بوتفليقة: الجزائر فقدت برحيل الفرقاني هرما شامخا من أهرامها الفنية و الثقافية
خيم خلال اليومين الماضيين، جو من الحزن على مدينة قسنطينة، بعد رحيل شيخ المالوف وعميد موسيقاها الأندلسية، الذي ارتبط اسمه بذاكرتها بشكل وثيق، الحاج محمد الطاهر فرقاني، كروان الصخرة، كما يفضل الكثيرون تسميته، ولكن الحزن الأكبر نزل ضيفا ثقيلا على البيت العائلي للراحل، الذي تجمع حوله المئات من المواطنين والأقارب والفنانين وجميع من عرفوا الفقيد أو حتى من لم يعرفوه من قبل.
• روبورتاج: سامي حباطي
وصلنا صبيحة أمس، إلى منزل فقيد موسيقى المالوف، الواقع بحي سيدي مبروك الأعلى بالمكان المعروف باسم “البوسيجور” قبل وصول موكب الجنازة الرسمي من مطار محمد بوضياف بقسنطينة. وقد لاحظنا في طريقنا إلى الحي العشرات من عمال النظافة يقومون بجمع القمامة وتهيئة الطريق، فضلا عن عدد من أعوان الأمن الذين نظموا حركة المرور، خصوصا بالمسار الذي كان من المقرر أن يسلكه الموكب، على امتداد مختلف الشوارع. وفي الطريق كنا نسمع أحاديث عن الفقيد، الذي يفضل القسنطينيون تسميته بـ”الحاج”، حتى أننا وجدنا شيخين يستمعان لأغنية “البوغي” بصوت الراحل.
الرحلة الأخيرة إلى البيت العائلي
وتجمع بمحاذاة منزل فقيد الساحة الفنية الجزائرية، عدد كبير من الفنانين ومن محبي المالوف، بالإضافة إلى العشرات من النسوة والرجال من الأقارب والجيران والأصدقاء، وقد كان بين الحضور شخصيات سياسية من المدينة وأساتذة جامعيون وصحفيون، حيث بدت على وجوه الجميع علامات الحزن. أما أبناء الفقيد فقد توجهوا جميعا إلى المطار لاستقبال الجثمان، في حين ظل بعض أفراد العائلة الكبيرة في المنزل، الذي امتلأ عن آخره. وقد تبادل جميع الحاضرين الحديث عن الشيخ وتساءلوا عن سبب وفاته وتاريخها المحدد، منتظرين وصول ابنه سليم الذي جاء رفقة الجثمان من باريس إلى قسنطينة.
بعد حوالي نصف ساعة، تناهى إلى أسماع أفراد الأسرة خبر اقتراب وصول موكب الجنازة، حيث طلبوا من الوافدين إفساح المجال للسماح لعناصر الحماية المدنية بإدخال الجثمان إلى البيت، وبمجرد وصوله تجمع المئات حوله، وأُخرج من سيارة الإسعاف، لتتعالى بعدها أصوات النحيب والبكاء من منزل الفقيد، الذي ضجت شرفاته ونوافذه، على غرار باقي منازل الجيران، بأفراد الأسرة الساعين إلى مشاهدة الرحلة الأخيرة للحاج إلى بيته، كما تعالت بعض زغاريد النسوة عند إدخاله البيت والتكبيرات، ليواجه بعد ذلك أفراد العائلة بعض الصعوبة مع عشرات المحبين، الذين حاولوا دخول البيت من أجل توديع الفقيد، رغم استحالة ذلك لكون المكان بالداخل لم يعد يتسع لعدد إضافي من الأشخاص.
وأخبرنا بعض من أفراد أسرته بأن المرحوم كان يتواجد في فرنسا منذ عيد الأضحى تقريبا، بسبب المشاكل الصحية التي حاصرته وأنهكت جسده، خصوصا مشكلة القلب التي يعاني منها منذ مدة، مشيرين إلى أنه عاد إلى قسنطينة لبضعة أيام، وغادرها مجددا إلى مستشفى بباريس لتلقي العلاج، بسبب التهاب أصاب ساقه نتيجة لمرض السكري، ليدخل بعدها في حالة غيبوبة ويتوفى هناك، كما أشار أحد أبنائه إلى أن الفقيد أبدى رغبته في العودة إلى منزله، خصوصا وأن أفراد الأسرة اشتاقوا إليه أيضا، في حين قال صهره بأنه كان متعبا خلال الأيام الأخيرة من حياته.
وكان في الموكب سليم فرقاني، الابن الأكبر للمرحوم، ومعه باقي أشقائه، حيث بدوا في حالة حزن شديد وتجاوبوا مع الوضع بالبكاء، كما لم يجد حفيده عدلان فرقاني وباقي الأحفاد، إلا البكاء للتعبير عن عميق الحزن الذي ألم بهم جراء وفاة الجد والوالد، الذي يؤكدون بأنهم كبروا على يديه، فيما كانت الدموع في عيون عدد كبير من الأشخاص الآخرين، الذين لا يجمعهم بالشيخ الفقيد إلا صوته الجميل، وشذرات الماضي الجميلة التي ارتبطت في أذهانهم، بقصائد المالوف والعروبي والحوزي التي أداها محمد الطاهر فرقاني منذ خمسينيات القرن الماضي.
