لا أحد من أشبـــاه الكوميديين يضحكني
يرى الممثل عنتر هلال بأن التمثيل في الجزائر كالطفل الذي لا يزال في المرحلة الابتدائية، رغم مشاركته في عدة امتحانات للانتقال إلى مستوى أعلى، و لا وجود للدراما التليفزيونية بمعاييرها الفنية العالمية ببلادنا، أما الكوميديا فقد وريت الثرى منذ زمن الأبيض و الأسود و لا أحد من الممثلين اليوم يستطيع أن يجعله يضحك، لأنهم لا يتقنون كوميديا الموقف التي تمرر رسائل توعية و تحسيس للمجتمع، كما أكد، و ذلك في غياب سيناريوهات من توقيع أشخاص تلقوا تكوينا متخصصا و كاملا في هذا المجال، و أعرب بطل السلسلتين الفكاهيتين الشهيرتين «عيسى سطوري»، و «أعصاب و أوتار» عن أسفه لعدم مد جسور التعاون و التكامل و بين الأدباء الجزائريين و الفنانين للارتقاء بالأعمال الفنية.
حاورته : إلهام ط
.النصر: حدثنا عن إطلالتك الرمضانية...
ـ عنتر هلال: التقيت بجمهوري عبر شاشة رمضان، من خلال عمل كوميدي عنوانه «بوزيد داي»، تعالج كل حلقة منه ظاهرة اجتماعية في قالب هزلي من إخراج جعفر قاسم ،لقد تقمصت شخصية الميلود، صاحب عمارة شارك في حرب تحرير الجزائر و لا يزال مهوسا بالثورة، و لا يفوت أية فرصة للتحدث عن ذكرياته النضالية و تضحيات المجاهدين و الشهداء، ليمرر بذلك رسائل إلى الشباب الذين لا يعلمون الكثير عن أعظم ثورة في العالم.
المخرج جعفر قاسم ماهر تقنيا و مجتهد فنيا
. لأول مرة مثلت إلى جانب الممثل صالح أوقروت في عمل من إخراج جعفر قاسم كيف كان انطباعك؟
ـ نعم ...لأول مرة أتعامل مع المخرج جعفر قاسم، عندما عرض علي الدور طلبت منه السيناريو، فأنا لا أوافق عادة على أي دور، إلا إذا قرأت السيناريو و أعجبني . لقد تابعت أعمال هذا المخرج الشاب و أعجبت بها من الناحية التقنية و طريقة الإخراج، و عندما تعاملت معه في «بوزيد داي» أعجبت أكثر بطريقة تعامله مع طاقمه و تحكمه في كافة الأمور التقنية، إنه مجتهد و مثابر حقا.
أما بالنسبة لزميلي صالح أوقروت، فقد سبق لنا و أن صورنا ومضتين إشهاريتين بثهما التليفزيون الجزائري، لكن لم يسبق لي و أن مثلت مع صويلح وجها لوجه في عمل مشترك قبل «بوزيد داي»، كانت تجربة ممتعة و الأهم أنها نالت إعجاب و رضا الجمهور و أسعدته.
. ما هي الأعمال التليفزيونية التي تابعتها خلال رمضان؟
ـ بصراحة، كنت أتابع من حين إلى آخر «بوزيد داي»، إلى جانب نشرات الأخبار، لأن الإنتاج كان ضعيفا.
القنوات الخاصة ذات مستوى رديء
. ألم تساهم القنوات الخاصة في الارتقاء بالمستوى؟
ـ هذه القنوات لم تقدم شيئا و مستواها جد رديء و أغتنم هذه الفرصة لأقول لمسؤوليها :ارفعوا المستوى و اهتموا بنوعية ما تبثون من برامج.
. ما رأيك في الأعمال الكوميدية الحديثة؟
ـ فقدنا الأعمال الفكاهية الحقيقية التي تعتمد على حبكة و موقف و تنتزع ضحكات الجمهور و إعجابهم و هي تمرر إليه رسائل تحسيسية هادفة، لقد أصبحت الكوميديا اليوم تعتمد على الحوار و الكلام، المأخوذ في الغالب من الشارع. تشارلي شابلن مثلا، كانت أعماله كوميدية صامتة تبث بالأبيض و الأسود و كان يجعلنا نضحك جميعا من قلوبنا و لا يزال قادرا على ذلك. بالنسبة لمن يصنفون أنفسهم في خانة الممثلين الكوميديين، أقول بأن هناك من يستحق ذلك و هناك من أقحم في المجال. «التخلاط» كبير.
الكاستينغ شكلي و المعريفة تحدد انتقاء الممثلين
. هل عدم اختيار الممثلين المناسبين هو السبب؟
ـ يختار عادة المنتج أو المخرج فريقا يقدم معه كافة أعماله، فيقدم دائما نفس الوجوه. أما عملية الكاستينغ فهي شكلية، و تحدد في الغالب المحاباة و المحسوبية و»المعريفة» انتقاء الممثلين. علما بأن الكثيرين وجدوا في المشاركة في الومضات الإشهارية، أو إلقاء النكت بوابة لدخول عالم التمثيل و لا أحد يراجع نفسه.
