السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق لـ 21 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

وكلاء يلهبون الأسعار والغش يحكم المهنة


هاجس تصليح سيارة بين أخطاء المكانيكيين وقطع الغيار المقلدة
تحولت مهمة تصليح أبسط عطب بالسيارة إلى هاجس لدى أغلب الجزائريين، بعد أن أصبحوا يخشون من الغش و قطع الغيار المقلدة و عدم الإتقان و كذا أخطاء تقنيي التصليح، فبين الميكانيكيين الخواص و خدمات ما بعد البيع بالوكالات و تكاليفها الباهظة، و بين استبدال أجزاء المحرك بما هو غير أصلي أو ترك القديم، احتار مالكو السيارات، و بات من الضروري تدخل الجهات المعنية من أجل وضع ضوابط لتنظيم هذا النشاط الحساس.
مع الارتفاع المتزايد لعدد السيارات وتزايد الحظيرة الوطنية للمركبات من سنة إلى أخرى، ارتفع معدل امتلاك وسائل النقل الخاصة في الجزائر، و باتت كل عائلة جزائرية، تمتلك سيارة واحدة على الأقل، و بالموازاة مع هذا ، ازدادت مهمة العناية بهذه المركبات و صيانتها صعوبة، و أصبحت عملية شاقة و غير مضمونة النتائج، و قد حاولنا من خلال هذا التحقيق تسليط الضوء على واقع مهنة الميكانيك، و كل ما يحيط بها من ايجابيات و سلبيات و كذا عن مستقبل هذه الحرفة في الجزائر.
مصدر قطع الغيار .. علامة استفهام
التقينا ببعض أصحاب السيارات و الذين كان لأغلبهم تجارب سابقة في التعامل مع الميكانيكيين و خدمات ما بعد البيع بالوكالات، و كان لكل واحد منهم حادثة مختلفة تتقاطع جميعها  في أن ما يتعطل بالسيارة لا يعود كما كان سابقا، حتى و لو تم إصلاحه أو تغييره و مهما كانت التكلفة مرتفعة.
فقد أكد طارق الذي يملك سيارة صغيرة تجاوز عمرها خمس سنوات، أنها تعرضت قبل أشهر و لأول مرة لعطب على مستوى المبرد، و من دون أي تردد قصد الوكالة التي تمثل نفس علامة السيارة، و بعد إخضاعها لكشف بسيط من قبل أحد ميكانيكيي الوكالة، أخبره بأن المبرد يجب أن يستبدل تماما، لكنه لم يقتنع بسعر هذه القطعة الذي يبلغ 18 ألف دج أما تكلفة تغييرها فتبلغ 5 آلاف دينار، أي أن المبلغ الإجمالي يساوي 23 ألف دج، و قد تلقى تطمينات بأن قطعة الغيار أصلية، و لذلك سعرها مرتفع نوعا ما، ليتجه بعدها إلى أحد أكبر بائعي قطع الغيار بقسنطينة، و تفاجأ بالفارق في السعر مع الوكالة، حيث أن سعرها لدى البائع 6 آلاف دج فقط، مع التأكيد أيضا من قبل هذا الأخير، على أن القطعة أصلية و غير مقلدة، و هنا يقول محدثنا بأنه احتار و قرر التوجه إلى ميكانيكي، و بعد أن قام بفحص السيارة أخبره بأن المبرد في حاجة فقط إلى صيانة بسيطة، و من الأفضل عدم تغييره، لأنه لا يزال صالحا للاستعمال لفترة طويلة، و هو ما وافق عليه صاحب السيارة، الذي أكد بأن هذه العملية لم تكلفه سوى 1800 دج، و عادت المركبة إلى طبيعتها بعد ذلك، دون أن تتعرض إلى عطب جديد منذ أشهر، على حد تأكيده.
أما محمد فيؤكد أنه اشترى سيارة جديدة من إحدى الوكالات بقسنطينة، و بعد أشهر قليلة تعرضت إلى عطب بالمحرك، و هي لا تزال تحت الضمان، غير أنه تفاجأ بعد أن عرضها للتصليح بالوكالة، بأنه مطالب بدفع ثمن القطعة التي تم تغييرها، فيما أكد رمزي الذي تعرض لموقف مماثل أنه اضطر مرغما لشراء قطعة غيار من أحد المحلات من أجل تركيبها بسيارته لدى الوكالة، بعد أن امتنعت هذه الأخيرة عن إصلاح السيارة بحجة أن قطع الغيار غير متوفرة، حيث أجمع كل محدثينا تقريبا، أن شهادة الضمان التي تقدمها الوكالات مجرد حبر على ورق.
