فضيلة منظفة تحمل في صدرها 40 سنة من المعاناة والعذاب
فضيلة.. إمرأة تحمل في صدرها قصة معاناة تنعكس في ملامح وجهها، في هدوئها وإنطوائها وغيرها من السلوكات. فضيلة تجاوزت الـ40 سنة ولكن مسار كفاحها وصراعها مع مشاكل الدنيا لم ينتهي بل بدأ مرحلة جديدة من أجل ضمان وضع مريح لولدها الوحيد.
فضيلة اليوم تجمع بين العمل كمنظفة وبين تقصي الصدقات من عند المحسنين كي تتمكن من تسديد ثمن إيجار الغرفة الوحيدة التي تأويها رفقة إبنها، تقول أنها لا تهتم للجوع بقدر ما تقلق على دفع الإيجار حتى لا تجد نفسها في الشارع، تضيف أنها لا تتسول مثل الآخرين بل تقصد أناس معينين محسنين يعرفونها جيدا لا يتأخرون على مساعدتها لإستكمال ثمن كراء الغرفة، لدى فأمنيتها هي الحصول على سكن إجتماعي يضمن لها الإحساس بالأمان مع ولدها.
قصة فضيلة، ابنة مدينة وهران، تعود لحوالي 20 سنة مضت عندما طلق والدها أمها وأعاد الزواج بثانية، هذه الأخيرة حرمت فضيلة من مواصلة الدراسة التي توقفت في مستوى 9 أساسي، لتتفرغ البنت لخدمة البيت وزوجة الأب. وبمجرد أن بلغت فضيلة سن 17 زوجها والدها لأول رجل طرق الباب، زواج لم يدم سوى 3 أشهر لتكتشفه الزوجة الأولى وتجبر الرجل على تطليق فضيلة، من هنا بدأت قصتها مع الشارع لأن زوجة الأب رفضت إعادتها للبيت. تنقلت فضيلة بين منازل الأهل والأقارب ولكن طردت في الأخير للمبيت في الشارع أين تعرفت على بعض الفتيات اللواتي نصحوها بالعمل خارج وهران في فنادق كمنظفة، وفعلا تنقلت فضيلة من ولاية لأخرى ومن فندق لآخر المهم بالنسبة لها هو ضمان المبيت وأجر يساعدها على تلبية حاجياتها. ولكن كان القدر ينتظرها بأحد الفنادق أين قصدها شخص من أجل الزواج، فإتصلت بوالدها الذي قبل الإشراف على زواجها كي يتخلص منها. المهم بالنسبة لفضيلة أيضا هو الإحتماء بزوج من تعب العمل في الفنادق، ولكن جرت المقادير بالأسوء، حيث إكتشفت بعد فترة قصيرة أن هذا الزوج مشترك مع عصابة مخدرات، وأنه مدمن كذلك، تجرعت معه كل أنواع العذاب الضرب بالعصي والسكين وحتى بالشاقور وبكل أنواع الأسلحة البيضاء، لم تنقطع دموعها وهي تروي قصتها، تحملت كل هذا خوفا من الشارع و فقدت طفلها الأول بعد ولادته بأقل من شهرين، حينها أصرت على حماية طفلها الثاني بكل الطرق وفعلا عند ولادته هربت به عند أمها وإنتظرت أن يعود زوجها لوعيه ويستقيم من أجل ابنه، وكانت الصدمة ذات يوم حيث قرأت خبر قتل زوجها في الجرائد على يد عصابة مخدرات، هي الشعرة التي قضمت ظهر البعير كما يقال، حيث أصيبت فضيلة بإنهيار عصبي حاد من شدة الخوف كما قالت، أدخلها مستشفى الأمراض العقلية لتضاف هذه الأزمة لعلامات العذاب المرسومة على جسمها.
وبعد فترة العلاج عادت فضيلة لبيت والدتها، لكن وجدتها قد توفيت ووجدت إبنها عند أختها الكبرى. وبعد هروب دام سنوات لم تجد فضيلة سوى الشارع رفقة ابنها للمبيت فيه مفترشة الأرض وتتغطى بالسماء وتستمر حياتها بصدقة المحسنين. رفضت البقاء في ديار الرحمة بعد تحويلها إليها من طرف أعوان الهلال الأحمر الجزائري لأنهم طلبوا منها التخلي عن ابنها لتحويله لمركز الطفولة المسعفة، منذ ذلك الحين قبل حوالي 10 سنوات، قررت فضيلة الصمود والحفاظ على ابنها بأية طريقة، فكانت في البداية تحمله معها رضيعا للتسول والخدمة في البيوت لدفع ثمن ايجار غرفة واحدة في حي فوضوي، لم تكن قد شفيت بعد من الأزمة العصبية ولكن رفضت تناول الأدوية مثلما قالت حتى لا تخضع للنوم والإسترخاء بل تخرج للعمل والتسول وهذا حالها منذ تلك السنوات. ابنها اليوم في سن 14 سنة توقف عن الدراسة في مستوى السنة الثالثة إبتدائي، يحاول اليوم مساعدة والدته على دفع ايجار الغرفة ببيع بعض اللعب في إنتظار أن تتمكن والدته من ادخاله مركز التكوين المهني لضمان مستقبله والإستقرار.
من جهة أخرى، تقول فضيلة أن أهل زوجها رفضوا في البداية تسليمها أية وثيقة أو الدفتر العائلي كونها كانت مصابة بالإنهيار العصبي، ولكن اليوم تمكنت من الحصول على الدفتر العائلي وبعض الوثائق لتتمكن من تسوية وضعية ابنها وحمايته من الإنحراف ومن التشرد الذي عاش فيه منذ ولادته. فضيلة اليوم تضاعفت مسؤوليتها اتجاه ابنها لأنه في سن المراهقة ويعيش في ظل الظروف سابقة الذكر، ومن شدة خوفها عليه أصبحت تراقبه من بعيد ومن قريب، تحيطه برعايتها وتضبط وقته وتحركاته، تقول لا أحد من أهله لأبيه يسأل عنه أو يساعده أو يتذكره، هو ابنها تصارع من أجل إنقاذه من مخاطر المستقبل. هوارية ب