تعطل المصاعد.. شبح يطارد سكان عمارات السيلوك بقسنطينة
يحتفظ سكان حي السيلوك بقسنطينة بذكريات مريرة عن تعطّل المصاعد الذي تحوّل إلى هاجس يعجز الكثيرون منهم سيّما القاطنين بالطوابق الأخيرة من التخلّص منه حتى بعد إعادة تشغيل مصاعد العمارات الخمس، لأن صور معاناتهم الراسخة على مدى حوالي 40سنة تأبى الاختفاء من الذاكرة الجماعية لسكان هذا الحي المعروف بعماراته ذات الطوابق العالية و البالغ عددها 13طابقا.
بمجرّد وصولنا إلى حي قدور بومدوس و توجهنا نحو عمارات «السيلوك»، لمسنا استمرار هاجس الخوف من تعطل المصاعد في حديث بعض السكان الذين أخبرونا باستياء توّقف مصعد بناية بالعمارة الأولى، بعد أقل من ثلاثة أشهر من إعادة تشغيله بسبب طيش أحد الشباب الذي تسبب في تعطله، الشيء الذي أحيى من جديد كابوس الصعود و النزول و نقل المرضى و الأغراض الثقيلة إلى أعلى مثلما ذكر لنا مجموعة من المسنين الذين كانوا يجلسون أمام مولد كهربائي بمحاذاة البناية الأولى التي شهدت كغيرها من العمارات الخمس تغييرات ملفتة بفضل عمليات إعادة التهيئة و التحسين الحضري التي شملت عديد الأحياء بقسنطينة، فضلا عن مبادرات السكان خاصة على مستوى تغيير أبواب المداخل الرئيسية، الشيء الذي ساهم في تحسين المنظر العام لحي طالما ارتبطت به صور الأوساخ و ظاهرة رمي النفايات من الشرفات.
مرضى يحملون على كراس و آخرون يغيّرون المسكن
بعض السكان القدامى بحي السيلوك، قالوا أن الحي استعاد وجهه الذي كان عليه قبل 50سنة عندما كانت إدارة المساكن المتوسطة الإيجار تفرض على السكان دفع بعض المستحقات اللازمة للصيانة و التهيئة و النظافة، مثلما ذكر عمي بشير السبعيني الذي تحدث بأسى كبير عما آل إليه الحي بعد تعطل المصاعد و إزالة قنوات مزالق القمامة و ما سببه ذلك من انتشار واسع للأوساخ.
محدثنا استعاد صورا حزينة لجيران له اضطروا للانتقال للعيش عند أقاربهم بعد تقدمهم في السن و عجزهم عن صعود و نزول السلالم الطويلة، فيما أجبر آخرون على بيع شققهم و شراء سكنات في الطوابق الأرضية، للتخلّص من كابوس الصعود و النزول.
و تذكرت إحدى القاطنات كيف أن جارا لهم كان يقطن في الطابق العاشر، طلب نقله إلى مسكن ابنه ببلدية أخرى بعد إصابته بمرض أقعده الفراش، لأنه لم يعد يتحمّل رؤية أبنائه يقاسون كلما وصل موعد نقله إلى المستشفى.
و حالة مشابهة تحدث عنها قاطن آخر قال أنه من السكان الأوائل بالحي، حيث سرد علينا باستياء و حزن كبيرين كيف أنهم كانوا يعثرون من حين إلى آخر على جارة لهم عجوز، مصابة بالقصور الكلوي، مغشيا عليها على الدرج بعد خضوعها لعملية غسيل الكلى و تصفية الدم، فيسارعون لحملها إلى منزلها بالطابق السادس قبل رحيلها عن الدنيا.
قصص السكان مع صعوبة نقل المرضى تكرّرت بكل العمارات، حيث تقاربت رواياتهم عن تجنّد الشباب لتقديم يد المساعدة و حمل المرضى على الكراسي كلما تدهورت حالتهم.
