إسكافيون متخوّفون من الأمراض الجلدية و أفارقة يسدون الفراغ
دفع تقلّص عدد الاسكافيين بمدينة قسنطينة بالكثيرين إلى اللجوء إلى الحرفيين الأفارقة، رغم عدم رضا بعضهم عن طريقة ترقيعهم و تصليحهم للأحذية، غير أن أسعارهم التنافسية و سرعة الإنجاز، جعلت منهم مقصدا لكل من يريد تصليح حذاءه بما فيها الأحذية الصينية التي كانت من بين أسباب تخلي الكثير من الاسكافيين عن حرفتهم، التي فقدت مكانتها عند الناس، بعد تزايد مظاهر سوء الاحترام و التطاول على ممتهني هذه الحرفة التقليدية الضاربة في التاريخ.
و إن كان الأفارقة سيّما القادمين من دول الساحل لا يستقرون في مكان واحد خاصة من لا يتوّفرون على تأشيرة، و يفضلون التنقل من حي إلى حي و من بلدية إلى أخرى ، فإن بعضهم تمكنوا من كسب ثقة الزبائن كمحمد الذي جعل من أحياء مدينة الخروب فضاء لمزاولة حرفته لما يجنيه من مال قال أنه يحفظ كرامته و يوّفر له لقمة العيش.
محمد الذي حاول تجريب حظه أمام سوق بطو بوسط مدينة قسنطينة، أخبرنا بأنه لم يتمكن من إيجاد مكان له بوسط المدينة، آسرا بأنه يفضل التنقل بين البلديات و كذا الأرياف، باعتبار الناس هناك لا زالوا أوفياء لهذه الحرفة عكس بلدية قسنطينة التي يفضل الكثيرون فيها التعامل مع اسكافيين تعوّدوا عليهم منذ سنوات، و هو ما وقفنا عليه بتنقلنا إلى قلب المدينة العتيقة و بالضبط بالسلالم المؤدية إلى حي الرصيف و التي يطلق عليها عامة اسم «دروج الكوردونية» أو «دروج البازار»، أين لاحظنا تراجع عدد الحرفيين بشكل ملفت و لم نجد منهم سوى أربعة من بين ستة اسكافيين صمدوا و حافظوا على الحرفة من الاندثار رغم المشاكل الكثيرة التي يواجهونها باستمرار مع الزبائن.
«زبائن اليوم يعايروننا و يتطاولون علينا»
حواس زغو أصغر الحرفيين بهذا المكان الواقع بقلب المدينة القديمة، و البالغ من العمر 32سنة، أخبرنا بأن تعلّقه بحرفة جده و والده، حفزه على الاستمرار فيها رغم تراجع مكانة الاسكافي عند الزبائن و تطاول الكثيرين عليهم، مضيفا بأن البعض لا يتوانون في شتمهم و معايرتهم «أكثر العبارات التي نسمعها في حياتنا المهنية عند حدوث أي مواجهة مع أي زبون كان» لهذا عاقبك الله و جعلك تمتهن هذه الحرفة» و هو ما يعكس احتقار البعض لهذه المهنة الشريفة التي أكد عدد من محترفيها الذين تحدثنا إليهم بأنها لا زالت تدر ربحا معقولا على ممارسيها عكس ما يعتقد البعض.
و قال إسكافي آخر في عقده الرابع بأن الحرفة باتت أصعب، رغم انتعاش سوق المواد المستعملة في الأسكفة بما فيها النعال الخارجية و الداخلية و الكعب و مختلف أنواع الغراء و خيوط الترقيع و القوالب و غيرها من الأدوات التي لم يكن الاسكافي يحصل عليها بسهولة، غير أن كل ذلك لم يشفع للحرفة بسبب سلوكات بعض الزبائن و ما يظهرونه من قلة احترام للحرفيين، إذا ما تأخروا في تصليح الحذاء أو رفضوا القيام بذلك بسبب نوعية بعض الأحذية و انعدام الجودة و تأكدهم من عجزهم في ترقيعها مثلما قال.
نرفض الطلبات بسبب الروائح الكريهة
و عن أحذية اليوم، أخبرنا الإسكافي الستيني نورالدين نوي، بأن أكثرها مقلّد و يفتقد للجودة، و أردف معلّقا لم نعد نرى الأحذية رفيعة الجودة إلا نادرا جدا، بل أكثر ما يقع بين أيدينا أحذية من الصنف الثالث طبقا للمعايير التي كانوا يصنفون بها نوعية النعال سابقا حسبه، مضيفا بأنه و زملاءه يضطرون مرات عديدة إلى رفض تصليح بعض الأحذية بسبب الروائح الكريهة المنبعثة منها.
و نفس الشيء أكده الحرفي زغو حواس الذي مارس الحرفة لمدة 11سنة قائلا بأنه لا يتحمل روائح المادة التي تصنع منها الأحذية ذات الصنع الصيني، كما يجد صعوبة في التخلص منها حتى بعد غسل الأيدي مرات عديدة، مما جعله يرفض ترقيعها و مصارحة الزبون منذ البداية، لخوفه من الإصابة بالأمراض الجلدية أو التنفسية مثلما صرّح لنا، مؤكدا بأن ذلك يزعج الزبائن فيرمونهم بوابل من السب و الشتم، قبل التوّجه نحو الإسكافيين الأفارقة الذين لا يرفضون شيئا، حتى و لو أدركوا عدم قدرتهم على إنجاز عمل جيّد يستحسنه صاحب الحذاء الممزّق.
زبائن لا يستغنون عن الإسكافي التقليدي
بينما كنا نتحدث إلى اسكافيين بشارع الزياتين حضر زبون مسن بدا وفيا للمكان و العباد حيث طلب من أحدهم تصليح «صندل» نسوي أسود، قبل أن نبادره بسؤالنا بخصوص رأيه في الحرفة بين اليوم و الأمس و سر حفاظه على عادة تصليح الأحذية في الوقت الذي بات الكثيرون يفضلون رمي القديم و استبداله بالجديد مبررين اختيارهم بتكاليف الترقيع المرتفعة و التي تكاد تصل إلى نصف السعر الحقيقي للحذاء الجديد، حيث لا يقل سعر تصليح النعل الخارجي عن 650دج في حين لا يزيد سعر الحذاء عن 1200دج أو 1500دج بالنسبة للأحذية الصينية أو بعض الأنواع المحلية الصنع، في حين يبرّر الإسكافيون رفعهم لتكاليف التصليح و الترقيع إلى الارتفاع المستمر في أسعار المواد الأولية بما فيها محلية الصنع.
و عن أسعار الترقيع فأكد لنا محدثونا بأنها تتراوح بين 100و 700دج بالنسبة للأحذية الرياضية و هي أسعار اعتبروها رمزية مقارنة بما يطلبه أصحاب محلات الإسكافي العصري.
مريم/ب