مستوى معيشة الجزائري يفوق قدرته الشرائية و تبذير الغذاء صار مظهرا اجتماعيا
الحاج الطاهر بولنوار، اسم حاضر بقوة في الحياة الاجتماعية الجزائرية على صفحات الجرائد و أخبار القنوات التلفزيونية ، فهو من أهم الأسماء التي تصنع تصريحاتها الحدث في العديد من المناسبات، باعتباره صوت التاجر الجزائري، هو بورتريه لتاجر عرف كيف يندمج بشكل كبير في الحياة العامة، و يفرض صورة مغايرة عن أصحاب الأعمال الحرة، بفضل مواقفه و مساهماته ميدانيا و عبر الفايسبوك.
في هذا الحوار الذي جمعه بالنصر، يتحدث رئيس الجمعية الوطنية للتجار و الناطق الرسمي باسم الاتحاد الوطني للتجار و الحرفيين الجزائريين، عن ثنائية الاستهلاك و الإنتاج، وعن نمط معيشة الجزائري، كما يتطرق كذلك الى صورة المرأة التاجرة في المجتمع، أزمات التموين و السوق الموازية.
ـ النصر: كيف كسر الحاج الطاهر بولنوار صورة التاجر البسيط و استطاع أن يصنع له اسما في الحياة العامة؟
ـ الحاج الطاهر بولنوار: أنا مواطن بسيط من مواليد تيبازة، مارست عدة مهن في مجالات مختلفة كالتعليم و الصحافة، قبل أن انتقل إلى النشاط المهني و تحديدا قطاع الخدمات. اهتمامي بالحياة اليومية للمواطن البسيط، دفعني للمشاركة في الملتقيات و اللقاءات التي تتناول مختلف جوانب الحياة تقريبا، كما ساهمت في تأسيس و عصرنة عدة جمعيات مهنية، أمارس الشطرنج و رياضات عديدة، كتنس الطاولة و السباحة، ولعل هذا التنوع في الاهتمامات هو ما أوجد شخصية الحاج الطاهر بولنوار التي تعرفونها، بالنسبة لي التاجر فرد في المجتمع و مساهمته يجب ألا تقتصر على البيع و الشراء، بل لابد وأن يكون له دور فاعل في العملية الاقتصادية و البناء الاجتماعي، وهو ما أحاول القيام به، سواء بفضل نشاطي الميداني الجمعوي، أو من خلال شخصيتي، جارتي الأستاذة الجامعية و عمي حسين صاحب المقهى، اللذين أوجدتهما عبر صفحتي التفاعلية على الفايسبوك.
ـ لو طلبت منك إجراء مقارنة بسيطة بين علاقة التاجر بالزبون قبل سنوات و ما هي عليه اليوم كيف ستصفها؟
ـ في الحقيقة لم تختلف كثيرا رغم تطور مستوى المعيشة، و السبب يكمن أساسا في أن الزبون في حد ذاته، لم يغير سلوكياته الاستهلاكية، لذلك فإن شكل المحلات الجديد و آلية التعامل مع الزبون في مساحات التسوق الكبرى و المحلات التجارية الصغيرة يعد واحد.
4من 5 من الجزائريين، يسألون عن وفرة المنتوج و السعر، في حين أن القليلين جدا منهم يهتمون بمكونات المنتوج و تاريخ صلاحيته، و بالرغم من أن نسبة بسيطة من المستهلكين أصبحت تميل إلى الاهتمام بما تستهلكه، إلا أن الغالبية تهتم بالكم و السعر و فقط.
الجزائري ينفق 40 في المائة من دخله السنوي على الأكل
ـ يعرف عن الجزائري ضعف ثقافته الاستهلاكية، بما تفسرون ذلك و إلى ماذا ترجعونه كتجار؟
ـ تشير آخر الإحصائيات إلى أن الجزائري ينفق 40 في المائة من دخله السنوي على المواد الغذائية، بما في ذلك ما يتم تخصيصه للأعراس و المناسبات، و بأن مستوى معيشته و نمط إنفاقه يتجاوز بكثير قدرته الشرائية، أي أن الغالبية يميلون الى الاستدانة لتسديد مصاريف و نفقات إضافية لا يسمح دخلهم العادي بتغطيتها.
