رئاسة شباب قسنطينة هدية مسمومة
اعتزل الملاعب منذ سنوات، غير أنه يظل القائد المثالي الذي عرفه فريق شباب قسنطينة، يعد من جملة اللاعبين الذين تركوا أثرا في تاريخ النادي، تتعاقب الأجيال غير أن اسم بولحبال محمد يبقى الأكثر شهرة.محمد بولحبال اللاعب، القائد الجنتلمان، الرئيس و الطبيب، له في كل محطة حكاية و قصة فيها الكثير من المعاناة و الألم، وبعض مما جادت به الأيام من أفراح.في يوم رمضاني اقتحمنا سكينة عيادة اللاعب الطبيب، حاولنا أن نفتح معه دفاتر أيامه وذكرياته، في ماذا كان يفكر في عزلته داخل السجن... وأشياء أخرى، التي لم يكن شحيحا، كما لم يكن سخيا في سرد تفاصيل المأساة التي عاشها.
حاوره: ع- قادوم
• لماذا ارتبط مسارك بشباب قسنطينة فقط؟
لم أفكر يوما سوى في اللعب لشباب قسنطينة ومزاولة دراسة الطب، بدأت مشواري مع نادي صحة قسنطينة، بعدها حدث سوء تفاهم مع القائمين على الفريق، وتنقلت إلى «سي. أس.سي» الذي تعلقت به طول حياتي، لا احتفظ بالتواريخ لكن يبقى فريق القلب.
لدي دائما الإحساس بأنني ضحية إلى غاية اليوم
• كيف كنت توفق بين الدراسة و كرة القدم؟
المسيرون كانوا متفهمين لوضعيتنا، من بينهم المدرب عاشور نجار، وحتى في عهد الفقيد عومار بلعبيدي في المواسم الأولى لشباب ميكانيك قسنطينة، لقد سهلوا مهمتنا لم نكن نتدرب مع المجموعة سوى مرة أو مرتين في الأسبوع، كانت هناك ألفة وسط المجموعة، لم نكن نغش في الميدان.
• ما هي أكبر منحة تحصلت عليها في شباب قسنطينة؟
جهاز تلفزيون عندما صعدنا إلى القسم الأول.
• من أين كنت تستمد قوتك كقائد في الفريق؟
المسألة كانت متعلقة بمدى احترام وتقدير زملائك، وبالتالي تصبح لديك بعض الحظوة داخل المجموعة، أتذكر أن بعض المدربين أخطأوا في حقي، كانوا يظنون أنني كنت اضبط التشكيلة، عندما كانوا يسألونني عن رأي في أي لاعب أقول لهم أن ذلك من اختصاصك كمدرب، حتى لا أنحاز للاعب دون آخر.
• رئاستك للنادي بعد الجنرال محمد بتشين هل كانت... ؟
كانت بمثابة الهدية المسمومة .. لقد دفعت من قبل الجمعية العامة لرئاسة النادي باقتراح من عمي محمد بتشين، فما كان على الحضور سوى الموافقة على هذا الاقتراح، وجدت نفسي فوق المنصة، يومها وعدني الجميع بالمساعدة.
سامحت الجميع و لم أفكر يوما في الانتقام
• بعدها وجدت نفسك وحدك..
ليس وحدي تماما، كنت أتفهم موقف الأشخاص الذين كانوا يريدون مساعدتي، كعمي محمد بتشين، وبعض مدراء المؤسسات، المشكلة أنه عندما كنت أذهب إلى بعض المدراء لم يكونوا ينظرون لشخصي كرئيس للنادي، وإنما كانوا يبحثون من كان ورائي و عن شخص آخر، وزير الشباب و الرياضة خمري ساعدنا ماديا، لكن على المستوى المحلي الأمور لم تسر في الاتجاه الصحيح، لم يمنح لنا سوى نصف ما قدمه لنا الوزير موسم (92-93).
• لم يكن من السهل إعادة بناء فريق ضيع الصعود موسما من قبل؟
الهام أن الفريق ترفع عن الممارسات غير الرياضية وظل نظيفا، لم يسقط في فخ ترتيب المباريات، كان بإمكان الرئيس يومها فعل ذلك، لعبة الكواليس حرمت الفريق من الصعود، والمؤسف أن الأمر حدث أمام الملأ، كما هو الحال اليوم.