محبو الشيخ يؤكدون بأنه سيظل حيا في قلوبهم
اقترب منتصف النهار، وانطلق الموكب من منزل الشيخ إلى قصر الثقافة مالك حداد لعرض الجثمان على المواطنين من أجل إلقاء النظرة الأخيرة عليه. سرنا خلفهم بمركبتنا، وعند وصولنا وجدنا العشرات في الانتظار بقصر الثقافة، وقد لاحظنا بين الوجوه رؤساء جامعات قسنطينة، وممثلين ورسامين، والعديد من الشخصيات، بالإضافة إلى فنانين مغتربين، وحتى بعض الفنانين المعروفين وجدوا صعوبة في الوصول إلى الجثمان من أجل إلقاء النظرة الأخيرة بسبب تجمع المئات من محبي الفقيد حوله، لدرجة أن بعض أصدقاء الأسرة طلبوا من الحضور مراعاة وضع ابنه الأكبر سليم المتعب جدا. كما لاحظنا إحدى السيدات تخترق الجموع حول الجثمان وهي تردد بصوت عال والدموع في عينيها “دعوني أودع الحاج”.
وأبدى العديد ممن حضروا الجنازة وتقدموا لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد بقصر الثقافة مالك حداد حزنهم، في حين قال آخرون بأنهم لا يصدقون أن أسطورة المالوف رحل عنهم، وقال أحدهم “حتى الغيوم تجمعت في السماء لتبكي رحيلك اليوم يا الحاج”، وقد أخبرنا بأنه تربى على الاستماع لموسيقى الشيخ محمد الطاهر فرقاني، موضحا بأنه إلى الآن لا يستمع إلا له. وقد أضاف محدثنا بأن الشيخ سيظل حيا في نفوس محبيه وفي كل زاوية من المدينة لأنه ترك خلفه المئات من التسجيلات والذكريات، من خلال مختلف الحفلات الأسرية والرسمية التي شارك فيها. كما أن كل زاوية في المدينة تحمل، حسبه، جزءا من الرصيد الفني الذي سعى الحاج إلى تخليده فيها، لأن الأمر لا يتعلق بمجرد مؤد للمالوف، وإنما بعملاق ساهم في بناء ثقافة المدينة بشكلها الحالي.
ولم يصدق الكثير من سكان المدينة خبر وفاة شيخ موسيقى المالوف، البالغ من العمر 88 سنة، عندما انتشر لأول مرة على صفحات مواقع التواصل إلى غاية تأكيد أبنائه على صفحاتهم الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعدها التأكيد الرسمي للخبر، حيث نزل الخبر عليهم كالصاعقة، ووضع بعضهم صورا سوداء تعبيرا عن الحداد، في حين غير آخرون صورة البروفايل الخاص بهم، ووضعوا عوضا عنها صورة الراحل محمد الطاهر فرقاني، عائدين إلى ذكراه من خلال نشر أغان ومقاطع من الحفلات المنتشرة في الفضاء الالكتروني. وقد بدأ المواطنون بالتوافد على منزل العائلة من اليوم الأول، ولكن ليس بأعداد كبيرة مثل يوم أمس.
ونشرت الفنانة ليلى العبدلي على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، شريط فيديو للشيخ المرحوم محمد الطاهر الفرقاني وهو بالمستشفى وإلى جانبه ابنه مراد، أين كان يُطمئن محبيه وقال فيه “إن صحتي بخير”، قبل أن يبتسم قائلا “لقد تشجعت ولم أتوقف عن قراءة آية الكرسي وأنا على مشارف إجراء ثلاث عمليات جراحية. مكثت بالمستشفى لحوالي ثلاثة أشهر”، وقد بدا فيه متفائلا، مؤكدا بأن العديد من الجزائريين جاؤوا لزيارته وبالأخص أبناؤه وعدد من الأصدقاء والفنانين. وقد شارك في غناء بالله يا حمامي مع ابنه مراد والفنانة في الفيديو، ليكون ربما آخر إطلالة علنية للمرحوم على جمهور المحبين.
س/ح
عدلان فرقاني حفيد الفنان الراحل
في آخر مكالمة أخبرني بأنه اشتاق إلي
قال عدلان فرقاني، حفيد الفنان المرحوم محمد الطاهر فرقاني، إن جده واحد من أعمدة الفن التي فقدتها الجزائر، وهي خسارة للجزائر والوطن العربي، “وهو والدنا. نحن متأثرون جدا بمغادرته”، كما عبر عن الحادثة الأليمة لفقدان الجد على صفحته بالفيسبوك ببيت من القصائد التي تؤدى في الموسيقى القسنطينية، “كم القلب مانيش ناسيك نتفكرك في منامي. حبك عشقك داعيك هيجت علي غرامي"، وقد أخبرنا عدلان الذي يفضل أن يدعو جده المرحوم باسم “بابا عزيزي” بأنه عبر له منذ أربعة أيام عن مدى اشتياقه له في مكالمة هاتفية جمعته به، وقال بأنه سيظل يدعو له بالرحمة دائما.
