عاشق الضوء الذي “تحوّل” إلى ولي صالح!
« فارحل فأرض الله واسعة الفضاء طولها وعرضها شرقها وغربها»، هي عبارة نقش أحرفها الفنان المستشرق الفرنسي نصر الدين إتيان دينيه على أحد جدران بيته، الذي هو اليوم جزء من متحفه الخاص في مدينة بوسعادة، أين تعتلي لوحاته الجدران، بينما يرقد هو على بعد 3 كيلومترات من المكان، في ضريح لا تختلف قداسته عن قداسة أضرحة الأولياء الصالحين، كيف لا وهو الذي اختار البقاء وفيا لمدينة سحره ضوؤها فعشقها، وتخلى عن حياته الباريسية البورجوازية ليعتنق دينها، معلنا عن ميلاد علاقة حب ، تحضرك تفاصيلها وأنت تتنقل بين أركان المنزل وزواياه، وصولا إلى قاعة العرض الشرفية بالمتحف التي تحتوي على 12 لوحة أصلية أبدعتها ريشة الفنان.
« فارحل فأرض الله واسعة الفضاء طولها وعرضها شرقها وغربها»، هي عبارة نقش أحرفها الفنان المستشرق الفرنسي نصر الدين إتيان دينيه على أحد جدران بيته، الذي هو اليوم جزء من متحفه الخاص في مدينة بوسعادة، أين تعتلي لوحاته الجدران، بينما يرقد هو على بعد 3 كيلومترات من المكان، في ضريح لا تختلف قداسته عن قداسة أضرحة الأولياء الصالحين، كيف لا وهو الذي اختار البقاء وفيا لمدينة سحره ضوؤها فعشقها، وتخلى عن حياته الباريسية البورجوازية ليعتنق دينها، معلنا عن ميلاد علاقة حب ، تحضرك تفاصيلها وأنت تتنقل بين أركان المنزل وزواياه، وصولا إلى قاعة العرض الشرفية بالمتحف التي تحتوي على 12 لوحة أصلية أبدعتها ريشة الفنان.
في بوسعادة تحمل شوارع كثيرة اسم « إيتيان ديني، أو تيان ديني»، كما يحلو للسكان نطقه، فذلك الفنان الأوروبي الذي ولد ذات 28 مارس1861 لعائلة فرنسية بورجوازية، برز فيها محامون ورجال قضاء، تخلى عن ترف الحياة الباريسية، لينذر ريشته لرسم الوجوه و تجسيد البساطة و الحب الموجودين بقوة في هذه المنطقة الجزائرية البدوية، لأنه فتن بضوئها و هو كل ما تملك.
علاقة الوفاء بين المدينة و الفنان، يلمسها كل من يزورها، فالسكان هنا ينزلونه منزلة الأولياء الصالحين، حتى الأطفال يعرفون ضريحه و يحفظون قصته و هي، كما رواها لنا أهل بوسعادة، بل وحتى أطفال رافقونا إلى الضريح وهم يستظهرون القصة، قصة فنان ولد وهو يحمل اسم «ألفونس إيتيان ديني»، بعد إتمامه لدراسته الثانوية قبل في مدرسة الفنون الجميلة في باريس، أين تتلمذ على يد ويليام بوغيرو و توني فلوري.
ولدى تخرجه منها، فاز بوسام شرفي، وفي عام 1883 تحصل على درجة الشرف بلوحته «صخرة صاموا» (فونتين بلو)، وقام برحلته الأولى إلى الجزائر. وفي عام 1884 منحه صالون قصر الصناعة وساما ثالثا، كما قدم له منحة أتاحت له أن يقوم برحلة ثانية إلى الجزائر. وهكذا ذهب في رحلة طويلة حتى وصل إلى ورقلة و الأغواط، وهناك وجد ضالته ، إذ تركت المناظر الخلابة التي رآها في الجنوب أثرا عميقا في حياته، ومن بين اللوحات الرائعة التي استوحاها من الجنوب لوحة “سطوح الأغواط”.
وفي عام 1889 مُنح الوسامَ الفضي في المعرض العالمي المقام في باريس، وتعرف إيتيان ديني في نفس السنة، على شاب جزائري يُدعى سليمان بن إبراهيم باعامر، فتوطدت روابط الصداقة و الوفاء بينهما، ومنذ ذلك الحين صار بن إبراهيم يشاركه في كل مجالات حياته الفنية و الفكرية، قبل أن يأخذه إلى مدينته الأم بوسعادة ، التي انبهر ديني بضوئها و واحتها و استقر بها بداية من 1904.