• هل تعتقد أن كرة القدم مازالت بمثابة المسكن الاجتماعي؟
ليس من اليوم، في السابق كان الناس يرفهون عن أنفسهم في الملاعب، قد يكون الأمر بطريقة أقل عنفا كما هو الحال الآن، في السابق العنف كان يتوقف داخل الملعب، الميدان هو واجهة المدرجات، سلوك اللاعبين في الميدان ينعكس على المدرجات، وبالتالي يجب تغيير بعض السلوكيات، بدخول اللاعبين بالورود، كما حدث في إحدى المرات قبل مباراة الديربي، قمت بشراء باقة ورد كبيرة و حوالي 25 وردة صغيرة، لكن رئيس النادي في ذلك الوقت رفض ذلك.
• مررت بفترة عصيبة في مرحلة ما من حياتك هل يمكن الحديث عنها؟
من الأفضل عدم الحديث عنها، مررنا بفترة صعبة جدا، لم أكن الوحيد، وإنما أغلبية الجزائريين الحمد لله أنها انتهت.
• في تلك الفترة هل كنت تحس أنك كنت مظلوما؟
لدي دائما الإحساس بأنني ضحية إلى غاية اليوم.
• هل كنت ضحية.. أصدقائك ومحيطك؟
هناك العديد من الأمور و الأشياء في تلك الفترة التي شكلت العديد من الاتجاهات، الناس كانوا أحرارا في اختيار نمط حياتهم، كل واحد كان يختار المكان الذي يكون فيه، وهناك من ذهب ضحية هذا الوضع.
• فسر البعض بقائك يومها في الفوبور على أنك كنت محميا؟
ومع ذلك.. تعلم كيف كانت النهاية، الجميع يعلم كيف كان الوضع عليه في تلك الفترة، الخطر كان في كل مكان، لكن عندما توضع في خانة المتهم بأنك ساعدت جهة ما، وتحال على العدالة و تسمع قائمة التهم الخطيرة، تمس بوطنيتك، واستقرار البلاد، في تلك اللحظة تساءلت ماذا فعلت حتى اتهم بكل هذه التهم الخطيرة، كطبيب يمكن أنني أخطأت، لكن أن تلصق بي تهمة خيانة الوطن،أنا وطني و المساس برئيس الجمهورية هو مساس بشخصي، تربينا في عهد الرئيس الراحل بومدين، بوتفليقة عندما كان وزيرا، كان مرجعا بالنسبة لنا.
• هل بقي أثر ذلك عالقا في نفسيتك؟
بكل تأكيد، السجن يعد مدرسة، تعلمت فيه الكثير، في السجن تحتك بأشخاص لا تعرفهم و لا تعلم عليهم أي شيء من قبل، في ذلك المكان الإنسان عار من كل لباس، في السجن ليس هناك بذلة أو مئزر، في هذا المكان تعرف حقيقة الأشخاص، عمق تفكيرهم، تتعلم الكثير من الأشياء، ما حز في نفسي أن العائلة تأثرت جراء ذلك.
• هل تشعر برغبة في الانتقام من شخص أو أشخاص؟
أبدا، الحمد لله، لم أفكر يوما في الانتقام، سواء من الذين أخطأوا في حقي أو أخطأت معهم، سامحت الجميع في الدنيا قبل الآخرة.
• في المحيط الضيق لـ «سي. أس. سي»كنت الأخ الأكبر الذي لا يمس لكن العكس حدث؟
كان هناك سياق عام، جرف ما وجد في طريقه، عبارة عن متاهة ، لا تدري من أين البداية في تسلسل الأحداث، وضع أدى إلى توقيف الكثير من الأشخاص سواء في المستشفى أو الجامعة، ما حز في نفسي أن جانبا من الصحافة، تجاهل حقيقة الأمر، في تلك الفترة هناك جريدة « لن اذكر اسمها» كتبت إحدى صحفياتها مقالا في صفحتين على أنني أمير كبير، يومها سألت قاضي التحقيق دعلاش رحمه الله، قال لي لا ترد عليهم دعهم يتكلمون، كيف لصحفية، «لن انسى اسمها» جالسة في مكتبها و تكتب دون دراية بالملف، وأشياء ليست لها علاقة بالموضوع.
• بماذا كنت تحس، تفكر في السجن ؟
كان هناك تشابك للأحداث جعلتنا نكون في ذلك المكان، طرحت على نفسي هذا السؤال لماذا أنا هنا؟ ماذا فعلت حتى أكون في هذا المكان؟ عانينا في مرحلة الحجز، بعدها فإن النهاية هي التي تهم، كان القاضي يتحدث معي بأخوة و ليس بعنف، اليوم لو أجد الشرطي الذي كان يحرسنا في السجن وطلب أغلى ما عندي لأعطيت له عن طيب خاطر، نظير الكلمة الطيبة التي كنت اسمعها.