وقد تفاعل الفنان الشاب، الذي نجح في الأطوار الأولية من مسابقة آراب أيدول، في أول يوم من وفاة جده عميد أغنية المالوف والموسيقى القسنطينية، بأن قال “إنه فقد مثاله الأعلى وجده العزيز”، كما أكد لنا بأنه لا يزال في حالة من الذهول، ليصمت ويواصل التعبير عن حزنه بالدموع، وتكرار الدعاء لفقيد الساحة الفنية الجزائرية.
س/ح
رشيد فرقاني أحد أبناء الراحل
والدي أبدى رغبته في العودة إلى أرض الوطن قبل وفاته
صرح رشيد فرقاني ابن المرحوم محمد الطاهر فرقاني أمس للنصر أن عميد أغنية المالوف كان يريد العودة إلى أرض الوطن قبل وفاته بأيام، كما عاد إلى التفاصيل الأخيرة لحياة والده، وعن المشاعر التي سادت عند إعلامهم بالوفاة.
وذكر رشيد فرقاني أنه كان في اتصال مع والده قبل أربعة أيام من فاجعة الوفاة، حيث أبدى الحاج رغبته في العودة إلى أرض الوطن، مضيفا أنه أخبره باشتياقه للوطن وعدم قدرته على المكوث مدة أطول بالمستشفى خارج البلاد، وهي الكلمات التي لمس فيها نوعا من الحرقة وحنينه للجزائر ومدينة قسنطينة بالخصوص، كما أوضح رشيد أن والده أكد له بأن المرض أرهقه ولم يعد يستطع الصبر على فراق الأهل أكثر، غير أن تواجد الابن الأكبر الفنان سليم وأفراد من العائلة رفقة الحاج هوّن عليه الأمر قليلا.
وتابع رشيد حديثه أنه بعد يومين جدد الاتصال بوالده، وقد سعد كثيرا لتحسن حالته الصحية، وهو نفس الكلام الذي نقله له شقيقه سليم، والذي أوضح أن الحالة الصحية للحاج أفضل بكثير من السابق وأن الأطباء أكدوا لهم أنهم جد متفائلين بتماثله للشفاء، إلا أن الأمر لم يدم طويلا، حيث أكد أنه يوم الأربعاء مساء وحال دخول والده للعناية المشددة تلقى مكالمة من شقيقه يخبره فيها بخطورة وضعه الصحي، وهو الخبر الذي انتشر بكامل ولاية قسنطينة، مضيفا، أن الأنباء وقتها كانت تشير إلى عدم إمكانية استمرار جسد الحاج في المقاومة أمام تطور المرض والتعقيدات الكبيرة التي واجهها الأطباء، قبل أن يتم الإعلان عن خبر الوفاة ليلة الأربعاء إلى الخميس الماضيين.
ع/ب
تقدّمها الوزير الأول و وزير الثقافة
جنــــازة شعبية و رسمية حاشدة لعميد المالوف
شيّع القسنطينيون، ظهيرة أمس الجمعة، فقيد أغنية المالوف الحاج محمد الطاهر الفرقاني، إلى مثواه الأخير بالمقبرة المركزية بوسط المدينة ، كما احتشدت العشرات من العائلات بقصر الثقافة مالك حداد لإلقاء النظرة الأخيرة على الجثمان، في جو من الحزن والأسى.
ولم تستوعب المقبرة المركزية بقسنطينة، أمس الجمعة، جموع المواطنين الذين حضروا لتوديع أيقونة أغنية المالوف الحاج محمد الطاهر الفرقاني، حيث ظل العشرات خارج أسوارها بعد أن غص الداخل بالحشود التي وقفت تنتظر وصول الجثمان من مسجد الأمير عبد القادر أين أقيمت عليه صلاة الجنازة، وذلك بحضور وفد رسمي هام يتقدمه الوزير الأول عبد المالك سلال، إلى جانب وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، إلى جانب السلطات المحلية و رؤساء أحزاب وعدد من كبير من الفنانين والشخصيات الوطنية.
كما أغلقت جميع الطرقات المؤدية من مسجد الأمير عبد القادر نحو المقبرة المركزية حوالي نصف ساعة من انطلاق مراسيم تشييع الجنازة، في حين فضل العشرات من محبي الشيخ السير على الأقدام على طول المسافة خلف سيارة الإسعاف التي خصصت لحمل الجثمان وصولا إلى المقبرة بوسط المدينة، كما تجمع المئات من المواطنين من كل الفئات على حافتي الطريق لتوديع الحاج، والتحفت قسنطينة «الملاية» السوداء حزنا على رحيل صاحب رائعة البوغي.
وبحضور غير مسبوق بالمقبرة المركزية ومشهد لم تألفه قسنطينة منذ زمن بعيد، وصل الجثمان أين كان في الانتظار حشود من المواطنين، الذين تدافعوا من أجل بلوغ مكان الدفن بالجهة العلوية للمقبرة المركزية وغير بعيد عن أسوار مسجد الصمد، والاستماع إلى الكلمة التأبينية التي ألقاها وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، والتي ذكّر فيها بالرصيد الفني الكبير الذي تركه الفنان، والكم الضخم من الأغاني الطربية الجميلة، معتبرا إياه بـ «الهرم الشامخ» وواحدا من رموز الثقافة في البلاد، ومؤسسا للفن التراثي الأصيل، وذلك بعد قضائه أزيد من سبعين عاما في تأسيس مدرسة المالوف، بل و قال أنه أحد جسور قسنطينة لارتباطه بين جيل قديم وآخر جديد.
