آباء يدفعون بأبنائهم إلى العمل بدعوى تقوية الشخصية
كثيرا ما ارتبط مصطلح عمالة الأطفال بالفقر و الحاجة المادية لأسر تدفع كل أفرادها للبحث عن توفير المال و إن كانوا في سن مبكرة، غير أن الظاهرة تأخذ لدى شريحة واسعة من الأسر الجزائرية منعرجا آخرا، فولدت عمالة من نوع ثان، يصنعها أطفال بدفع من أولياء يرون فيها أهم عامل في بناء شخصية قوية لأطفال يقضون عطلهم المدرسية بين التجارة، تحميل البضائع و حراسة مواقف السيارات غير الشرعية.
“ألفين فرنك يا خو”، بهذه العبارة الشبابية خاطبنا إسلام ذو الـ14 ربيعا بإحدى شوارع بودواو بولاية بومرداس، بصوت برئ كان يحاول تغليظه ليبدو أكبر سنا، كان يطلب مقابلا لركننا السيارة في مكان عام لا يشكل موقفا لا عموميا و لا خاصا، غير أنه أصبح كذلك خلال هذه العطلة المدرسية التي يقول إسلام بأنه استغلها و مجموعة من زملاء الدراسة للعمل و توفير بعض المال الذي يحتاجونه في أشياء خاصة و المساهمة في مصروف البيت إن أمكن.
و يقول أصدقاء إسلام بأنهم لا ينتمون لعائلات فقيرة، و ليست الحاجة دافعهم للعمل، فهم من عائلات متوسطة الدخل و مكتفية ماديا، غير أنهم يشاركون أوليائهم كما أكدوا لنا كون العمل أحد الركائز الرئيسية في صقل شخصية الأفراد و تمرين الأطفال على الاحتكاك مع باقي أفراد المجتمع ليكونون في المستقبل رجال أقوياء.
و إن كانت هذه المجموعة قد توجهت لحراسة مواقف السيارات، فإن آخرون قد تخصصوا في مجال التجارة بمفهومها البسيط، عبر بيع ما تنتجه الأمهات من كسرة منزلية، حيث تقول السيدة وردة بأن ابنها عبدو الذي يجتاز الامتحان النهائي للمرحلة الابتدائية، يبيع الكسرة التي تخبزها منذ بداية العطلة الربيعية، حيث يضع كرسي على حافة الطريق بمنطقة الحلايمية أين يجاور رجالا كبارا في السن يمتهنون نفس النشاط منذ وقت طويل.
و ترى الأم بأن هذا العمل لن يؤثر سلبا على ابنها خاصة و أنه ليس بداعي الحاجة المادية الملحة، بل على العكس من ذلك، فالعمل كما تقول يقوي شخصية الطفل و يحضره لأن يكون شابا قويا في المجتمع، مضيفة بأن الغاية لا تكمن في المال الذي يوفره بقدر ما تسعى لتكوين شاب يجمع بين الدراسة و التجارة خاصة و أن ابنها يعتبر من المتفوقين على مستوى مدرسته.
عمالة الأطفال، و إن كانت في هذه الأمثلة لأهداف أخرى كما يفسرها الأهل، إلا أنها تبقى إحدى أخطر الأمور التي يتهاون معها الكثيرون، ففي الوقت الذي يركز بعض الأولياء على الترفيه عن أبنائهم بعد أشهر من الدراسة عبر النزهات، حضور المسرحيات، المطالعة و الرياضة، نرى الكثير من الأطفال بأجسادهم النحيلة يحملون أثقالا بالمحلات التجارية للجملة بالطريق الرابط بين بلديتي بودواو و أولاد موسى ببومرداس، فرغم توفير التجار لتلك العربات الصغيرة الحاملة للأثقال، إلا أنهم يؤكدون توافد مجموعة من الأطفال خلال هذه العطلة طلبا للعمل، و هم من يستخدمونهم بأجر يومي تحكمه ما يحملونه من سلع، حيث يؤكد أحد التجار بأنه و في الوقت الذي يعود البعض للدراسة بعد انقضاء العطلة، ثمة شريحة أخرى تأبى مغادرة العمل بعد أن جربت مدخولها الخاص و إن كان زهيدا، و هي النتائج السلبية لكل هذا و التي لا يتحمل مسؤوليتها غير أهل يتهمهم بالأنانية و عدم التفكير في أبنائهم و حقهم الطبيعي بمعايشة كل مرحلة في وقتها.
و ترى الأخصائية الاجتماعية “خيرة،م”، بأن عمل الأطفال يشكل إجهادا بدنيا لفئة ضعيفة من الأساس، و يعتبر حرمان لحقوقه في الترفيه إذا ما استغل وقت عطلته، فهو بذلك يترك فرصة الترفيه أو المرتجعة، لولوج عالم ليس له، معتبرة تقديرات الأهل في المساهمة في بناء شخصية قوية أمرا خاطئ، حيث تقول بأن هذا يمكن له أن يتأتى عبر عمل من نوع آخر، يمثله العمل التطوعي مثلا الذي لا يجهد البدن، ينتج آثارا إيجابية تنعكس على نموه العقلي و الجيمي و الذهني، و هنا فقط يمكن تحقيق العمل الإيجابي الذي يعلم الطفل المسؤولية، التعاون، التسامح و كذا التطوع مع الآخرين.
فهاهي العطلة قد انقضت، و لم يتبق منها غير ذكريات ترسمها دنانير قليلة يتقاضاها هؤلاء في اليوم، و الاحتكاك بعالم يفوق سنهم بكثير، و مهما اختلفت الدوافع و الأسباب، تبقى عمالة الأطفال بكل أنواعها تلعب بأفراد لا يمتلكون غير أجساد نحيلة، يقتحمون بها عالم الشغل دون مقدمات، فيزاحمون قوى تفوق قواهم بأضعاف مضاعفة، و في انتظار تطبيق القوانين الصارمة، ما زلنا نشاهد أطفالا يتقمصون أدوارا غير أدوارهم.
إ.زياري