• هل كنت تحظى بمعاملة خاصة؟
لم أكن احظى بمعاملة خاصة، كنت أعامل كبقية الموقوفين الآخرين.
الاحتراف عرفناه في زمن الإصلاح الرياضي
• لديك الكثير لتقوله عن هذه المرحلة من حياتك..
هناك أشخاص نزهاء « نظاف» دخلوا السجن، وبعد ذلك رد لهم الاعتبار سواء بفضل شخصيتهم أو من قبل الدولة، اعتقد أن الظلم كان موجودا يومها من الطرفين، لو فتحنا هذا الملف قد نخطأ في حكمنا اتجاه بعض الأشخاص.
• لكن في قرارة نفسك تعرف جيدا مصدر البلاء الذي حل بك؟
وجدت اسمي يوما ضمن قائمة المحكوم عليهم بالإعدام معلقا في جدران الفوبور، كانت تضم عدة أسماء من بينهم السيد قيدوم، صعدت إلى أعالي الفوبور للتأكد فوجدت اسمي كاملا محمد بولحبال المدعو مومبو، تتساءل عندئذ ماذا فعلت، لماذا يتم الاعتداء عليك بهذه الطريقة ؟ يومها قال لي السيد قيدوم أن الأمر جاء من محيطنا، ما حز في نفسي أن لا أحد استفسر عن الأمر.
• لكنك دفعت الثمن غاليا.
عندما تسمع قصصا أخرى، فإن حالك قد يهون عليك، كان لي صديق قص علي يومياته عندما كنت رهن التوقيف، يومياته كانت كلها خوف و رعب، لا يمكنه السير لوحده في الشارع، الجلوس في مقهى، الذهاب إلى بيته، حياته كانت كلها خوف،أدركت بعدها أنا الذي كنت في السجن أني أحسن حالا منه، و المفارقة أن السجين كان في مأمن أكثر من السجان، الأهم أننا عدنا إلى أسرنا، وهذا لم يكن حظ الكثيرين.
• هل قدم الاحتراف الإضافة لكرة القدم ؟
الاحتراف عشناه 1977، للأسف أن الأندية لم تحسن استغلال مرحلة الإصلاح الرياضي، لماذا «سي.أس. سي» لم تستفد من شركة سوناكوم؟ أتذكر أن الفقيد شويطر جلب عتادا كبيرا للفريق من أجل فتح فروع رياضية أخرى، كما خطط لبناء مركز رياضي خاص بالفريق، لم نستفد من الإصلاح سوى من حافلتين، يجب استخلاص العبرة من هذه التجربة، و محاولة الاستفادة من شركة الآبار.
• هل الإصابات ناجمة عن نقص التحضير؟
على كل لاعب قبل بداية كل موسم أن يخضع لفحص شامل و دقيق، أتذكر أن الفقيد عومار بلعبيدي كان قد اعد سنة 1977 دفترا طبيا خاصا باللاعب، و أراد تعميم هذه التجربة على كل الأندية الجزائرية، فائدة هذا الدفتر الصحي انه يرافق اللاعب في مشواره، و يمكن بذلك المحافظة على حقوق الفريق واللاعب، الفحوصات الكلينيكية الدقيقة في بداية الموسم تعد مهمة جدا، الإصابات تحكمها نوعية أرضية الميدان.
لم أفكر يوما في استغلال الفريق لأغراض شخصية
• الرؤساء الذين تعاقبوا على الفريق استفادوا منه إلا أنت؟
لم أفكر يوما في هذه المسألة، ليست لي طموحات سياسية، أو نيل منصب ما، طموحاتي منحصرة في مزاولة مهنة طبيب و ممارسة كرة القدم.
• ما هو الهدف الذي لم تسجله؟
لم أتمكن من التسجيل في مرمى حارس الموك عز الدين بهلول الذي صد كل محاولاتنا و أدى يومها مباراة كبيرة.
• والذي بقي في الذاكرة..
قد يكون أمام اتحاد خنشلة، بقذفة من بعيد..
• ما سر اسم مومبو الذي دائما يرافقك؟
كنت أنادي أخي الأكبر خوكا، كما هو معروف عند القسنطينيين، وعندما يأتي لضربي مومو وظلت هذه عالقة و صادف ذلك أغنية الروك الأمريكية المومبو، وظلت هذه التسمية عالقة إلى غاية اليوم.