كما عاد وزير الثقافة إلى لقاء سابق جمعه بالراحل في إحدى زياراته إلى مدينة قسنطينة، قبل أن يتدهور حاله الصحي، وبالتحديد بقصر أحمد باي أين كان لهما حديث أخبره فيه بأنه أكمل كتابة مذكراته وبأنه يحلم برؤيتها تطبع حتى ينفع بها الجيل الجديد من الفنانين الشباب، حيث وعد ميهوبي بالعمل على طبع مذكرات الحاج محمد الطاهر الفرقاني حتى تكون مصدرا للأجيال القادمة، وتحقيقا لآخر أمنيات الشيخ، قبل أن تتفرق جموع المشيعين بعد ذلك.
أما الوزير الأول عبد المالك سلال فقد كان قد عبر عن حزنه الشديد لوفاة الفرقاني، من خلال كلمة على حسابه الخاص بالفايسبوك، قال فيها: «منذ أيام قليلة فقدنا واحدا من أعمدة أغنية الشعبي، المرحوم الشيخ عمر الزاهي، اليوم يرحل عنا لجوار الله تعالى واحد من أكبر أساتذة المالوف؛ الحاج محمد الطاهر الفرقاني، تعازيّ المتجددة لعائلاتهما وأصدقائهما وبحزن عميق أنحني بكل تواضع أمام روحيهما وينتابني ألم كبير لرحيل كبار الفنانين الذين عرفتهم والذين تبكيهم الجزائر، لقد كانوا كبارا بأعمالهم وبتكوينهم لجيل رائع لخلافتهم. الحاج محمد الطاهر فرقاني القريب من عائلتي وجار شبابي، يترك لي ذكريات خالدة، حيث كان يقول لي أنه تربي على خبز الحاج موسى والذي طالما أحبه، رحمهم الله وداعا فنانينا، وداعا يا كبار الأساتذة، رحمكم الله و جعل مثواكم الجنة. إنا لله إنا إليه راجعون.»
وقبل ذلك عرف مطار محمد بوضياف الدولي حركة غير عادية منذ الساعات الأولى لصباح أمس، عندما توافد العشرات من الفنانين وأقارب وأصدقاء الحاج محمد الطاهر الفرقاني على مدخل المطار في انتظار وصول الجثمان قادما على متن طائرة عسكرية من مطار باريس رفقة ابنه الأكبر الفنان سليم وأفراد من العائلة، حيث حطت الطائرة حوالي الساعة العاشرة صباحا، وكان في استقبال جثمان المرحوم جميع أفراد العائلة وكذا الوزير الأول عبد المالك سلال، أين قرئت على روحه فاتحة الكتاب، حيث عرفت هذه اللحظات تأثرا كبيرا من عائلة الحاج وأبنائه والذين لم يتمكنوا من إخفاء الحزن الكبير الذي تملكهم.
وبعد ذلك نقلت الجنازة في موكب رسمي مباشرة نحو منزله بحي "البوسيجور"، أين حظي أيضا باستقبال شعبي كبير، في حين ظل سيدي مبروك الأعلى خاليا من المارة إلا من المتوجهين نحو منزل الشيخ الذي لم يستوعب الأعداد الهائلة للمعزين كما لم تكف أيضا المنازل القريبة التي فتحها أصحابها أيضا، حيث ظلت العشرات من النسوة في الخارج بعدما لم يتمكّن من العثور على مكان للجلوس، وهو نفس المشهد الذي تكرر أيضا على مستوى قصر الثقافة مالك حداد أين تجمعت الحشود لإلقاء النظرة الأخيرة على الفقيد ومواساة عائلته، قبل أن يحوّل نحو مسجد الأمير عبد القادر من أجل أداء صلاتي الجمعة والجنازة، في حين لم تتمكن أعداد من الأسر من الوصول إلى قصر الثقافة في الوقت المناسب كون الجثمان لم يمكث سوى نصف ساعة.
عبد الله بودبابة
مضيفه في آخر أيامه الفنان فوزي عبد النور
واجه الألم بقوة ولم يفقد مرحه حتى وهو في المستشفى
الحاج كان بمثابة والدي، علاقتي به تتعدى الصداقة الفنية أو الإنسانية إلى القرابة و المصاهرة، لطالما عاملني كابن له أحبني و أحببته وقد كان منزلي منزلا له خلال مختلف زياراته إلى فرنسا سواء في إطار العمل أو من أجل العلاج، كان لي امتياز إحياء حفلات عديدة معه، ولقمة تواضعه كان يغتنم فرصة تواجده في فرنسا كل مرة لحضور حفلاتي الخاصة و تشجيعي.
خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من مرضه لم أفارقه ليوم واحد أنا و ابنه سليم الذي كان يتنقل مرارا بين فرنسا و الجزائر ليكون إلى جانب والده، حاولنا أن ندعمه قدر المستطاع و نوفر احتياجاته على اختلافها ، حتى أننا كنا نعد له بعض الأطباق التقليدية القسنطينية التي يطلبها، فعشقه للمدينة لم يتوقف و حبه لتقاليدها كان دائما واضحا في أحاديثه. خلال الأسبوع الأخير، أضعفته الالتهابات المتكررة، رغم أنه قاوم كثيرا خلال العمليات السابقة التي أجريت على قلبه الضعيف، كان يتمتع بالقوة لمواجهة الألم ولم يفقد مرحه وكثيرا ما كان يدندن مقاطع من أشهر قصائده وهو في غرفته بالمستشفى، لذلك فموته شكل صدمة كبيرة بالنسبة لنا، مع ذلك سيحفر ذكراه عميقا في قلوب كل من عرفوه و أحبوا فنه.
الفنان عباس ريغي
مدرسة الفرقاني كونت ثلاثة أجيال فنية متعاقبة
اسم الفرقاني علامة مسجلة يشار إليها كلما تطرق أحدهم في حديثه إلى قسنطينة ، فهو ابن المدينة الذي نذر لها 60 سنة من عمره قضاها كلها في خدمة المالوف و ترقيته، فصنع لنفسه اسما ولهذه الموسيقى جمهورا واسعا، الحاج محمد الطاهر الفرقاني رحمه الله كان مدرسة تتلمذ على يده فنانون من ثلاثة أجيال، آخرها جيل شاب أعتبر أنا واحدا من بين أسمائه.
بالنسبة لي الحاج هو مثال للتواضع و الكرم، لطالما تعامل معنا كشباب بحب و تعلمنا منه كثيرا، خصوصا من حظي منا بفرصة الغناء إلى جانبه في حفلات قسنطينة، التي خدمها، فالمرحوم كان فنانا متكاملا بالإضافة إلى تحكمه في المالوف وأبجدياته و أصوله كان ضليعا في الطرز التقليدي القسنطيني حتى أن القندورة القسنطينية حملت اسمه، لذلك يحق لنا أن نحزن فقد خسرنا رمزا من رموز الثقافة في قسنطينة.
الفنان مبارك دخلة
لا يوجد في عالم المالوف من لم يتعلم منه
أكد ابن مدينة عنابة، الفنان مبارك دخلة ، بأن الجزائر فقدت واحدا من معالمها، برحيل الحاج محمد الطاهر الفرقاني، مشيرا إلى أنه من الذين كانوا مقربين منه بشكل كبير من الناحية الشخصية والفنية، موضحا بأنه لا يوجد أحد من فناني المالوف لم يتعلم منه ولو نوتة صغيرة، مضيفا بالقول “فقدنا صديقا وحبيبا وشخصية كبيرة وليس في وسعنا إلا أن نطلب له الرحمة والمغفرة”.
الفنان حمدي بناني
فقدنـا مُعـلمـا وسيبــقى حيــــا في القلــــوب
أما شيخ المالوف وابن مدينة عنابة، حمدي بناني، فقد قال “محمد الطاهر فرقاني رحمه الله، صديقي وفي مقام أخي الأكبر، فقد عشنا معا أوقاتا عديدة وسافرنا معا، وصداقتنا تعود إلى أكثر من 55 سنة، ونحن فقدنا معلما على مستوى الجزائر والمغرب العربي والعالم أيضا. ولكنه سيبقى دائما حيا في قلوبنا لأن الفنان لا يموت أبدا، وندعو له بأن يكون في فسيح الجنات لأنه كان كريما ومتواضعا وذا أخلاق طيبة”.
الدكتور عمر محساس
الراحــل كــان يقــول "أممـوا كل شيء المــهم أنني سيد على حنجرتي"
كان الحاج محمد الطاهر الفرقاني قامة فنية شاهقة و إنسانا كريما، تعرفت عليه سنوات الستينات عندما كان يدير محلا لبيع الاسطوانات الفنية بشارع 19 جوان، وقد كنت من المحظوظين الذين رافقوه خلال محطات هامة، إذ سبق لي و أن تواجدت معه ضمن الوفد الذي كان يستقبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال زياراته المتكررة إلى قسنطينة، فالفنان كان يحب الرئيس و يحترمه جدا.
كل من عرف الراحل أحبه دون استثناء بسبب طبعه المرح البسيط، لا أذكر أنني كنت أفوت حفلا من حفلاته، كان يحافظ دائما على نشاطه و خفة روحه، في بداية سبعينيات القرن الماضي أيام التأميمات كان يقول لي قد يؤممون كل شىء إلا هذه الحنجرة “القرجومة” هي ملكي كنزي الذي يغنيني عن كل شىء، أحببته كثيرا وقد حظيت بفرصة التقرب من عائلته و ربطتني بها علاقة طيبة لذا أعتبر نفسي من أبناء قسنطينة المحظوظين، أما وفاته فهي بالنسبة لي خسارة كبيرة للمدينة و للفن الجزائري.
الوزير الأسبق بوجمعة هيشور
كــان رجــلا بشــوشــا و طيــب الأخـــلاق
تفقد الجزائر والعالم الفني والثقافي، بحسب وزير البريد وتكنولوجيات الاتصال الأسبق بوجمعة هيشور، ليس في قسنطينة فحسب بل على المستوى الوطني والعربي والدولي، أحد أهرام الثقافة المتجسدة في التراث المُغنى من موشحات وأزجال و عروبيات وحوزي ومحجوز وكل أنواع الموسيقى التي تغنى بها الفحول ومحمد الطاهر فرقاني واحد من أكبر هؤلاء الفحول، فقد ترك بصماته في ما يسمى بثقافة الشعب.