ويقول رئيس لجنة الثقافة بالمجلس الشعبي البلدي ببوسعادة، و أحد مثقفيها، سعيد حبيشي، أن ديني قد أثر و تأثر بالحياة في المدينة و ساهم منذ تلك الفترة في تسوية العلاقة بين الجزائر و فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى، وتحديدا سنة 1914، و شارك في إنشاء الاتحاد الفني لإفريقيا الشمالية سنة 1925، كما يعد من المساهمين في مشروع بناء المسجد الأكبر في باريس سنة 1926، على اعتبار أنه صاحب فكرة إنشائه.
بدوره ، يضيف نور الدين العبادي، الباحث في سيرته الذاتية، و أحد وجوه الحركة الثقافية في بوسعادة ، بأن ديني كان حاضرا في الحياة الاجتماعية و لعب دورا كبيرا في الدفاع عن الضعفاء و النضال من أجل إخراج المدينة و أعراشها من الإقليم العسكري ، وقد نجح في مسعاه فعلا، إذ أن الإقليم تم تحديده لينطلق من حدود مدينة الجلفة.
علاقته بأعيان المدينة و سكانها كانت قوية و كان دائم المشاركة في المناسبات كالأعراس و الجنائز، وقد التحق بالمدرسة الدينية لتعليم اللغة العربية و تتلمذ على يد الشيخ سي أحمد الصغير ، المدعو « بابا أحمد البوسعادي»، فأتقن بذلك العربية نطقا و كتابة، و كذلك اللهجة البوسعادية ، لدرجة أن وصيته الأخيرة الموجودة على مستوى المتحف حاليا، خطت بخط عربي بوسعادي وقد توجه فيها إلى صديقه الوفي سليمان قائلا « لو كان صابتني الموت ، كتبت في كتيب وراثي، دفينة مسلم موحد وينقلوا فريستي لبوسعادة و يدفنوني هناك».
وبالفعل توفي في باريس في ديسمبر 1929عن عمر ناهز 68 عاما ، و نقل جثمانه إلى بوسعادة، و قد حضر جنازته كل من شيخ زاوية الهامل، الإمام بن سمايع ، مفتي العاصمة آنذاك، الأمين العمودي و توفيق المدني و الطيب العقبي و الحاكم العام الفرنسي.
وجود الفنان في المدينة لم يكن بالحدث العادي، فديني انصهر بشكل كبير في المجتمع البوسعادي، وهو ما يبدو جليا من خلال معالم الانتقال الثقافي و الفكري الذي يتجسد في مواضيع كتاباته و لوحاته، فديني الرسام و الكاتب قبل 1913 تاريخ اعتناقه للإسلام، ليس هو ديني الفنان و المفكر بعد هذا التاريخ.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن المكانة التي يحظى بها في المجتمع المحلي البوسعادي، تعود إلى احترامه لسكان المنطقة و ثقافتهم ،فهو لم يكن معمرا بل كان رحالة، اختار أن يستقر نهائيا في مدينة السعادة ، لأنه وجد فيها كمية كبيرة من الضوء أنارت لوحاته و روحه ودفعته لتغيير عقيدته و اسمه، ليصبح نصر الدين.
يقول في إحدى مؤلفاته «عرفت الإسلام فأحسست بانجذاب نحوه، وميل إليه فدرسته في كتاب الله، فوجدته هداية لعموم البشر، و وجدت فيه ما يكفل خير الإنسان روحيا وماديا، فاعتقدت أنه أقوم الأديان لعبادة الله، واتخذته دينا، وأعلنت ذلك رسميا على رؤوس الملأ».
و يضيف في كتاب آخر « إن الإسلام جعل لي السعادة في حياتي الفنية و الدينية، اعتناقي للإسلام ليس وليد الصدفة، فهو نتاج دراية و بعد دراسة تاريخية و دينية معمقة لجميع الديانات لفترة طويلة».
وهنا يعيب بعض مثقفي المنطقة على الأديب رشيد بوجدرة، إنكاره لحقيقة إسلام ايتيان ديني، فيقول الأستاذ نور الدين العبادي،، بأن الفنان أكد إسلامه في وصيته، و قبل ذلك من خلال فنه و كتاباته، مضيفا بأن ديني كان فنانا موهوبا، و قد لفت نظره الجانب الجمالي و الذوق الرفيع للحياة النبوية، لذا جاء في كتابه حول النبي محمد « لقد كان النبي يعتني بنفسه عناية تامة، و قد عُرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال».
