الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق لـ 20 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

من واقع الحياة

الاتجار بالجسد الإنساني
بقايا الحضارات البائدة التي لم تتخلص منها المدنية الحديثة
 على الرغم من التطور الحضاري الذي بلغته البشرية فكريا وعلميا وتقنيا مقارنة بما كانت عليه قبل قرون إلا أنها لم تستطع التخلص من ظواهر شتى مشينة واكبت مسيرتها التاريخية الاجتماعية وإن اتخذت صورا حديثة لم يعهدها السابقون، ومن ذلك ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية، لأغراض شتى.
ففي الحضارات البائدة ظلت لتجارة الرقيق أسواق عالمية ومحلية معروفة تجد تبريرها الاجتماعي والقانوني بل وحتى الديني، وتمارس بشكل علني وإن اتخذت سلوك القرصنة، كما كانت عملية الإخصاء تتم في أماكن مخصصة للغرض تحت أعين السلطات العمومية، وقبل هذا وبعده كانت بعض القبائل تستسيغ أكل لحم الإنسان وتستلذه ولذا كانت تصطاده فريسة مع الحيوانات أو تشتريه لهذا الغرض، ناهيك عن القرابين البشرية التي لطخت دماؤها أرجل الأصنام والأوثان، ووأد البنات سترا للعار تحت التراب.
وفي العصر الحديث لا يكاد الوضع يختلف فما انفكت ظاهرة المتاجرة بالاعضاء تستفحل على المستوى العالمي، ولا تكاد دولة تقبع بمنأى عنها سواء كانت مصدر  عبور أو مصدر توزيع، بل ظهرت مافيا حقيقية لهذه الجريمة المنظمة، تستغل ضحاياها من الأطفال والأميين والفقراء والمثقلين بالديون وتكاليف الحياة، طوعا أو كرها، بسطوة المال أو الخطف والسلاح، في ظل عجز المؤسسات ومنظومتها القانونية عن التصدي للظاهرة، التي كثيرا ما ساهم في نشرها تستر أصحابها تحت مظلة البحث العلمي والتجارب الطبية والسريرية، ولم تستطع المؤسسات الأممية تقديم رقم حقيقي عن واقع الظاهرة عالميا، لأن الذين يقومون بها مجرمون يتخفون كما يتخفى تجار المخدرات.
ولعل الأخطر في الظاهرة أنها قد تجد لها مبررات أخلاقية من حيث إن الهدف في النهاية نبيل وهو الحفاظ على حياة الناس بزرع أعضاء بديلة عن الأعضاء التي تلفت من جسمه وأصبح بدونها عاجزا عن الاستمرار في الحياة
بشكل طبيعي. لكنها تحمل مخاطر جمة لعل أبرزها أن هكذا سلوك من شأنه تكريس نظرة دونية وتصور جديد يحط من الكرامة الإنسانية، ويشيء الجسد الإنساني ويجعل منه سلعة تباع وتشترى مجددا كقطع غيار للترميم، ونشر الرعب والخوف اجتماعيا لاسيما في أوساط الفئات الهشة المستهدفة على غرار الأطفال والفقراء والمشردين والمرضى والمعاقين والمجانين، بل وحتى الجثث في مقابرها.
وفي ظل هكذا وضع آن الأوان عالميا لسن قوانين واتخاذ إجراءات وتأسيس مؤسسات تعنى بضمان  توفير أعضاء بشرية لمن يحتاجها مجانا، وذلك قد يتأتى من تشجيع الاستنساخ العلمي للأعضاء البشرية بعيدا عن الذات البشرية، وتشجيع التبرع بالأعضاء والوصية بذلك أو سن قانون يجعل التصرف في الجثث من صلاحيات السلطات العمومية بعد استفتاء عام لهذا الغرض.
لأن التمادي على المستوى العالمي في الاقتصار على التبرع لن يحل المشكلة بل يزدها تعقيدا ويزيد تجار الأعضاء البشرية جشعا؛ لأن طبيعة المدينة الحديثة وتعقيدات المجتمعات، وميل الناس نحو النزعة الفردية سيجعل للتبرع أثر محدود في معالجة الظاهرة.                                   

ع/خ

جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com