وقال محدثنا، الذي التقينا به في جنازة الفقيد: “عرفت الحاج محمد الطاهر فرقاني منذ 50 سنة، وهو بشوش جدا، والتقينا مرارا وتكرار في الجزائر وفي عواصم عالمية، وكانت لي فرصة أنني قدت وفدا إلى ضريح الإمام البخاري في سمرقند ومعي فقيدنا محمد الطاهر فرقاني، وتحدثنا فيما يخص تراثنا وتراث آسيا الوسطى وكل البلدان الأخرى التي تعرف موسيقانا، كما رافقته في ألمانيا وروسيا والعديد من الدول الأخرى.
وأضاف بالقول: “نحن اليوم نعيش هذه اللحظات وننحني خشوعا للفقيد، الذي كان واحدا من أيقونات الفنون الجميلة، فقد تغنى بكل أفراحنا، ومحمد الطاهر فرقاني ليست له لا ضغينة ولا حقد. وأنا مرتبط به وبعائلته”.
تلميذاه العربي غزال و رياض خلفة
كان صـــوتا تخــافه فرنـسا و رمزا للهــوية الوطنــية
الحاج محمد الطاهر الفرقاني ليس فقيد قسنطينة فقط بل فقيد الجزائر التي قدم لفنها الكثير، كما علق الفنان العربي غزال تلميذ الشيخ الراحل، مشيرا إلى أن معظم من عرفوا المرحوم من مشايخ المالوف و فنانين عايشوا أيام شبابه، يؤكدون بأن صوته كان رمزا للهوية الوطنية منذ بدأ الغناء خلال أربعينيات القرن الماضي، لذلك كانت فرنسا تخاف فنه الذي لطالما التفت حوله أجيال و أجيال ممن أحبوا اللغة العربية و الانتماء الإسلامي بفضل قصائده و مدائحه الجميلة.
يضيف المتحدث « قبل أشهر خضعت لعملية في القلب، اتصل المرحوم بي و حاول رفع معنوياتي كان يقول لي لا تزال صغيرا على الموت و كنت أرد يبدو أنني سأرحل قبلك، فيحاول أن ينسيني ألمي بالنكت و المجاملات، بعد مرضه كنت اتصل به دائما لأطمئن على حاله فأجده باسما يغني و يدندن حتى وهو على فراش المستشفى».
أما الفنان رياض خالفة فقال عنه بأنه والده الثاني الذي أحبه جدا لتواضعه مشيرا إلى أنه من شدة حبه للناس كان وكيلا له في عرسه و تقدم بنفسه ليخطب له عروسه، ثم عاد مؤخرا و غنى في عقيقة ابنه الأول، معلقا « كان أكرم الناس، يحب الجميع و يتواضع مع الجميع، صديق الفقراء الذي لطالما أحيى حفلاتهم مجانا دون أن يعلم بذلك اقرب الناس إليه.
الفنان الذيب عياشي
الســـاحة الفنـــية يتــيمة اليــوم برحيل والدنا الـحـــاج
يرى شيخ المالوف الذيب العياشي بأن الساحة الفنية الجزائرية والقسنطينية فقدت هرما كبيرا من عظمائها، مشيرا إلى أنه كان صديقا له وأخا، حيث تعود عشرتهما إلى 55 سنة، أين عرفه عياشي في شبابه وسافر معه إلى خارج الوطن، فهو مثل والده على حد تعبيره، والساحة الفنية يتيمة اليوم بدون الشيخ محمد الطاهر فرقاني، الذي ترك فراغا كبيرا في الجزائر والمغرب العربي، فهو كان عبقريا في الموسيقى، كما أن سلوكه كان حميدا وهو في قمة التواضع على حد وصف عياشي. وأضاف محدثنا بأن محمد الطاهر فرقاني ترك أجيالا خلفه، قائلا “أنا وغيري كلنا أبناء الحاج، فهو من طور الموسيقى الأندلسية القسنطينية وزرع حبه في نفوسنا، كما أننا كنا لنفقدها لولا وجوده، وقد أعطاها صيغتها الحالية، بالآلة الموسيقية وصوته الذي لا يعرف المستحيل. رحمه الله ونحن جميعا نتقبل العزاء فيه لأننا كلنا عائلة”، ليضيف بأنه جمعته الكثير من المحطات معه، فهو مكسب للجمهور الجزائري كاملا، وهو مصدر عزة لكل الشعب الجزائري، ومحبوب حتى بدون آلته الموسيقية.
جمعهـا: هدى طـابي وسـامي حبـاطي
مارس الملاكمة وأحب كرة القدم
محمد الطاهر الفرقاني من أغاني عبد الوهاب إلى تطوير مقامات المالوف
فقدت الجزائر يوم الأربعاء الفارط عميد المالوف القسنطيني الحاج محمد الطاهر الفرقاني، صاحب المسار الفني الطويل الممتد عبر أكثر من ستة عقود و المرصع بأجمل النوبات و الأغاني الخالدة التي تشكل جزءا هاما من ذاكرة قسنطينة.
