخول المدرسي المقبل وفق ما قرره والي تبسة، وقد استقبل المواطنون هذا القرار بفرح، ليبقى إشكال النقل المدرسي من مناطق الحميمة البيضاء والسوداء والرقيبة وأولاد جبارة هاجس رئيس البلدية الذي يؤكد أن الحافلات الـ 4 المتواجدة بالحظيرة تحتاج للصيانة وأحيانا تتعطل، في حين تتوقع مديرية التخطيط حاجة قطاع التربية في قادم السنوات إلى 35 قسما توسيعيا بالابتدائي و18 قسما بالمتوسط و24 بالثانوي لمواكبة ارتفاع عدد المتمدرسين.
هياكل قطاع الصحة في ثليجان تتمثل في عيادة متعددة الخدمات و4 قاعات علاج، ومن المنتظر أن تتدعم بعيادة أخرى هي الآن في طور الانجاز، ويأمل السكان في فتح قاعات علاج بمناطق لبيب و بولثروث والتوتة وتزويد البلدية بسيارة إسعاف لنقل الحالات الاستعجالية نحو الشريعة وخاصة الحوامل نحو مستشفى محمد الشبوكي.
تجاهل السكن التساهمي و إقبال على السكن الريفي
المتصفح في ملفات طالبي السكن بهذه البلدية يلاحظ عزوفا كليا على صيغة السكن التساهمي وفي المقابل يسجل إقبالا كبيرا على صيغتي السكن الاجتماعي والسكن الريفي، كما يلاحظ نموا في الحظيرة السكنية التي تجاوزت 3600 مسكن، ورغم ما استفادت به ثليجان من حصص سكنية إلا أن المواطن يعتقد أن الإعانات التي توجهها الدولة لهذا القطاع غير كافية، بالنظر لحالة مواطنيها الاجتماعية والاقتصادية، ويأمل الكثيرون في مضاعفة الحصة الموجهة لبلديتهم. ويقترح رئيس البلدية منح ثليجان حصة من السكن الريفي لتوزيعها في المناطق المبعثرة، فضلا عن خلق مجمعات سكنية بمناطق فم السد و التوتة بمحاذاة الطريق الولائي رقم 01، و الحميمة بجوار المقبرة المركزية لمواجهة طلبات المواطنين.
و تشير إحصائيات مديرية السكن أن- ثليجان- استفادت من 296 مسكنا ريفيا في إطار البرنامج التكميلي لسنة 2013، ومن المرتقب تسليم هذه الحصة لأصحابها قبل نهاية السنة الحالية ، كما ينتظر الإفراج عن 79 قطعة أرضية ضمن التحصيصين الاجتماعيين المبرمجين سنة 2016، بينما انتهت الأشغال في 56 مسكنا اجتماعيا من مجموع 100 مسكن هي الآن في طور الإنجاز.وسبق للبلدية أن وزعت بها 31 مسكنا في إطار امتصاص السكن الهش. تحتاج البلدية حسب تقديرات مديرية البرمجة ومتابعة الميزانية في المديين القريب والمتوسط إلى 1075 مسكنا في مختلف الصيغ تماشيا مع النمو الديموغرافي، مثلما تحتاج إلى سوق مغطاة وسوق للماشية ومفرغة عمومية وعدة مرافق عمومية لتقريب هذه الهياكل من المواطنين، في الوقت الذي تحتاج فيه المقابر بكل من بولثروث والتوتة وأولاد جبارة والعنصل والحميمة البيضاء و الغنجاية والرقيبة إلى التسييج والحماية، كما يحتاج قاطنو المناطق الريفية بالرقيبة لفرع بلدي، بينما يعاني الفرعان البلديان بالحميمة والغنجاية من نقص التجهيز والتهيئة. أغلب الأحياء في بلدية ثليجان بلا أرصفة والطرق ترابية غير معبدة، بينما اقترح المسؤولون خلق تحاصيص اجتماعية جديدة و الانتهاء من دراسة حصة 62 قطعة أرضية، و سجلت البلدية تعبيد طريق المحور الرئيس بعدما تدهور وظهرت عليه الحفر والبرك المائية والأوحال. و قد قامت مديرية البناء والتعمير بدراسة خاصة بالتهيئة الحضرية لجميع الأحياء وتؤكد أن العملية ستبرمج على مراحل وفق الإمكانيات المتاحة، بينما تشير مشاريع التنمية الجماعية إلى استفادة المنطقة الحضرية من مشروع للتهيئة بأحد الأحياء وسيتم اختيار مكتب الدراسات للشروع في الإنجاز قريبا، كما يرتقب إعادة الاعتبار للمسالك الريفية الرابطة بين منطقة لوسيف ومقر البلدية بعدما تم اختيار مكتب الدراسات