و أكد من جهة أخرى «إن حركات الصلاة منتظمة تفيد الجسم والروح معا، وذات بساطة و لطافة وغير مسبوقة في صلاة غيرها».
و قال ديني بخصوص تعدد الزوجات: «إن تعدد الزوجات عند المسلمين أقل انتشارًا منه عند الغربيين الذين يجدون لذة الثمرة المحرمة عند خروجهم عن مبدأ الزوجة الواحدة! وهل حقًّا أن المسيحية قد منعت تعدد الزوجات! و هل يستطيع شخص أن يقول ذلك دون أن يأخذ منه الضحك مأخذه!
إنَّ تعدد الزوجات قانون طبيعي، وسيبقى ما بقي العالم، إن نظرية الزوجة الواحدة أظهرت ثلاث نتائج خطيرة: العوانس، والبغايا، والأبناء غير الشرعيين».
علاقة الحب بين الفنان و المدينة تتجسد من خلال لوحاته التي يضمها متحفه الموجود في وسط مدينة بوسعادة، هذا الصرح كان محط اختلاف لسنوات قبل تأسيسه، فقد تم اقتراح فكرة إنشائه سنة 1932، و وقع الاختلاف حول المكان، إما باريس أو العاصمة أو بوسعادة، لكن بعدما رفضت بلدية الجزائر تمويل المشروع سنة 1934، قرر الحاج سليمان بن براهيم وأخت الفنان إنشاء المتحف في بيته ببوسعادة، لكن بعد وفاة سليمان في 1953 نسيت الفكرة، و عادت لتبعث من قبل مجلس وزاري وطني سنة1969، و بعد خمس سنوات تشكلت مجموعة لدراسة المشروع و بدأت الأشغال في 1986، ثم توقفت بسبب مشكلة الورثة، واستأنفت بعدها سنة 1992، و في 18 ماي 1993دشن رسميا.
المتحف يضم منزل الفنان فهو جزء من هيكله العام، إذ تطل شرفة غرفة الفنان سابقا ، على بهو العرض الرئيسي، أما لوحات ديني التي يزيد عددها عن 500 لوحة، فلا يوجد منها بالمتحف سوى 12 لوحة أصلية فقط، أما الباقي فموزع بين متاحف العاصمة و باريس و قسنطينة.
و قد تم إنشاء غرفة عرض وحفظ خاصة لحماية اللوحات الأصلية، في انتظار اعتماد مخبر ترميم بالمتحف على المدى القريب.
ويحتوي جناح العرض الخاص به ، بالإضافة إلى اللوحات، مقتنيات شخصية كسيف و طاسة من النحاس، وسام شرف و مقتنيات بسيطة أخرى، إضافة إلى صور التقطها بكاميرته الخاصة، فقد كان أول من أدخل آلة التصوير إلى بوسعادة، و حصل المتحف على 6 صور من حفيدة ابنه بالتبني سنة2006، فديني لم يتزوج قط و لم يترك ورثة.
أما اللوحات فهي إبداع لا متناه، ربما أشهرها هي لوحة «المرأة والعرافة» التي شاهد الجميع نموذجا عنها في الرزنامات و الأجندات.
عند مدخل المتحف يوجد درج صغير، يقودك إلى باب منزل نصر الدين ديني، وهو عبارة عن بيت جميل و واسع ، يشبه البيوت القديمة في منطقة الجنوب مصنوع من الخشب و الحجر، سقفه في حد ذاته تحفة عمرانية خشبية مميزة بتفاصيلها الدقيقة.وقد علمنا من زبيدة نويبات، محافظة التراث و رئيسة قسم النشاطات الثقافية بالمتحف، بأن هذا السقف خضع للترميم قبل سنوات، لكنه حافظ على خصوصيته.
جولة بين أركان المنزل المكون من طابقين ، تبين بوضوح بأن ديني عاش حياة رغدة ولا تشبه حياة متصوف، فالدار تشبه قصر أعيان المدينة إلى حد كبير، تزينها ثلاث لوحات من المنمنمات العملاقة، أما غرفته فتوجد في آخر رواق الطابع العلوي، شرفتها تغطيها مشربية خشبية، أوضحت محدثتنا، بأنه أحضرها معه من الشام، ويبدو جليا بأن تأثير الضوء قد أخذ بعين الاعتبار عند تصميم النافذة، أما الشرفة فتطل على ما كان حديقة في تلك الفترة من حياة الفنان.