. وماذا عن التكوين؟
ـ لا نزال في المرحلة الابتدائية وحتى الامتحانات التي شاركنا فيها لم تجعلنا ننتقل إلى مرحلة أعلى، في برج الكيفان بالعاصمة، توجد مدرسة للفنون الدرامية و ليست كلية، يتخرج منها ممثلون و مخرجون ليس لديهم مستوى عال. يوجد بعض المخرجين توجهوا إلى أوروبا أو آسيا، ليواصلوا تكوينهم و عادوا بنظرة أخرى إلى الفن و ليس إبداعا. أعتقد أن النظرة الجزائرية ذهبت مع المرحوم عبد القادر علولة، أين الفرجة اليوم في المسرح ؟ المسرحيات لم تعد تعبيرية وطغى عليها الرقص و التهريج .
«يحيا الأبيض و الأسود»
. تألقت في العديد من الأعمال الكوميدية خلال مسار نصف قرن تقريبا في عالم الفن ، ثم جسدت أدوارا مختلفة في أعمال درامية و تراجيدية جديدة، على غرار شخصية حسان باشا في مسرحية «صالح باي»و دور الفلاح الذي يعمل في مزرعة الكولون في «أبواب القلعة السبعة» لأحمد راشدي، و أعمال ثورية أخرى،هل هذا يعني بأنك ترغب في الابتعاد عن الكوميديا؟
ـ الممثل يجب أن يقدم كافة الأدوار و لا يتخصص في نوع معين. أود أن أقول هنا بأن لدي طاقات و قدرات فنية كبيرة جدا و لم تتاح لي الفرصة بعد لأجد دورا أبرزها من خلاله .
. من هو الممثل الفكاهي الذي يثير ضحك عنتر هلال؟
ـ أكيد لا أحد من أبناء هذا الجيل، لكنني و إلى حد اليوم أضحك إذا شاهدت أعمال تشارلي شابلن و لورال و هاردي و المفتش الطاهر و عثمان عريوات الذي أتمنى أن أمثل معه من جديد بعد تجربتنا المشتركة في «الطاكسي المخفي».
الأعمال التي قدمت في إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية دون المستوى
. ما رأيك في الأعمال التي قدمت خلال تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية؟
ـ كل الأعمال كانت دون المستوى، لأن الهدف من التظاهرة كان جني المال بالنسبة للكثيرين، و أتساءل هنا أين الجمهور الذي استفاد من التظاهرة و استمتع بالعروض؟ كانت الدعوات توزع على الشخصيات و الجمعيات و الأصدقاء و هؤلاء هم الذين استفادوا . اقترحت سابقا برنامجا على والي الولاية يتضمن إخراج الثقافة من القاعات المغلقة و تنشيط مختلف العروض في الساحات و الشوارع، لكنه لم يجسد. للأسف مسرح قسنطينة الجهوي الذي كان رائدا في المسرح، لم يقدم خلال سنة كاملة من عمر تظاهرة عاصمة الثقافة، سوى مسرحيتي «صالح باي» و «حضرة النائب المحترم»، حدث هذا رغم أن قسنطينة تضم ممثلين شباب موهوبين، لكن لم تتاح لهم فرصة البروز. لو أن وزير الاتصال قدم مساعدات مالية للمحطات الجهوية للتليفزيون، و من بينها محطة قسنطينة، لاستغلت تلك المواهب و أنتجت أعمالا جيدة، كما في الزمن الجميل.
. ما رأيك في الكاميرا الخفية الرمضانية؟
ـ لا زلت أفضل كاميرا المخرج الحاج رحيم، لأنها لم تكن تؤذي أو تهين أحدا «يحيا زمن و فن الأبيض و الأسود»، أما الكاميرا الخفية الجزائرية المعاصرة، فهي تؤدي إلى الهلاك و المرض و تفتقر للإبداع و معظم أفكارها مسروقة.
لا وجود لدراما جزائرية
. ماذا عن الدراما التليفزيونية؟
ـ هناك محاولات لكن لا توجد لدينا إلى غاية اليوم دراما، وفق المعايير الحقيقية للدراما المتداولة عالميا. يوجد ديكور و صراخ و بكاء لا غير. المشكل يتعلق بالمضمون و الحبكة الدرامية و السيناريو، أكرر بأن عدم توفر أشخاص مؤهلين و متخصصين في كتابة السيناريو يجعلنا في تدهور مستمر.
