أفكار خطيرة تقدم في مسرح الطفل في غفلة من الرقابة
يرى المخرج و المسرحي ربيعة قشي بأن الرقابة تركز عدستها على مسرح الكبار و تغفل مسرح الطفل الذي يبقى عرضة للخطر، مؤكدا بأنه يشهد تجاوزات لا يمكن التهاون بها.
حاورته: مريم بحشاشي
صاحب مسرحية «هاملت»، «المزبلة الفاضلة»، «حرب الدمى»، «ماريلا»، «غرنيكا» تحدث للنصر عن رأيه في المسرح الخاص، قائلا بأنه قادر على المنافسة و إنعاش أب الفنون أكثر من المسرح العمومي، لكنه يعاني تضييقا من نوع خاص من خلال حرمانه من العرض. كما تطرّق لمشكلة الترويج للأعمال الجديدة و نقص التكوين و أمور أخرى تطالعونها في هذا الحوار.
. النصر: بعد مسرحية «المزبلة الفاضلة» خضت تجربة في مسرح الطفل، حدثنا عن ذلك و هل وجدت فرقا بين تجربتك الأولى و الأخيرة؟
- ربيعة قشي: قدمت عملا جديدا مؤخرا يحمل عنوان »عملاق» و هي مسرحية كوميدية جسدناها بإمكانيات متواضعة، و راعينا سن المتابعين و حددناه بين الثامنة و التاسعة، لاحتواء بعض المشاهد على أقنعة قد تثير هلع الأطفال الأقل سنا. كان للعمل صدى كبيرا، و يواصل طاقمه جولته بمختلف مناطق الوطن. أما عن تجربتي في مسرح الطفل، فلا أجدها تختلف عن تجربتي في المسرح المحترف، و إن كان الأول يتطلب جهدا أكبر و دراسة بسيكولوجية و واعية.
دعوة لتشجيع الأطفال على كتابة مسرحياتهم
. هل وصل مسرح الطفل ببلادنا إلى ما حققته الدول الرائدة في مجال أب الفنون؟
- لا يمكن إنكار الجهد المبذول في هذا المجال، فمسرح الطفل شهد و لا يزال يشهد حركية كبيرة، بفضل بعض المبدعين و المتخصصين، لكن هذا لا يعني بأنه لا يمر هو الآخر ببعض المطبات بسبب الكوارث التي تقدم من حين إلى آخر لجمهور البراءة، فثمة أعمال خطيرة و أفكار مسمومة تقدّم للصغار، في ظل غياب الرقابة التي تفضل تركيز عدستها على مسرح الكبار و تغفل مسرح الطفل، فليس كل واحد مؤهل لتقديم مسرح الطفل، لذا لا بد من مراقبة أكبر لهذا المجال الذي يبقى ذا أهمية كبرى في إمتاع الطفولة و الترفيه عنها و إثارة معارفها و وجدانها و حسها الحركي، فمسرح الطفل يبقى من عمل الكبار الذين يؤلفون و يخرجون ما يروق للأطفال، دون استغلال براءتهم، لكنه يبقى فضاء مهما للإبداع الفني و الجمالي و يجب ألا يبقى رهن التقليد و البهرجة غير المجدية، و حبذا لو شجعنا الأطفال على كتابة النصوص من منظورهم الخاص، و مساعدتهم على تجسيد إبداعاتهم التي يكون المجال فيها واسعا للتعبير الحر و التلقائي، دون إغفال المسرح التربوي و العلمي.
. الكثير من المسرحيين يدعون تقديمهم الجديد لفن الخشبة، لكن الواقع يقول العكس، فما رأيك؟
- لو تحدثنا عن الجديد على مستوى الإنتاج، فهناك الكثير من الأعمال التي أضيفت لرصيد المسرح الوطني، لكن من الناحية التقنية، لا أرى إضافة تذكر، ما عدا من الجانب الجمالي، أما الأفكار و التيارات، فنحن لا نزال نسير على ما ورثناه عن الأولين، و أتأسف لما راج مؤخرا من تنظير بخصوص ما بعد الدراما ، أو تصنيف بعض المخرجين لأعمالهم ضمن المسرح التجريدي بمجرّد فشلهم في إقناع الجمهور و عجزهم عن إيصال فكرتهم..أنا شخصيا أحترم كل المذاهب و المدارس و كل من يأتي بالجديد، طالما يخدم فن المسرح و الجمهور و ثقافتنا.