يوجد في المتحف الذي يضم كذلك لوحات فنانين آخرين، أمثال البلجيكي إدوارد فيرشافيلت، مجموعة أصلية لإتيان ديني مكونة من 12 لوحة، تختلف أحجامها بين الحجم الكبير «120/61 سنتيميترا»، و الحجم المتوسط أو الصغير 63/80 سنتيمترا»، كلها لوحات زيتية على القماش، تغلب عليها الألوان التي تعكس طبيعة المنطقة، فنجد لون الصحراء و الواحة و الجبال و الوادي، كما تتميز لوحاته بلون بشرة أبطالها « الخمري» القريب إلى الحقيقة.
تقول الفنانة التشكيلية و الباحثة في فن نصر الدين ديني رقية سرقين، بأن الفنان ابن المدرسة الواقعية، و قد استطاع أن يعبر عن أدق تفاصيل الحياة في لوحاته، إذ أفرد مساحة كبيرة وهامة للضوء، كما أن لفنه فلسفة متفردة ، فهو يجمع بين البعد العقائدي و الاجتماعي و يحافظ بشكل كبير على خصوصية المنطقة، كما أنه يحترم في عمله خصوصيات السن لدى شخصياته و طبيعة كل فرد، فيصور الطفل بطريقة تختلف عن الكهل وعن الشيخ، كما أنه يحترم انعكاسات الضوء و الظل، و من أبرز اللوحات الموجودة في المتحف حاليا:
ـ القطيع
ـ البدو
ـ المهاري 1896
ـ رأس عربي 1912
ـ ترقب هلال رمضان1910
ـ ترقب هلال الفطر 1923
ـ ينبوع على ضوء القمر
ـ امرأة مسلمة تصلي على سطح بيتها1914
ـ الانطلاق إلى مكة المكرمة 1929
ـ امرأة مطلقة 1913
و كذا لوحة الخروج من المدرسة القرآنية 1923، وهي لوحة أكدت الواقعية في أعماله، فالطفل الذي يظهر فيها هو شخصية حقيقية، اتضح لاحقا بأنه الشيخ بن حدودو ابن بوسعادة، وقد كان إمام مسجد توفي عن عمر ناهز 52 سنة. قالت المختصة « بالمقارنة مع الرسامين الحداثيين مثل هنري ماتيس، الذي زار أيضا شمال إفريقيا في العقد الأول من القرن العشرين، فإن لوحات ديني جد متحفظة، فهو يحب التمثيل والمحاكاة و الواقع الإثنوغرافي، في تعامله مع الموضوع. درايته وفهمه للثقافة واللغة العربية، ميزته عن الفنانين المستشرقين الآخرين، مما مكنه من العثور على نماذج عارية في الجزائر الريفية، وهو أمر صعب في هذه المجتمعات العربية الأمازيغية، إذ يمكن وصف معظم أعماله قبل سنة 1900 ، بأنها مشاهد بشرية واقعية ومعاصرة، وقد ركز قبل إسلامه على تصوير المرأة في جانبها الجسدي و الحسي و لديه لوحات عنوانها « النساء المستحمات»، لكنه و بعد أن زاد اهتمامه بالإسلام، بدأ برسم الموضوعات الدينية، وقد قدم بوسعادة للعالم كجنة الله على الأرض».
و أضاف الأستاذ نور الدين العبادي، المهتم بفن ديني و سيرته الذاتية، بأن لوحات الفنان، «تبرز تطوره و تغير نظرته لما يحيط به ، فالطبيعة و المجتمع البوسعادي أخذا القسط الأوفر من أعماله».
عن أسعار أعمال ديني، يقدر العارفون بأن أقل سعر لأي عمل من أعماله، تخطى حاجز 700 ألف أورو، وكل عام ترتفع أسعارها بسبب اهتمام الصحافة الخليجية و العالمية بها، فحسب محافظة التراث بمتحف نصر الدين ديني زبيدة نويبات، فإن عدد الزوار المهتمين بلوحاته يفوق 5 آلاف زائر سنويا، جلهم سياح و باحثون من السعودية و دول الخليج و أمريكا و اليابان وأوروبا، وهو ما رفع أسعار لوحاته، إذ تباع بعض أعماله في «غاليري ديغو» في باريس، مثل لوحة «الراقصة ذات الوشاح» بمبلغ يفوق 700 ألف أورو، وكذلك الأمر بالنسبة للوحة «امرأة مطلقة»، ولوحة «سطوح الأغواط».