صاحب رائعة «قالوا العرب قالوا» التي رثى من خلالها حاكم قسنطينة صالح باي، ولد في 9 ماي 1928 في كنف أسرة فنية عريقة، فرضع المالوف مع حليب أمه، و ترعرع على أنغامه التي كان يعزفها والده حمو الفرقاني، أو رقاني و هو اللقب الأصلي لعائلته، و يصهرها بكلمات من لآلئ التراث الأندلسي، فتشكل توليفة مالوفية ساحرة ألفها و ألفته و سكنته منذ الصغر، فتعلم قواعدها و أسرارها ، قبل أن يغوص لاحقا في عالم الفن مع سبق الإصرار و العشق .
الفنان حمو الفرقاني و هو من مواليد سنة 1886بقسنطينة كان برصيده 40 أسطوانة مالوفية لدى ميلاد ابنه محمد الطاهر، لكنه كان متمسكا بحرفة عائلته و هي الطرز أو ما يعرف ب»الحرج» ،حتى أن الزي التقليدي المعروف بالقندورة القسنطينية المطرزة بالخيوط الذهبية ارتبط بلقب «الفرقاني»، فقد حرص الوالد على توريثها لأبنائه، و قد قال الحاج محمد الطاهر الفرقاني بهذا الخصوص في حوار أجرته معه النصر و نشر في يوم جوان 2007
«علاقتي بالقندورة قديمة جدا، الطرز التقليدي كان حرفتي الأولى التي بدأت ممارستها و عمري 15عاما، لقد علمني أخي عبد الكريم رحمه الله الطرز بالمجبود المركب على الفضة، و ليس الحرير، و لا زلت أتقن الحرفة لكن سرعان ما خطفني المالوف من الصنعة». و عن دخوله إلى عالم الفن أوضح في نفس الحوار» لم يعلمني أحد هذا الفن، تعلمت بالاعتماد على ذاكرتي و حواسي و أحاسيسي،أول آلة موسيقية بدأت العزف عليها و أنا طفل هي الناي «الجواق»، و من يتحكم في العزف عليه لا يجد أية صعوبة في تعلم العزف على كافة الآلات الموسيقية الأخرى و تأكدت من ذلك بنفسي عندما تعلمت العزف على العود و البيانو و الكمنجة و غيرها...و بالموازاة مع ذلك بدأت موهبتي في الغناء تتفتق و صقلت كل ذلك بـ»أسرار المهنة «التي أطلعني عليها والدي».
و بين أيقونة المالوف من جهة أخرى، بأن أول أغنية مالوفية أداها أمام الجمهور، كان عنوانها «حبيبك لا تنساه ما طال جفاه»، و ذلك في سنة 1951 بمدينة عنابة في إطار مسابقة للشباب، ضمن فعاليات مهرجان للغناء التراثي، ففاز بالجائزة الأولى، مشيرا إلى أنه أدى أيضا في نفس المناسبة أغنية «ماوفاشي»، و سجل الأغنيتين لاحقا بتونس في أول أسطوانة برصيده،لتتوالى الحفلات و التسجيلات و النجاحات.
و اعترف الفنان بأنه كان يؤدي في بداياته أغنيات شرقية لفريد الأطرش و محمد عبد الوهاب كان يحبها كثيرا، مؤكدا في لقائه بالنصر، بأن المزج بين المقامات الشرقية و المقامات المالوفية القسنطينية أعطى لفنه رونقا و حلاوة و تجديدا ، مضيفا: «أنا لم أكتف بتكرار أغاني شيوخ المالوف بنفس طابعهم القديم المتوارث بل طورت المقامات و أضفيت عليها لمسات خاصة مميزة و غير نمطية».
و المؤكد أنه نهل الكثير على يد الشيوخ الذين أحاطوا به و وجهوه على غرار الشيخ حسونة علي خوجة و الشيخ بابا عبيد قارة بغلي و الشيخ ميسوم و الشيخ عبد القادر التومي الذي اعتبر صوته من الأصوات القوية النادرة و الاستثنائية و كان الحاج يناضل خلال الحقبة الاستعمارية بصوته من خلال أداء الأناشيد الوطنية في الحفلات و الأعراس ليثير الحماس و الروح الوطنية في الحضور،
كما كان يقدم المساعدات المادية للمجاهدين.و مالا يعرفه الكثيرون أن فقيد الجزائر تربطه علاقة خاصة جدا بالرياضة، فقد كان يمارس الملاكمة و هو شاب، و يحب كرة القدم و من أنصار مولودية قسنطينة و شباب قسنطينة معا، و أدى أغان رياضية خلال مساره الفني، و من بينها أغنية «الكحلة و البيضا» المهداة لفريق وفاق سطيف في 2007 و أغنية أخرى عنوانها «هيا يا لولاد ارفعوا راية لبلاد» لتشجيع المنتخب الوطني في المونديال في 2010 ، لكنه لم يتمكن من تصويرها على شكل فيديو كليب. جدير بالذكر أن مطرب «البوغي» و «ظالمة»، كان يملك قاربا و يقضي أوقاتا جميلة في ممارسة هواية الصيد كما كان يحب كثيرا السفر، و كان يتمتع بشخصية شعبية متواضعة ويتميز بخفة الدم و روح الدعابة.و كان يحمد الله كثيرا في لقائه بالنصر ،لأنه استطاع التوفيق بين الفن و واجباته العائلية و تعليم المالوف لأجيال من تلاميذه، مضيفا بأن كافة أفراد عائلته يحبون الفن و تعلموه منذ الصغر، و اعتبر ابنه سليم جديرا بعرش المالوف من بعده ليس لأنه ابنه، كما قال، بل لأنه يحفظ عن ظهر قلب كل القصائد التي أداها إلى جانب أغان آخرين، كما افتخر لأنه تمكن من التصدي لريمون و لباقي اليهود الذين أرادوا، على حد تعبيره، اغتصاب المالوف، و قد أكد في حوار آخر أجرته معه النصر في 2015 بأنه يعتبر موسيقى المالوف موسيقى عارفة و عالمة لا يجوز تحريفها أو تحديثها، تنتمي إلى مدرسة واحدة في قسنطينة هي «فن الفرقاني».