و قد كشف لنا أحد بائعي قطع الغيار المتمرسين، أنه لا أثر لقطع غيار أصلية في السوق، فالقطع الأصلية حسب تأكيده هي الموجودة بالسيارة في حد ذاتها عند خروجها من المصنع، أما ما يباع في السوق أو ما تعرضه الوكالات، فهي قطع غير أصلية، تستورد من دول مثل الصين و تركيا و الهند و حتى بعض الدول الأوروبية كفرنسا و ايطاليا، و تختلف درجة جودتها، بناء على السعر الذي تباع به، فكلما زاد سعرها زادت جودتها، لكنها تبقى الخيار الوحيد أمام أصحاب السيارات، على حد تأكيده، مشيرا في نفس الوقت إلى أن أغلب وكالات بيع السيارات يعدون زبائن أوفياء لديه، في إشارة إلى أن القطع التي يركبونها يقتنونها من السوق.

التقنيات الحديثة تضع أصحاب السيارات في حيرة
من جهة أخرى فقد أكد بعض أصحاب السيارات الذين تحدثنا إليهم، أنهم تعرضوا إلى الخداع و الابتزاز من قبل ميكانيكيين، سواء بسبب نقص خبرة هؤلاء، أو بسبب الجشع، حيث أن الكثير من أصحاب محلات التصليح، و رغم جهلهم بطبيعة العطب الموجود بالمركبة، غير أنهم يطمئنون صاحب السيارة بأنه بالإمكان تصليحها، فيلحقون بها أضرار جديدة، أو يقومون بتغيير قطع سليمة و لا ضرورة لاستبدالها، و بذلك يكلفون صاحب المركبة خسائر مادية، هو في غنى عنها، في حين يلجأ بعض المصلحين إلى تغيير قطع غيار أصلية بأخرى أقل جودة، مستغلين جهل الزبائن بالنوعيات، و ذلك من أجل إعادة استعمالها في سيارات أخرى.
و خشية التعرض للغش أو أن يكون الميكانيكي غير متمكن، يلجأ الكثير من أصحاب السيارات إلى معارفهم، حتى و لو كان الميكانيكي المقصود لا يملك محلا و يشتغل في الشارع، و هو حال حكيم، الذي يمارس هذه المهنة منذ أكثر من 35 سنة، حيث يتخذ من إحدى الممرات بين عمارات بحي بوالصوف مكانا لعمله، و دائما ما تجده منشغلا في إصلاح سيارتين أو أكثر، حيث أن الطلب عليه كبير جدا، و يقول حكيم بأن إتقانه لهذا العمل و تلبيته لطلبات الزبائن مهما كان الوقت أو الظرف، جعل الجميع يثق فيه، رغم أنه لا يملك الكثير من العتاد و يعمل بوسائل بسيطة.
فيما يقصد آخرون محلات التصليح التي تتوفر على أجهزة متطورة لكشف العطل الميكانيكي، حيث أن أجهزة السكانير، أصبحت تتيح الكشف عن نوع العطب و قطعة الغيار المتضررة،  لكن قلة من  المحلات تتوفر على مثل هذه الأجهزة، و ذلك بالنظر إلى السعر المرتفع لهذا الجهاز و عدم توفر البرامج المعلوماتية التي يتم تشغيله من خلالها، في حين أن جيل السيارات التي يمكن الكشف عنها، بدأ تصنيعها انطلاقا من سنة 2008، و تتوفر على ما يسمى بعلب الذاكرة، إذ أن قلة من الميكانيكيين لديهم تكوين في معالجة أعطاب هذا النوع من السيارات.
عزوف الشباب يهدد مستقبل الميكانيك في الجزائر
قصدنا أحد أشهر محلات التصليح و هو محل محمود، الذي يمارس مهنة تصليح السيارات بمرآبه الخاص الواقع أسفل منزله بحي المحاربين القريب من وسط مدينة قسنطينة، حيث بدأ مهنة الميكانيك منذ نعومة أظفاره، فقد كان في 15 من عمره، عندما ترك الدراسة و بدأ يتعلم أصول هذه الحرفة رفقة والده عمي رشيد، الذي يعد أحد أقدم الميكانيكيين بقسنطينة، حيث مارسها منذ العهد الاستعماري، بعد أن تعلم أسرارها على يد أحد المستوطنين، ليرث بعد الاستقلال المرآب الذي لا يزال أبناءه يستغلونه إلى حد هذا اليوم.