في السنوات الأخيرة برز اتجاهان، الأول يشكل فئة جد بسيطة من المواطنين الذين أصبحوا أكثر وعيا بضرورة تقنين الاستهلاك و تجنب شراء ما يزيد عن حاجتهم مثل شراء أربع أو خمس حبات خضر، كيس حليب واحد خبزتين... إلى آخره.
أما الصنف الثاني، فهو النموذج الشائع لمواطنين يشكل الغذاء أولوية بالنسبة إليهم، فهم يتسوقون بشكل مبالغ فيه و يتعاملون فقط بالكيلوغرام و الكم، بالرغم من أن 15 في المائة مما يستهلكونه ينتهي في المزابل.
و هنا تحديدا أود دعوة جمعيات المستهلك و حتى المدارس، لتكريس الوعي في ما يخص ضرورة تنظيم نمط الاستهلاك و التحذير من عواقب التبذير على مستقبل الغذاء.
أما عن السبب الرئيسي وراء فوضى الاستهلاك ، فيرجع بالدرجة الأولى إلى أن معظم المواد الغذائية الرئيسية مدعمة من طرف الدولة، كما أن الإشهار في الجزائر يلعب دورا سلبيا، فالإعلانات التجارية الخاصة بالأطعمة تشكل 99 في المائة من المادة الاشهارية، كما أحيطكم علما بأن في السنوات الأخيرة أصبح نمط الغذاء و نوعيته مظهرا اجتماعيا.
جزائريون يرمون وجبات كاملة في المزابل بهدف التفاخر
ـ كيف ذلك ؟
ـ كشف عدد من المعاينات الميدانية التي قمنا بها مؤخرا ، بمعية جمعيات شبانية تنشط في مجال حماية المستهلك، بأن هنالك عائلات تتعمد رمي وجبات كاملة وساخنة في القمامة و عرضها بشكل واضح، حيث يمكن رؤيتها، فقط للتفاخر و لتعكس مستواها المعيشي، وهو سلوك شبه يومي بالنسبة للبعض.
نوعية الطعام الذي يتناوله الفرد يوميا، بات يعبر عن مستوى المعيشة في المجتمع الجزائري، بمعنى كلما كانت الوجبات دسمة، فذلك دليل على أن المعني يحظى بحياة رغدة، و المشكل أنها ثقافة متفشية، تعكس بوضوح مبدأ الكثيرين في الحياة و الذي يختزل في جملة « المهم تأكل تشرب».
السوق السوداء غطاء لتجارة المخدرات و الإجرام
ـ هل يمكن القول بأن هذه الذهنيات هي سبب فشل دعوات مقاطعة بعض المنتجات الاستهلاكية رغم التهاب أسعارها؟
ـ بالفعل، في كل مرة تكون هنالك دعوات لمقاطعة منتجات معينة كاللحوم و البيض، الموز و الدجاج، لكنها لا تلقى استجابة مهمة من طرف المواطن الذي يعجز عن التحكم في سلوكه الاستهلاكي، حتى ما تعلق بنوعية المواد التي يستهلكها و التي تأتيه أحيانا من مصادر مجهولة، قد تشكل تهديدا لصحته، مع ذلك هناك تحسن ملحوظ و بوادر وعي يمكن أن تصنع الفرق مستقبلا.
ـ تقصد أن السوق السوداء تتحكم كذلك في غذاء الجزائريين و تفرض نمطا صحيا معينا؟
ـ بالفعل السوق الموازية تشكل نسبة 40 في المائة من النشاط التجاري في الجزائر، سواء ما تعلق بالغذاء أي المنتجات المعلبة و غيرها، وكذا الخدمات و الألبسة و كل شيء تقريبا، فهذا النشاط مس كل القطاعات حتى الوكالات السياحية و العقارية و غيرها، تمرر هذه السوق 80 في المائة من المواد و المنتجات الفاسدة و المقلدة و المنتهية الصلاحية التي يتخلص منها تجار الجملة.
و يبلغ حجم الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الوطني سنويا، بسبب هذا النشاط غير المقنن حوالي 400 مليار دج، ما يعكس حجم خطورته حتى أن تجار نظاميين التحقوا بتجارة الأرصفة، لأنها متحررة من الضرائب و الرسوم، تماما كما وجد البطالون في هذا النشاط حلا لبطالتهم.
للتنويه فإن خطورة هذه السوق تكمن كذلك في كونها غطاء لتمرير المخدرات عن طريق الباعة الصغار، و التمويه عن بعض النشاطات الإجرامية الأخرى.