جنائز و موتى يودعون بمدخل العمارات
و قالت القاطنة نجاة بأن الصور الأكثر إيلاما و حزنا التي تأبى ذاكرتها عن محوها صور جيرانها الذين توفوا و لم تقم لهم جنائز كغيرهم لصعوبة حمل النعش و اضطرار أهلهم لتوديعهم بمداخل العمارات قبل نقل جثامينهم إلى المقبرة لا لشيء سوى لصعوبة حملهم إلى مساكنهم لوقوعها بالطوابق العليا.
نفس القصة سردتها ساكنة أخرى، أكدت أنها عاشت عديد الحالات المشابهة مع عدد من الجيران الراحلين، خاصة الذين يتوفون في حوادث خطيرة أو بالخارج، من بينهم قريب لها يعيش بالعمارة المحاذية لمسكنها و الذي لم تنس حتى اليوم مشهد محاولة شقيقته رمي نفسها من العمارة لأنها لم تتمكن من رؤية جثمانه بسبب رفض رجال العائلة إدخاله البيت حتى لا يتأخروا عن موعد الدفن في العصر.
«بقشيش» لإغراء الأطفال بحمل المقتنيات
لم يخف عديد القاطنين اللجوء إلى إغراء أبناء الجيران، خاصة الأطفال بالبقشيش لأجل حمل مقتنياتهم إلى شققهم التي أسر البعض بأنهم إذا دخلوا بيوتهم امتنعوا عن الخروج مرة أخرى، لعدم قدرتهم على تحمل صعود مئات السلالم أكثر من مرة في اليوم مثلما ذكر المواطن عبد الكريم البالغ من العمر 45سنة و الذي اعترف بأن أكثر شجاراته مع زوجته سببها طلباتها المتكرّرة لجلب مختلف المقتنيات حتى لو كانت المحلات تقع أسفل العمارات مثلما قال.
و علّق مواطن آخر بأن سكان الطوابق العليا يعانون الهزال لأنهم يفقدون كل الطاقة في الصعود و النزول.
إعادة تشغيل المصاعد لم ينه كابوس الأوساخ
الطبع يغلب التطبّع مثل ينطبق على بعض سكان حي السيلوك الذي رغم عودة المصاعد للخدمة منذ فترة، لا زالت ظاهرة رمي الأوساخ من الشرفات مستمرة، و هو ما يدحض تبريرات الكثيرين ممن كانوا يتحججون بغياب و تعطل المصاعد و ما يسببه ذلك من عسر في نقل نفاياتهم المنزلية إلى أسفل، خاصة السكان المتقدمين في السن الذين تعوّدوا على رمي أكياس النفايات من النوافذ خلف العمارات التي باءت كل تدابير و إجراءات تنظيف الحي و المحيط المتخذة من قبل مصالح البلدية و مبادرات بعض السكان الغيورين على نظافة حيهم، بالفشل، و هو ما وقفنا عليه و نحن نتحدث مع سكان الحي أمس حوالي الساعة الحادية عشر صباحا حيث نزل كيس الأوساخ من أعلى دون حرج أو مبالاة مرتكب هذا السلوك غير الحضاري.
و قال محدثونا بأن ثمة من الجيران من يرمون نفاياتهم في الصباح الباكر، و هم يستعدون لأداء صلاة الفجر، و هو ما اعتبره البعض سوء احترام و تقدير للجيران، و هو السلوك الذي ساهم في انتشار الجرذان حسب السكان الذين عبّروا عن يأسهم لاستمرار كابوس الأوساخ الذي يبدو أنه التصق بهذا الحي إلى الأبد.
عودة «السانسور» تلهب أسعار الشقق
تمسك البعض بشققهم في الطوابق العلوية بحي السيلوك رغم المشاكل التي واجهوها، لم يذهب سدا، لأن أسعار العقار بهذا الحي شهدت ارتفاعا خياليا ، خاصة بعد إعادة تهيئة الحي و تشغيل مصاعده من جديد، حيث أكد لنا بعض السكان أن سعر شقة بأربع غرف لا ينزل عن مليار و ثمانمائة مليون سنتيم، و الإقبال يكاد يكون نفسه على الشقق الواقعة في الطوابق الخمسة الأولى أو الخمسة الأخيرة.
مريم/ب