محمود الذي يمارس المهنة منذ 31 سنة رغم أن عمره لا يتجاوز 46 سنة، أكد بأن الميكانيك شهد تطورا كبيرا منذ أن بدأ العمل فيه، و هو لا يزال يتعلم الكثير في هذه المهنة، رغم السنوات الطويلة و الشاقة من التعلم و الخبرة التي اكتسبها في هذا المجال، و ذلك بسبب التطور المتواصل الذي يشهده عالم السيارات، فقد أكد أن أجيالا من السيارات مرت عليه، و يرى محمود أن المهنة لم تتغير لأن طريقة عمل المحركات تبقى نفسها منذ اختراع السيارة، غير أن التكنولوجيا أدخلت عليها الكثير من التقنية و الحداثة، و بات من الواجب مواكبة التطور الحاصل في المجال، من خلال الاستعانة بالانترنت من أجل الإلمام بكل ما يحدث في عالم السيارات.
و عن واقع المهنة، يقول بأن الكثير من الدخلاء و من ليس لهم تكوين أو كفاءة أصبحوا يمارسونها، مشيرا إلى أن العدد الفعلي للأشخاص الذين يملكون كفاءة حقيقية في تناقص مستمر، خاصة بعد بروز ما أسماه بمدة خدمة ما بعد البيع بالوكالات، موضحا بأن أصحاب السيارات يلجئون إليها فقط من أجل مدة الضمان، و بعد نهاية هذه المدة التي تقدر في غالبية الحالات بعامين، يبحثون عن مصلحين جدد خارج الوكالات، التي لا توظف ميكانيكيين ذوي خبرة حسب تأكيده، لأن الميكانيكي المتمرس يحتاج لأكثر من 10 سنوات خبرة حتى يكون ملما بجميع نواحي المهنة أما ميكانيكيي الوكالات فمعظمهم شباب و ليس لديهم الخبرة الكافية حتى و لو كانوا تلقوا تكوينا في الخارج، مؤكدا بأنه عرضت عليه عدة وكالات العمل معها غير أنه رفض، مؤكدا بأن ميكانيكا خبيرا سيطلب أجرة جد مرتفعة لدى الوكلاء و هو ما لا تمنحه هذه الأخيرة.
أما بخصوص الأموال التي يجنيها الميكانيكي الذي يعمل في محله الخاص، فقد لا تقارن مع المجهود و الوقت الذي يقضيه في إصلاح سيارة واحدة حسب ما يؤكده لنا محمود، الذي أوضح بأن ما يقال  عن أن الميكانيكيين يجنون أموالا كبيرة، كلام غير منطقي و لا أساس له من الصحة، مقدما مثالا حول إحدى السيارات التي كان يعمل عليها، حيث قال بأنه اضطر إلى تفكيك كامل المحرك تقريبا من أجل تغيير قطعة صغيرة لا يتجاوز ثمنها ألف دينار، غير أن الوقت الذي استغرقته عملية التصليح، بلغ أكثر من 10 ساعات، أما ما سيطلبه من صاحبها مقابل تصليحها فهو 4 آلاف دينار فقط، جزء منه لمساعده و جزء أخر يقتطع في تكاليف الكهرباء و الضرائب و غيرها.
محمود أكد في حديثه لنا، أنه يتوقع أن تختفي المهنة تقريبا بعد سنوات قليلة، و ذلك بسبب عزوف الشباب عن تعلمها، مؤكدا بأن العديد من خريجي مراكز التكوين، و بمجرد حصولهم على شهادة التخرج، يتجهون إلى مجالات أخرى، أو يتوقفون عن العمل في الميكانيك بعد أشهر قليلة من أول تجربة، و هو ما عايشه مع العديد من الشباب الذين عملوا معه سابقا، مؤكدا بأنه في حاجة إلى عاملين إضافيين في الوقت الحالي، غير أنه لم يستطع إيجاد أي شخص يشغله .
عبد الرزاق.م

جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com