رحل الفنان الأسطورة تاركا خلفه مئات التسجيلات الأخرى لنوبات و قصائد المالوف التي خلدها بصوته، و مئات التلاميذ إلى جانب أبنائه و أحفاده الذين يعد ابنه سليم و حفيده عدلان أكثرهم تألقا.
إلهام.ط
رئيس الجمهورية في برقية تعزية إلى عائلة الفقيد
الجزائر فقدت برحيل الفرقاني هرما شامخا من أهرامها الفنية و الثقافية
أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة أن الجزائر فقدت في الفنان الحاج محمد الطاهر الفرقاني، الذي وافته المنية ليلة الأربعاء عن عمر ناهز 88 سنة، «هرما شامخا من أهرامها الفنية والثقافية مشيدا بخصاله الحميدة وغيرته الوطنية وحرصه على التميز والتألق في أداء فنه داخل الوطن وخارجه.
وقال رئيس الجمهورية في رسالة تعزية بعث بها إلى أسرة الفقيد: «لقد عظم في نفسي وقع نبأ رحيل المشمول بعفو الله ورضاه شيخ شيوخ المالوف وقيدومهم، صديقي الودود الحاج محمد الطاهر الفرقاني، الذي لبى داعي ربه بعد حياة طويلة حافلة بالعطاء والإبداع، في شهرنا هذا المبارك الذي نحيي فيه ذكرى مولود نبينا المصطفى صلى عليه وسلم، وإذ أشاطرهم الحزن والأسى في مصابهم ومصاب الجزائر، أسأل الله أن يتغمد فقيدنا بواسع رحمته وغفرانه، وأنا مسلم ومنيب إلى خالقنا بقلب مؤمن بأن لا حيلة في قضاء الله الذي لا راد له».
وإثر هذا المصاب الذي رزئنا به في هذا الهرم الشامخ من أهرامنا الفنية» والثقافية - يضيف الرئيس بوتفليقة - أعرب لكم جميعا، ومن خلالكم إلى كافة أهلكم، وذويكم وإلى أصدقاء الفقيد ورفاقه ومحبيه، وإلى الأسرة الفنية الجزائرية قاطبة عن أحر التعازي وصادق التعاطف، وأسأل الله أن يمن على الفقيد بعفوه ورضوانه ويجزيه الجزاء على ما قدمه من جليل الأعمال لفنه ولوطنه ويسكنه فسيح جنانه وأن يعوضكم عن فقدانه جميل الصبر وحسن العزاء.
واستطرد رئيس الجمهورية قائلا: «إنني لا أحسب الشعب الجزائري إلا مستخضرا مثلي، ما كان الراحل الحاج محمد الطاهر فرقاني، حافظ أمانة أسلافه وخادم ثقافة شعبه، يتمتع في أداء فنه، داخل الوطن وخارجه، وسيرته في حياته. وتابع رئيس الدولة في رسالة التعزية مخاطبا أفراد أسرة الفقيد: «إنني أجيز لنفسي الاعتداد بمكانة فناننا الكبير في قلوب جميع الجزائريين والجزائريات وأجزم أن ذكره سيظل خالدا مخلدا في وجداننا، وسيبقى حيا في ذاكرتنا الوطنية، مدى الدهر من خلال آثاره الفنية الرائعة ومن خلال أعمال ورثة فنه من بين أبنائه وأحفاده وتلامذته البررة الذين سيحفظون المالوف بعده كما تحفظ الودائع النفيسة التي لا يجوز التفريط فيها».
وخلص رئيس الجمهورية إلى القول: «ولما كنت أعلم أن كل شيء هالك إلا وجه المحمود، في السراء والضراء، وأن كلماتي هذه عاجزة عن جبر خاطر الشعب الجزائري الذي بات يفقد أعلام ثقافته الواحد تلو الآخر، وتسليته عما ألم به إثر هذا المصاب الجديد الذي امتحن الله به صبرنا، وابتلى به إيماننا، أثوب إلى العلي القدير وأقر بأن مصيبة الرزء وإن جل خطبها تهون أمام ما أعده تعالى للصابرين من أكرم المنازل وأرقى مراتب القرب لديه إذ قال: «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المتهدون».