و هنا أريد أن أقول بأن واقع السوق الرقمية أو الإلكترونية التي بدأت تفرض نفسها بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لن تكون أفضل إذا لم تتدخل الدولة لتنظيمها و ضبط معاملاتها، لأن مواقع البيع تحولت إلى مجالات مفتوحة للغش و الاحتيال.
ـ إلى ماذا ترجعون أزمات التموين في الأعياد و المناسبات وكيف يمكن تجاوزها؟
ـ أولا أزمات التموين لا تقتصر على السوق الجزائرية فحسب، بل هي مشكل عالمي، و تجاوزها يتطلب فهما صحيحا لمعنى المناوبة، فالجزائريون يعتقدون بأن المناوبة تعني تجنيدا تاما لجميع التجار وهو أمر خاطئ، لأنها تخص فئة دون غيرها، و التجار الجزائريون حديثو العهد بهذا النظام، لذلك فاحترامه و تطبيقه بشكل منظم يتطلب سنوات ليترسخ لديهم كثقافة.
فضلا عن ذلك، فإن الإفراط في الاستهلاك من شأنه أن يحدث الاضطراب في التموين، و بالنتيجة فإن الحل الوحيد هو تنظيم السلوك الاستهلاكي و تعزيز الإنتاج.
ـ هل يستطيع القرض الاستهلاكي أن يعوض ثقافة «الكريدي» لدى الجزائري؟
ـ ليس بالشكل المطلوب، المواطن يفضل التاجر العادي على البنك، بسبب الوازع الديني و هاجس الفائدة، فضلا عن مشكل الملفات و الأوراق الإدارية ، لذلك فإن نجاح التجربة محدود نوعا ما، أما الحل فيكمن في الاقتداء بالتجربة الاقتصادية لبنوك دول إسلامية كتركيا و باكستان و إيران و ماليزيا. حاليا يمكن القول، بأن الكريدي لا يزال ثقافة شائعة يتعامل بها 20 إلى 50 زبونا يوميا.
60 بالمائة من الرجال يستخدمون أسماء نساء لإستخراج سجلات تجارية
ـ هل تطورت مساهمة المرأة في النشاط التجاري و كيف ينظر المجتمع اليوم الى المرأة التاجرة؟
ـ أحيطكم علما بأن 60 في المائة من الرجال يستخرجون سجلات تجارية بأسماء نساء العائلة، لكنهم يزاولون النشاط التجاري بأنفسهم، أي يستعيرون الصفة و الاسم فقط، أما عدد التاجرات صاحبات السجلات، فهو قليل جدا لا يتعدى 130 ألف بنسبة مساهمة لا تتعدى 10 في المائة، تركز في مجالات تجارة التجزئة و الخدمات، هذا وفقا لإحصائيات خاصة بسنة 2015.
لكن مع ذلك نلاحظ بأن اقتحام النساء للشعب التجارية الحساسة، كسياقة شاحنات الوزن الثقيل و سيارات الأجرة و إدارة المطاعم في تزايد، بما في ذلك في أوساط الجامعيات. أما عن نظرة المجتمع للمرأة التاجرة، فقد تغيرت نوعا ما بتغير مفهوم الرجولة كذلك، سابقا كان مجرد الحديث عن المرأة يعد عيبا، أما اليوم فقد أصبحت شريكا اجتماعيا و نجاحها من نجاح الأب أو الزوج أو الأخ، يبقى سلوكها في حد ذاته، هو ما يحدد نظرة محيطها وحتى زملائها التجار لها.
100 مليار دج قيمة سوق الملابس المستوردة
ـ تعرف سوق الملابس المستوردة ازدهارا كبيرا و تستقطب شريحة واسعة من الشباب، ما سبب هذا التحول الكبير نحوها؟
ـ أولا بسبب تحسن القدرة الشرائية نوعا ما، فضلا عن سطوة المظاهر، كما ذكرت منذ قليل، كما يلعب النمو الديموغرافي المتزايد دورا في ذلك، و تعد هذه السوق ثاني أكبر نشاط تجاري مربح، بعد الغذاء في الجزائر،و رأس مالها يتجاوز 100 مليار دج ،و ازدهارها راجع إلى ضعف الإنتاج الوطني الذي لا يتعدى 20 في المائة، وهي بالمناسبة مسؤولية رجال الأعمال الذين يتعين عليهم الاستثمار أكثر في هذا المجال لاستيعاب الطلب.
حاورته : نور الهدى طابي