فيلـم "قسنطينـة مقاومـة و وقائـع عصـر"يثير الجدل في أول عرض له
أثار الفيلم الوثائقي «قسنطينة مقاومة و وقائع عصر»لمخرجه حايا جلول، جدلا بخصوص مدى حقيقة تأثير معاهدة تافنة على سقوط بايلك الشرق، حيث انقسم متابعو العرض الأول للفيلم، من أساتذة و مختصين و مهتمين بتاريخ قسنطينة سهرة أمس الأول، بين مؤيد لاحتمال تأثيرات هذه المعاهدة الموقعة بين الأمير عبد القادر و الجنرال توماس روبير بيجو، على سقوط قسنطينة في عهد الحاج أحمد باي، و بين معارض لها، خلال نقاش ثري أعقب العرض.
«قسنطينة مقاومة و وقائع عصر»، الفيلم الوثائقي الذي أنتجته دائرة السينما، في إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، بالتنسيق مع المركز الجزائري لتطوير السينما و لومى بروكوم، نجح رغم مدة عرضه الطويلة التي قاربت الساعتين، في استقطاب اهتمام الجمهور الذي حضر لمتابعة حقائق و حيثيات سقوط بايلك الشرق قسنطينة عام 1837، سنة واحدة بعد الجحيم و الخسائر الهائلة التي تكبدتها فرنسا في المقاومة الشعبية التي قادها الباي أحمد، رغم عدم حصوله على دعم العثمانيين بإيالة تونس و غيرها، حيث كانت خطته في إشراك الأهالي المحليين ناجعة، و حوّلت المدينة إلى نقطة سوداء في تاريخ فرنسا التي أطلقت عليها بسبب ذلك اسم مدينة الشيطان، و ذكرها فيكتور هيجو، أشهر الأدباء الفرنسيين في إحدى مؤلفاته، في إشارة إلى أصعب المقاومات التي واجهتها فرنسا في الجزائر، إلى جانب مقاومة الزعاطشة.سقوط قسنطينة جعل الملك لويس فيليب الأول يبتهج بطريقة تعكس صعوبة المهمة، حيث أهدى انتصار الجيوش الفرنسية افتخارا و تبركا لبابا الفاتيكان، و غيرها من المحطات التي أظهرت جوانب أخفتها الكثير من المراجع التاريخية الفرنسية، و بإماطة الستار عن بعضها، تم إنصاف الحاج أحمد باي بعد أكثر من قرن و نصف القرن من رحيله، و تم الكشف عن بعض الحلقات الضائعة في تاريخ مقاومة أحمد باي، فأثارت الكثير من التساؤلات، أهمها لماذا رفض نائب الباي أحمد المدعو بن عيسى، تسليم الأسلحة للأهالي رغم توفر عدد كبير منها؟ و هو ما أثبتته وثيقة تاريخية لجرد خاص بالذخيرة التي وضعت فرنسا عليها يدها بعد احتلال قسنطينة، و هو ما فسره البعض على أنه خيانة من قبل بن عيسى.
و تضمن الشريط حقائق عن عدم مشاركة يهود قسنطينة في المقاومة الشعبية، ضد الفرنسيين، و إسراعهم بالمقابل لإطلاع المحتل على بيوت أثرياء قسنطينة حينها، بعد أن كثر النهب و السلب بحجة الاستفادة من غنائم الحرب.
الفيلم الذي شمل شهادات مؤرخين و باحثين من داخل و خارج الجزائر و بشكل خاص من تركيا، تونس و فرنسا، منهم الباحث التركي «ز. كورسون» و الفرنسيين قران ميزون و مونسرون و التونسي بشروش، إلى جانب باحثين محليين منهم الأستاذ بجاجة و بوضرصاية و سيساوي و الأستاذتين جميلة معاشي و فاطمة الزهراء قشي، أبان حقائق عديدة، و أدلة تاريخية قد تكون مرجعية مهمة للطلبة الجامعيين، سيّما المختصين في تاريخ قسنطينة و الحكم العثماني بالجزائر. و عقب العرض أوضح المخرج حايا جلول، بأنه لم يكن يريد بث الفيلم مرة واحدة و إنما على جزأين لمدته الطويلة، تفاديا لضجر المشاهدين، لكنه تفاجأ بالاهتمام الكبير للحضور و قال بأن عدم مغادرة أي واحد من الحضور للقاعة طيلة ساعتين، دليل على نجاح الفيلم، على حد تقديره.جدير بالذكر بأن المخرج و هو أيضا كاتب السيناريو، استعان بعدد من الممثلين، من بينهم كريم بودشيش، في بعض مشاهد الفيلم التي صوّرت بقصر أحمد باي. و للإشارة، فإن قاعة أحمد باي احتضنت على مدى ثلاثة أيام منذ السادس من أفريل الجاري و إلى غاية مساء أمس، عروض الأفلام الوثائقية التي تم إنتاجها بمناسبة عاصمة الثقافة العربية 2015، و هي على التوالي «خفايا قسنطينة» و «جسور قسنطينة»، معلقات الجسور» و «لو نحكي قسنطينة».
مريم/ب