. نفهم من هذا بأن مسارحنا تفتقر للمبدعين؟
- بالعكس عدد المبدعين لا يعد و لا يحصى، لكن الأغلبية لم ينالوا حظهم في البروز، و لم تمنح لهم فرصة لتقديم و تجسيد أفكارهم الجيّدة.
. من خلال تجربتك في الإخراج، ما الذي يحتاجه المسرح لاستعادة جمهوره؟
-الترويج للعروض، فنحن منذ 2003 لم نر عرضا مسرحيا مصوّرا، فكيف للجمهور الاطلاع على جديد المسرح و تشويقه لمتابعة و اكتشاف أجواء الركح عن قرب، دون إشهار و إعلانات محفزة و مغرية، كيف يمكننا العيش بالآمال و التمني، في الوقت الذي يقوم غيرنا في بلدان أخرى بتخصيص الملايين لأجل صناعة النجوم و استغلال أسمائها لجذب الجمهور، في حين لا يزال لدينا ممثلون محترفون مجهولون من قبل الجمهور، رغم براعتهم.
نحن بحاجة إلى الترويج لأعمالنا و صناعة النجوم
. مهرجانات المسرح في تكاثر مستمر ببلادنا، غير أن واقع فنون الخشبة يندى له الجبين، ما رأيك في ذلك؟
- لو قارنا عدد مهرجاناتنا بمهرجانات دول الجوار، لشعرنا بتأخرنا في هذا المجال و مع هذا نبقى متفائلين، لو تم استغلال ذلك جيدا سيّما على مستوى التكوين، فنحن نعاني نقصا فظيعا في عدد مراكز التكوين، فضلا عن افتقار مسارحنا و المشرفين عليها لرؤى مستقبلية، سواء على المدى المتوّسط أو البعيد للمسرح، ناهيك عن غياب التنسيق بين المسرح و دور الثقافة و مديرية التربية و دور الشباب، بالإضافة للواقع المخزي للفنان الذي لا زال يلهث وراء قانون و نقابة لحماية حقوقه، لكن دون جدوى..كل هذه الظروف و العوامل لا تشجع على الإبداع.
. إلى أي مدى نجح المسرح بوضعه الراهن في أن يعكس هموم و آمال المواطن و المجتمع عموما؟
- بعيدا عن السياسة التي رمت بظلالها على كل شيء، ثمة مبدعون لا يزالون على العهد و يتحدون الظروف حفاظا على أب الفنون، و في أوج الأزمة يبرز المبدع الحقيقي الذي لم يستفد من الدعم و لا يحتاج لدعم من أي جهة كانت، لتجسيد أفكاره المبدعة، لقد حان الوقت لفتح المجال للمسرح الخاص، كما أن المسرح ابن بيئته و إن لم يعكس هموم مجتمعه فما جدواه.
. نراك متفائلا بالمسرح الخاص؟
- طبعا أنا مع المسارح الصغيرة الخاصة، و متأكد بأنها قادرة على المنافسة و تحقيق ما عجزت المسارح العمومية في تحقيقه، فالمبدعون الحقيقيون صمدوا في أحلك الظروف و حافظوا على فن الخشبة و مستعدون لترقيته و تقديم تضحيات أكثر لأجل استمراره، لأن همهم الأول الفن و إيمانهم برسالته بعيدا عن الغرض الربحي الذي حوّل الفضاء إلى ساحة تتعارك فيها الكواسر لنيل نصيبها من الريع، و تتمثل مشكلة المسرح الخاص اليوم، في بقائه تحت رحمة من يبرمجون عروضه والذين يعرقلونه .
مشكلتنا الكبرى «انتج و لا تعرض»
. هل فعلا لا يزال المجتمع يجد متنفسا له في المسرح؟
- طبعا، لكن علينا أولا تغيير ما يجب تغييره، بدءا ببعض المسؤولين الذين خلدوا في مناصب دون خدمة المسرح، بل ساهموا في عرقلة المبدعين، و كانوا حجر عثرة أمام الكثير من المشاريع الواعدة، فالمسرح يحتاج لمن يتمتع بفكر تجديدي و طموح، و في زماننا هذا لا تزال هناك مسارح بلا مدراء، في الوقت الذي نجد الساحة مليئة بكفاءات عالية.
. كيف ترى العلاقة بين الحرية و المسرح؟
- الحرية موجودة ، و يمكننا تجسيد أي عمل مهما كانت طبيعة نصه و محوره، غير أن ما يعانيه مسرحنا اليوم هو تضييق من نوع خاص: «انتج و لا تعرض» فهل هناك حرمان أكثر من ذلك؟ لكن مهما كانت الظروف،الاستمرار و الخلود للمبدع و المبدعين.
م/ب