طرق مهترئة، مشات معزولة و الإنارة بالشموع
يواجه السكان جملة من النقائص في مجال الأشغال العمومية، بينها حماية المدينة من فيضانات مياه الوادي ويحتاجون لبناء جسور على الوديان الكثيرة بهذه البلدية و إلى فك العزلة على المشاتي المترامية الأطراف، و هناك 4 طرق مؤدية إلى مقر البلدية بحاجة لإعادة الاعتبار لتسهيل تنقل المواطنين على غرار الطريق الولائي رقم 03 الرابط بين ثليجان والماء الأبيض، والطريق الرابط بين ثليجان و فزقية الرتم، والطريق الرابط بين ثليجان والحميمة وثليجان و الزقيق. ونظرا لشساعة إقليم البلدية فإن عدة مشات ريفية بحاجة لفتح مسالك جديدة، و قد أشار رئيس البلدية أن الدراسة انتهت بخصوص إنجاز جسر على وادي ثليجان بمدخل المدينة، في الوقت الذي انطلقت الدراسة الخاصة بإنجاز جسر على وادي ثليجان لحمايتها من مياه الفيضانات على الطريق المؤدي لمنطقة السرسار بالقرب من مدرسة جباري ، كما انتهت الدراسة الخاصة بانجاز جسر على وادي ثليجان بمنطقة الرقيبة. رغم ربط عدة مساكن جديدة بالغاز والكهرباء، غير أن هاجس تعميم الإنارة الريفية يظل مطروحا بإلحاح، فالعديد من المواطنين لا يزالون يستنيرون بالشموع وحياتهم بدائية ولا يزالون في انتظار هذا الحلم الذي يرونه بعيد المنال، في حين لا زالت بعض الأحياء بحاجة للربط بشبكة الغاز، رغم أن السلطات تؤكد على ربط المجمعين السكنيين الريفيين بطريقي الشريعة وبئر العاتر بالكهرباء، كما تم ربط 31 مسكنا هشا آخر بشبكة الغاز الطبيعي الداخلية، ويرتقب الانتهاء من ربط 20 مسكنا اجتماعيا قريبا، في حين تذهب تقديرات مديرية البرمجة إلى حاجة البلدية لربط 388 مسكنا بالغاز و3124 مسكنا بالكهرباء على المديين المتوسط والقريب. يتضمن قطاع الموارد المائية صورتين متناقضتين عن التموين، فالصورة الأولى ناصعة وجميلة لمواطني المنطقة الحضرية الذين يتزودون بمياه الشرب من بئر العميقة بالرقيبة لمدة 4 ساعات يوميا حسب رئيس البلدية، بينما الصورة الثانية قاتمة تحمل بين طياتها معاناة سكان الريف، بحيث أن الكمية التي تصلهم من بئر أم خالد قليلة ولا تلبي حاجاتهم. السكان أن المياه التي تصل حنفياتهم بمناطق الزحيف وفزقية الرتم والمرة وأولاد خليفة وأولاد بويحي وأولاد شكر ولحماد و الغنجاية قليلة، ويتم جلبها على بعد 100 كلم، و يقترحون إنجاز خزانات قريبة منهم لزيادة كمية المياه الموجهة إليهم و إلى مواشيهم. و أكد رئيس البلدية أن الانشغال محل بحث من طرف السلطات ذات الصلة، مشيرا إلى أن قطاع الموارد المائية قد تدعم بعدة مشاريع في السنوات الأخيرة، ومن المنتظر أن تستكمل عملية إنجاز الشبكة بالنسبة لثليجان مركز بعد الانتهاء من إجراءات المنح، كما ينتظر إنجاز الشطر الثاني من شبكة التطهير بالمدينة، في الوقت الذي لم تنته فيه الدراسة بخصوص إنجاز الحزام الواقي للمدينة من الفيضانات، مع العلم أن عدة شبكات للمياه الصالحة للشرب بحاجة للتوسيع بعدة مناطق ومشات، كما تحتاج البلدية لخزان بمنطقة السرسار لتدعيم وسط المدينة، وتجهيز البئر العميقة بمنطقة الراشي، وقد سجلت مديرية التخطيط بهذا الشأن استفادة قطاع الري والموارد المائية من 4 عمليات بعضها في طور الانطلاق والبعض الآخر في طور الإنجاز.