الأعمال الجزائرية يجب أن يخرجها جزائريون
. لاحظنا في السنوات الأخيرة إسناد مهمة إخراج العديد من المسلسلات و الأفلام الجزائرية لمخرجين من سوريا أو الأردن أو المغرب و غيرها ما رأيك؟
ـ لقد نددت مرارا و تكرارا بهذه الظاهرة، إننا نعطي قيمة كبيرة لكل من و ما يأتي من خارج الحدود، في حين نهمش الجزائريين و لا نمنحهم الثقة اللازمة لتحفيزهم على إتقان عملهم. كجزائريين لازلنا نتذكر مسلسل «فاطمة نسومر» الذي أسند إخراجه لمخرج سوري ، و جاء العمل دون المستوى من حيث المضمون و التركيبة التاريخية و السينوغرافيا، لأن السيناريو الجزائري قدم بمنظار سوري، دون بحث عميق عن خصائص الشخصية التاريخية و الأماكن و الملابس و طريقة الكلام و غيرها من التفاصيل الضرورية لإنجاح العمل. للأسف لم نتعظ، و واصلنا إسناد أعمال أخرى لمخرجين سوريين و أردنيين و غيرهم. يا ليت تم اختيار مخرجين كبار لهم رصيدهم من الأعمال الناجحة. أتوقع لفيلم «ابن باديس» الذي أسند إخراجه لمخرج سوري نفس المصير. لاحظت أيضا أن هذا النوع من الأعمال يصطدم عادة بعدم إتقان الكثير من الممثلين الجزائريين للعربية الفصحى و تجلى ذلك بوضوح في اللقطات التي شاهدتها من مسلسل»طوق النار» للمخرج الأردني بسام المصري ، حيث أن العديد من الممثلين بدوا و كأنهم يقرأون نصا و لا يؤدون دورا.المنتجون و المخرجون يبررون تقديم الشخصيات التاريخية بلمسات خيالية بالأمر الضروري، لكنني أرى بأن تلك مغالطة و تغطية للعجز.لا بد من البحث و الاستناد إلى الشهادات و المراجع.
«حياة ممزقة» قد يصور بالجزائر
. متى سنشاهد فيلمك «حياة ممزقة» الذي أسندت مهمة إخراجه لمخرج إيراني؟
ـ الأحداث في سوريا عرقلت التصوير هناك، و بالتالي اضطررنا لتأجيله أنا و المنتج الجزائري المقيم بدبي و المخرج الإيراني، ربما سنصوره لاحقا بالجزائر .
. ماذا عن سيناريو مسلسل «البلية» ؟
ـ قدمته للتليفزيون الجزائري في سنة 2007 و لم أتلق أي رد لحد اليوم، لهذا احتفظت بسيناريو «سلك الذهب»، عموما كل السيناريوهات التي أكتبها أحميها بتسجيلها لدى الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة.
. هل كتبت أعمالا جديدة ؟
ـ أنا الآن أقرأ نصوصا جديدة لمبدعين شباب من الجنسين، في إطار عملي كعضو بلجنة قراءة النصوص المسرحية التابعة للمسرح الجهوي لقسنطينة، بصراحة أعجبتني أكثر النصوص الموجهة لمسرح الطفل. و بالموازاة مع عملي أكتب حلقات فكاهية مدة كل حلقة 10 إلى 12 دقيقة.
. مشاريعك...
ـ سأصور عن قريب دوري في مسلسل حول العلامة عبد الحميد بن باديس للمخرج عمار محسن، و سأشارك لاحقا في عمل كوميدي من إنتاج شركة لومابروكوم، إلى جانب التدرب على مسرحية من إنتاج مسرح قسنطينة.
.ماذا يقترح عنتر هلال الذي يحمل خبرة 50 عاما في الفن، للارتقاء بالدراما؟
ـ المشكل الأول هو مشكل مضمون أي سيناريو، في الواقع ليس لدينا كتاب سيناريو مؤهلين و محترفين، هناك محاولات فقط. لاحظت بأنه و على هامش بعض المهرجانات و التظاهرات الفنية يفتح المجال لتربص مدته يومين أو ثلاث للتكوين في كتابة السيناريو، و هذا غير كاف. لهذا أقترح فتح مجال التكوين و التأهيل بمعاهد عالية، إلى جانب تشجيع الاحتكاك و التعاون بين الفنانين و الأدباء و الروائيين و الكتاب المسرحيين.
أقترح أيضا تنظيم عملية كاستينغ حقيقية و ليست شكلية، قبل انجاز أي عمل، يحضرها إلى جانب كاتب السيناريو و المخرج، المدير الفني، من أجل انتقاء موضوعي للممثلين. المخرج لا يستطيع أن يشرف على كل شيء، فالدراما أو الكوميديا أو المسرحية عبارة عن ثمار لعمل جماعي متكامل.
الملفت أنه لا وجود لمنصب مدير فني في أعمالنا، رغم أهميته في الإشراف على تدريب و متابعة الممثلين و تصليح الأخطاء التي يقعون فيها في الأداء و الحوار و غيرها.