بومسعوذ.. قرية تتصالح مع البيئة في قلب جبال منطقة القبائل
تعتبر قرية بومسعوذ بتيزي وزو التي تلونت بشتى صور الجمال و النظافة التي أهلتها لتفوز مؤخرا بجائزة أنظف قرية في طبعتها الرابعة، مثالا مشرفا لحماية البيئة و التضامن بين سكانها الذين يساهمون كبارهم وصغارهم في إبراز الوجه الجمالي لهذه القرية التي تقع في الجهة الشرقية الشمالية لعاصمة جرجرة، على علو يزيد عن 995 مترا عن سطح البحر، تبعد عن تيزي وزو بنحو 80 كلم، تضم مناظر طبيعية خلابة، رسمت أجمل اللوحات الفنية و أبهرت زوارها فتغزلوا بجمالها.
إنها تعانق بسحرها زرقة السماء و جمال المحيط فوق سفح جبال بلدية إمسوحال بدائرة إيفرحونان التي تتميز بهوائها النقي، وعلى امتداد الطريق الجبلية الملتوية المؤدية إليها، انطلاقا من منطقة عين الحمام، يلاحظ الزائر كثافة الغطاء النباتي وتنوعه، بين أشجار البلوط والرمان والصنوبر والزيتون والتين وغيرها... إضافة إلى النباتات البرية ، وقد تحصلت مؤخرا هذه القرية الصغيرة المقدر عدد سكانها بنحو 800 نسمة، و يعيش معظمهم خارج القرية، على غلاف مالي بقيمة 8 ملايين دج من طرف المجلس الشعبي الولائي الجهة المُنظمة للمسابقة التي تحمل اسم رابح عيسات، نسبة إلى مؤسسها الذي اغتيل بتاريخ 12 أكتوبر 2006 في عين الزاوية بذراع الميزان ، كما حظيت بمكافأة خاصة ب 10 ملايين دينار من طرف وزير الموارد المائية و البيئة السيد عبد القادر والي، موجهة لتجسيد بعض المشاريع الخاصة بالمنطقة، تشجيعا منه لباقي القرى لكي تنتهج درب بومسعوذ التي تعتبر نموذجا في الحفاظ على البيئة و المحيط و مثالا يقتدى به.
بهذا الخصوص قال رئيس لجنة قرية بومسعوذ علي عبدات للنصر: « فكرة المشاركة في مسابقة «رابح عيسات» لم تأت من عدم، فالنظافة هي عنوان القرية منذ سنوات، كما أنها تحوز على جميع الشروط التي تؤهلها للمشاركة و الفوز باللقب، حيث تضم الأماكن العمومية والمساحات الخضراء ومنابع المياه «ثليوة» وأماكن العبادة و «ثجماعث»، أو مجلس القرية و مقبرة تضم رفات 26 شهيدا، فضلا عن الأزقة المهيأة، فلا أثر للأوساخ أو المفارغ العشوائية التي تشوه المنظر الجمالي للمنطقة، وهو ما شجعنا على خوض المنافسة التي شاركت فيها 73 قرية».
و أضاف المتحدث أن السكان لا ينتظرون مناسبة أو أي مقابل مادي، لرفع القمامة من قريتهم، كما يضحون بعطلة نهاية الأسبوع من أجل المشاركة في الحملات التطوعية كل يوم جمعة،وهو تقليد دأبوا عليه منذ القدم.
نظام «ثاجماعث» ساهم في نشر ثقافة النظافة
و أكد رئيس لجنة قرية بومسعوذ، بأن تضامن كل أبناء القرية في ما بينهم، أعطى ثماره وساهم في إخراج القرية من عزلتها لتعتلي عرش النظافة، لافتا إلى أن بومسعود يسيرها قانون «ثاجماعث» الداخلي و لا يحق لأحد التطاول عليه ، ولديه مكانة مهمة و يؤدي دور مجلس الشورى، حيث يعقد السكان اجتماعاتهم لحل المشاكل و العمل من أجل ترقية المصالح الحيوية للقرية، وبفضل هذا القانون الداخلي وتضامن الأهالي تمكن السكان من رفع الصعاب وتجاوز الأوقات العصيبة و الحفاظ على نظافة القرية.
وأضاف محدثنا: «بمجرد الإعلان عن المشاركة في مسابقة «عيسات رابح»، تجند الجميع رجالا و نساءا، دون استثناء، و باشروا بعض الأعمال الصغيرة التي تنقص في القرية و هي بمثابة روتوشات ، وقال أن كل شخص بلغ 18 سنة فما فوق، يساهم في أشغال التهيئة، فحتى النساء شاركن في المهمة وقمن بغرس الأزهار والورود داخل أحواض مخصصة لذلك، و في إطارات العجلات التي قاموا بطلائها بمختلف الألوان الزاهية على طول الطريق المؤدية إلى القرية وفي الساحات العمومية وبالمساحات الخضراء، مما يخلق فضاء جميلا للزوار، كما قاموا بتزيين ينابيع المياه وتجميلها، خاصة تلك التي تضم ساحات، ليشكلوا فسيفساء ساحرة تتخللها أشكال هندسية منمقة، وهو ما زاد من أناقة المنطقة.
السكان قاموا أيضا بتزيين الطرقات بالحجارة التي جلبوها من الوادي، فضلا عن الرسومات التي أضفت على جدران القرية لمسة خاصة، و تجسد عدة شخصيات ثورية وثقافية وفنية، مثل عملاق الأغنية القبائلية الراحل شريف خدام الذي وافته المنية يوم 23 جانفي 2012 ، إضافة إلى معطوب لوناس و إيدير و لونيس آيت منقلات و الطاهر جاووت وغيرهم، وكتب أعلى البوابة الكبيرة للقرية «مرحبا بكم في بومسعوذ».
من أجل ضمان التتويج، بين السيد عبدات بأن شباب القرية زاروا معظم القرى التي شاركت في المسابقة، لمقارنة نسبة النظافة والتهيئة بها وبين قريتهم، وضاعفوا جهودهم حتى تكون بومسعوذ من أجمل القرى.
نساء يساهمن في فرز النفايات
ساهمت النساء في عملية فرز النفايات المنزلية، بفضل مهندسة في البيئة من المنطقة، كلفت بمهمة تحسيسهن بالطريقة المثلى التي يجب إتباعها، انطلاقا من المنازل، حيث يقمن يوميا بوضع بقايا البلاستيك والزجاج والمعادن وغيرها من النفايات المنزلية، في حاويات خاصة بكل مادة، حتى لا تتحول القرية إلى مفارغ فوضوية، وذكر أحد السكان أن مثل هذه الفكرة بسيطة وغير مكلفة و ذات فاعلية.
من جهتهم أكد عدد من شباب بومسعوذ، أنهم لا يدخرون أي جهد من أجل فائدة قريتهم ويشمرون عن سواعدهم، دون انتظار أوامر من أحد، لأنهم يدركون جيدا مدى أهمية النظافة بالنسبة لقريتهم الصغيرة وتأثيرها على جمال المنطقة.
و أشار أحدهم إلى أنهم يخدمون قريتهم بجدية دون شح، في جو عائلي يتم من خلاله تكريس بعض العادات الموروثة عن الأسلاف لترتقي إلى مستوى متميز.
سامية إخليف