الشعوذة تنتشر بين التلاميذ و الطلاب و الإطارات
حذر أئمة و أساتذة جامعيون و مختصون في علم النفس شاركوا في يوم دراسي بقالمة من المخاطر المتعاظمة لطقوس الشعوذة و السحر المتفشية وسط مجتمع جزائري قالوا بأنه أصبح يعاني من الانهيار النفسي و أمراض الوهم و لم يعد قادرا على الصمود و مواجهة آثار الغزو الفكري القادم مع ثورة تكنولوجية جديدة قلبت سلوكات المواطن الجزائري رأسا على عقب و تسللت إلى كيانه و بدأت تنهش فكره و مقدساته الدينية و مقوماته الروحية و تضرب استقراره النفسي و صحته بشكل مخيف و مثير للقلق.
و قال المتدخلون في اليوم الدراسي الذي نظمه ديوان مؤسسات الشباب «أوداج» بقالمة بأن ظاهرة الشعوذة و السحر و الاعتقاد بهما لم تعد مقتصرة على الأميين و كبار السن بل امتدت أيضا لتطال تلاميذ المتوسطات و الثانويات و طلاب الجامعات و نخب المجتمع من إطارات و موظفين في مختلف القطاعات أصبحوا يؤمنون أيضا بطقوس الرقية و الشعوذة و السحر و يلجؤون إليها كلما ضاقت بهم الحال أو أرادوا تحقيق أهداف لم يبلغوها بالعمل و إمكاناتهم الذاتية.
وحسب مدير ديوان مؤسسات الشباب بقالمة فإن هذه المعتقدات الخاطئة تعرف تطورا غريبا بتطور المجتمع و وسائل الاتصال و انتقلت الظاهرة الاجتماعية الخطيرة من الطلاسم البدائية إلى تطبيقات الهواتف الذكية و القنوات التليفزيونية و الصحف، و أضاف المتحدث «نحن اليوم امام ظاهرة اجتماعية جديدة لها جمهورها المميز من المثقفين و الطلاب، الجميع على يقين بأن هذا تصرف منبوذ و هو من الشيطان، الغربيون أيضا ينبذونه و الكل يتذكر كيف أعدم ستالين مشعوذا قدموه له ليعينه على شؤون الحرب العالمية الثانية فأمر بقتله و لما سألوه قال لهم لو كان يعلم الغيب و يعرف بأنني سأقتله ما أتاني».
وحذر الدكتور فاتح دبيش من جامعة 8 ماي 45 بقالمة من خطورة الوضع على صحة المجتمع و أمنه قائلا بأننا أمام ظاهرة اجتماعية صعبة، مرض جسدي و نفسي، أسرة مرهقة و مدرسة عاجزة، العولمة نشرت الوعي لكن جيل اليوم مسطح الفكر لم يستفد من إيجابيات هذه العولمة و فضل الانغماس في مساوئها و ظواهرها المدمرة، مضيفا بأن المجتمع أرهق نفسه بنفسه و لابد من تحرك فعال لمواجهة الوضع بالتوعية المستمرة، و خلص إلى القول بأن جامعة قالمة كانت سباقة لإثارة الطابو المسكوت عنه و نظمت ملتقى حول طقوس الشعوذة و السحر و أثرهما المدمر على المجتمع، كان هذا قبل 10 سنوات و لم يكن الاهتمام بالموضوع كبيرا آنذاك لكن اليوم تطورت الاوضاع و أصبح الامر في غاية الاهمية و الخطورة و لذا بدا الجميع مهتما بهذا المرض الذي ينخر المجتمع في صمت.
و قال مسعود مديني أحد أبرز أئمة مدينة قالمة بأن المجتمع الجزائري أمام تحد كبير و خطير و لا يمكن تحميل المسؤولية للإمام وحده لأن ما يحدث اليوم يتجاوز منابر المساجد و أصبح الكل مسؤولا و الجميع مطالبون بالعودة إلى الدين الإسلامي لأنه كلما تراجع المعتقد الصحيح كثرت الشعوذة و كثرت الظواهر الاجتماعية المدمرة.
و ذهب المتدخل إلى حد المطالبة بالتصدي لمن وصفهم بالمشعوذين و الدجالين الذين لا يترددون في إثارة الفتن بين الناس و يحدثون الفرقة و الشقاق بين الأسر، متسائلا «لماذا لا يعاقب الدجالون و المشعوذون يجب أن يعرف الجميع بأنه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».
أفارقة ومغاربة نشروا السحر الأسود ببلادنا
و خلص مسعود مديني الى القول بأن «الغرب لا يدين بالإسلام لكنهم مستغربون منا و من أفعالنا و سلوكنا المنحط، إن أساس العلاج هو العودة إلى قيمنا الدينية الصحيحة لأن الدين هو الغذاء الروحي و صمام الأمان».
و أوضح عبد الحق حريدي أحد الإطارات المتقاعدين من قطاع التربية و إمام متطوع بأننا أمام فكر بدوي و سلوك تربوي مضطرب انتج مشاكل اجتماعية عويصة.
و أرجع الطاهر مقرودي أحد إطارات دار الشاب العلمية بقالمة أسباب انتشار الشعوذة و السحر و الطلاسم وسط المجتمع الجزائري إلى مهاجرين أفارقة و عمال مغاربة ينتشرون على نطاق واسع بالجزائر و يحترفون فنون الزخرفة و العمارة و ينشرون ما وصفه بالسحر الأسود، مضيفا بأن هذه المجموعات تستهدف الجزائر في أمنها و شبابها بنشر طقوس الشعوذة و تسجيل اختراقات خطيرة عن طريق مواقع الانترنت لاستقطاب الشباب و جرهم الى مستنقع يصعب الخروج منه. و حسب مراد قروي أحد المشاركين في اليوم الدراسي فإن المجتمع الجزائري لا يعاني من السحر و الشعوذة فقط بل يعاني أيضا من انتشار خطير لممارسي الرقية غير الشرعية، و أضاف بأن غالبية الناس الذين يستنجدون بالرقاة هم في صحة جيدة لكنهم يتوهمون المس و الجن و المرض و العين و سوء الحظ و كلما زاد الوهم انهارت الأجساد و سقطت الانفس في مستنقع الشعوذة و السحر، و ضرب مثالا على ذلك بفتاة أوقفها والدها عن الدراسة و حبسها في البيت لأسباب أخلاقية فتظاهرت بالصرع و المس و هي في الحقيقة سليمة في جسدها و عقلها و لا تستدعي استحضار الجن و الرقاة الذين زادوا من هموم المجتمع و يعقدون أوضاعه باستمرار في السنوات الأخيرة. و تطرق مختصون في علم النفس من سكيكدة و قالمة إلى السلوك التربوي و دور الأسرة في تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال قبل بلوغهم مرحلة الشباب ليصبحوا محصنين ضد الظواهر الاجتماعية المدمرة و لا يقعون في مستنقع الشعوذة و لا يسقطون في مواقع مغرية و خطيرة على شبكة الانترنت.
و حسب هؤلاء المتخصصين في علم النفس و تقويم السلوك البشري المنحرف فإنه من الأحسن ترك الحديث عن الظواهر الاجتماعية السيئة حتى لا تنتشر بين الناس لأن الباطل يموت بعدم ذكره و إثارة المواضيع الحساسة أحيانا تحدث نتائج عكسية مدمرة، كما يحدث هذه الأيام مع خرافات التطبيقات الوهمية على الهواتف الذكية.
فريد.غ