تواصل الـمظاهرات الغـاضبة ضد الحقرة و الفساد بالـمغرب
تتخوف السلطات المغربية من تحول حادثة مقتل بائع السمك بالحسيمة، إلى مقدمة لانتفاضة شعبية ضد الحقرة والفساد، وتحدثت جمعيات حقوقية عن تزايد حالات التضييق ومطاردة المعارضين و النشطاء، وفي محاولة لإزالة الاحتقان الشعبي المتزايد أعلن القضاء المغربي إحالة 11 شخصا على قاضي التحقيق في قضية مقتل بائع السمك،
في الوقت الذي تواصلت فيه المظاهرات المطالبة بإنزال العقاب بالمتورطين في مقتل محسن فكري، والتي وصل صداها إلى أروقة الأمم المتحدة التي عبرت عن قلقها من الأحداث الجارية في المملكة.
تواصلت المظاهرات في عديد المناطق بالمغرب مطالبة بإنزال العقاب بالمتورطين في مقتل محسن فكري، الذي قتل سحقا في شاحنة للنفايات. فيما وعدت الحكومة المغربية بتوضيح ملابسات مقتل بائع السمك الذي لقي مصرعه في شاحنة نقل النفايات مساء الجمعة في الحسيمة بشمال البلاد حينما كان يحاول استعادة بضاعة له صادرتها الشرطة، ما أثار غضبا في المدينة وغيرها من المناطق.
وأعلنت النيابة العامة في الحسيمة أنها أحالت 11 شخصا على قاضي التحقيق في قضية مقتل بائع السمك. ورجحت كون الأفعال المرتكبة «تكتسي طابع القتل غير العمدي». و يوجد ضمن المحالين اثنان من رجال السلطة ومندوب الصيد البحري بالمنطقة وطبيب ورئيس مصلحة الطب البيطري بالمدينة.
وتشير الوقائع انه قبل إتلاف الأسماك، طلب أحد المسؤولين عن شاحنة النفايات «الحصول على أمر بالإتلاف قبل نقل كمية السمك المحجوزة» ما دفع لجنة مكونة من مندوب الصيد البحري ورئيس مصلحة الصيد البحري والطبيب البيطري وممثل السلطة المحلية إلى «تحرير محضر بإتلاف السمك» ما اعتبرته النيابة العامة «جناية تزوير في أوراق رسمية».
وتحولت الوفاة المأسوية لبائع السمك إلى كرة ثلج تقاذفها آلاف الناشطين عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتُرجمت على أرض الواقع في أكثر من 20 مدينة مغربية، حيث خرجت تظاهرات متزامنة هي الأكبر منذ موجة 20 فيفري الشبابية. و عاد شعار «عاش الشعب» الذي شكّل عنوان تظاهرات سابقة إلى الظهور في مدن عدة. وتوزعت مطالب المحتجين بين ملاحقة المسؤولين «مهما كانت رتبهم» وبين القيام بإصلاحات عميقة لوقف التهميش وهدر الكرامة. وقال أحد منظمي الاحتجاجات «ستستمر المظاهرات حتى يعاقب جميع المسؤولين عن الجريمة». و أضاف «نريد ضمانات أن هذا لن يحدث مجددا، ويجب أن يبدأ ذلك بتطهير المؤسسات العامة من الفاسدين».
وقال متابعون للأوضاع في المغرب، أن خروج آلاف المغاربة للشوارع والميادين خلال الأيام الماضية احتجاجًا على مقتل بائع سمك، ليس إلا أحدث حلقة من سلسلة أحداث عرفتها المملكة منذ عدة سنوات بسبب تزايد عمليات القمع والتعذيب وتكميم الأفواه والقضاء على أي صوت معارض. مع تزايد الانتقادات بسبب أفراد الشرطة في استخدام القوة المفرطة لقمع المتظاهرين. كما انتقدت منظمات حقوقية، الحملة القمعية التي تنتهجها السلطات المغربية تجاه التجمعات التي تناقش مسائل الحريات الفردية والجماعية في المملكة.
وذكرت منظمة العفو الدولية إن «العشرات من الناشطين الذين ينتمون إلى حركة 20 فيفري في المغرب تعرضوا للاعتقال بسبب التعبير السلمي عن آرائهم، وتعرض بعضهم للتعذيب وسوء المعاملة في الحجز»، ناقلة عن مصادر حقوقية، بأن عمليات قمع الدولة لاحتجاجات الحركة في المغرب تزايدت، وأن السلطات تتهم بصورة روتينية ناشطي الحركة بجرائم مثل الشتائم وممارسة العنف ضد رجال الشرطة وتهريب المخدرات والمشاركة في مظاهرات غير مُصرح بها.
وصرحت مسؤولة بالمنظمة الدولية، بأن السلطات المغربية تستمر في قمع منتقديها في تجاهل صارخ للدستور الذي تم اعتماده في جويلية 2011، والذي يضمن الحق في حرية التعبير والتظاهر السلمي وتكوين الجمعيات، مضيفة أن الإصلاحات المزعومة التي أطلقتها السلطات المغربية يبدو أنها تهدف إلى التخلص من انتقادات الشركاء الدوليين، لكونها مستمرة في قمع الاحتجاجات وعملت حتى الآن ضد حقوق الناس وليس لحمايتها.
الأحداث وصلت أروقة الأمم المتحدة حيث صرح المتحدث باسم بان كي مون، ستيفان دوجاريك، أن الأمم المتحدة، تراقب عن كثب الوضع السائد في المغرب بعد المظاهرات التي شهدتها عدد من المدن المغربية، و امتنع دوجاريك في لقاء صحفي، عن تشبيه هذا الحادث المأساوي بحادث مقتل الشاب التونسي محمد بوعزيزي سنة 2010، موضحا بأن زيارة الأمين العام بان كي مون للمغرب ستتمحور حول نشاطات قمة المناخ «كوب 22»، مضيفا أن الأمم المتحدة ستعلن لاحقا عن إجراء لقاءات ثنائية بين بان كي مون و مسؤولين مغاربة على هامش هذا الحدث العالمي.
ويؤكد متتبعون للوضع في المغرب، أن حادثة مقتل بائع السمك في الحسيمة، كانت «القطرة التي أفاضت الكأس»، ويؤكدون بان الاحتقان الشعبي في المملكة بلغ حده الأقصى بسبب الحقرة والتهميش واتساع رقعة الفقر خاصة في المناطق المعزولة، حيث كشفت معطيات البنك الدولي أن العالم القروي ما زال يعاني من نسبة فقر مرتفعة تبلغ 19 في المائة، أي ما يعادل 2.6 مليون مغربي قروي، بالنظر إلى أن سكان العالم القروي يبلغون حوالي 13 مليون نسمة. ونبه البنك إلى أن اعتماد ساكنة العالم القروي على الفلاحة بشكل كامل يزيد من معاناتهم، بالنظر إلى محاصيلهم ومداخيلهم تبقى دائما تحت رحمة التساقطات المطرية التي شحت في الفترة الأخيرة.
أنيس نواري