و تُزين أعماله معجمَ «لاروس»، وتوجد في الكثير من متاحف العالم ،مثل متحف برلين، ومتحف باريس، ومتحف سيدني، ومتحف طوكيو، إضافة إلى متحف الفنون الجميلة في الجزائر العاصمة.
يشير نور الدين العبادي إلى أن مكتبة نصر الدين ديني كانت من أهم مكتبات عصره، وقد اقتنى منها المرحوم مصطفى الأشرف عددا من الكتب، وهو ما ذكره في كتابه «أعلام و معالم»، الذي كرم من خلاله الفنان، كما تحدث عنه أيضا باحترام و إعجاب توفيق المدني، خلال تأبينيته في 12جانفي 1930.
ديني من منظور هؤلاء، لم يكن رساما فقط، بل مصورا و كاتبا ومترجما عاشقا لشعر عنترة بن شداد العبسي، و مفكرا من أشهر أعماله قبل إسلامه رواية «خضرة « سنة 1910، الراقصة النايلية التي تحدث من خلالها عن المرأة في المجتمع البوسعادي، فكان الوصف حسيا أكثر، وقد ألف أيضا خلال تلك المرحلة من حياته كتبا عديدة أخرى على غرار:
ـ شعر عنتر سنة 1898
ـ لعبة الأضواء سنة 1905
ـ ربيع القلوب سنة 1902
ـ آفات الألوان و وسائل التغلب عليها سنة 1904
ـ سراب سنة1906
ـ لوحات الحياة العربية، الصحراء، وكتاب الفيافي و القفار1911.
وبعد إسلامه ألف كتابا حول حياة النبي محمد 1915/1918، و كتاب الشرق من منظور الغرب سنة 1922، إضافة إلى كتاب الحج سنة 1929.
وبدراسة بسيطة لعناوين مؤلفاته، يتضح بأن ديني كرس آخر سنوات حياته لدراسة الإسلام و المسلمين و تأثيرهم على العالم، وقد قدم مداخلات عديدة في ملتقيات فكرية و أدبية بباريس للدفاع عن الدين، أبرزها مداخلته في سنة 1924 دافع من خلالها عن النبي محمد عليه أفضل الصلاة و السلام.
تأثير نصر الدين ديني على المنطقة لا يقتصر فقط على إسهاماته الثقافية و الفنية و الفكرية، بل يمتد إلى أبعد من ذلك فقد زرع بذرة الفن في المدينة لتثمر حبا للريشة والألوان، توارثه أبناء بوسعادة جيلا بعد جيل و اليوم تحصي مدينة السعادة أزيد من 50 فنانا تشكيليا.
أما على الصعيد الدولي، فقد روجت لوحات و أعمال إيتيان ديني للمنطقة سياحيا، و ألهم جمالها الفنانين من مختلف أقطار العالم، ما شجعهم على زيارتها و تجسيدها في أعمال تجوب اليوم متاحف العالم و يتجاوز عدد الفنانين الذين رسموا الحياة في بوسعادة100 فنان، أبرزهم إدوارد فيرشافيلت البلجيكي الذي استقر بالمنطقة و تزوج من إحدى نسائها، واعتنق الدين الإسلامي أيضا وعاش في المدينة إلى غاية وفاته سنة 1955،وقد كرم متحف المنطقة ابنة الفنان وزوجها المخرج أحمد راشدي مؤخرا.هذا و لا تقل إسهاماته عن ما قدمه الفنان الرسام بن سليمان أحمد وهو من أبناء بوسعادة الذين نذروا ريشتهم لرسمها وهو أحد رواد الرسم على المسند « المنمنمات»، وهناك أيضا فنانون مستشرقون كثر، منهم من زار الواحة لأيام ومنهم من مر بها وهو في طريقه إلى الجنوب ، فعشقها ، نذكر منهم أوسكار سبيلمان، و أرمان جمار الذي رسم ثلاث لوحات « ضواحي بوسعادة، رحبة الموامين و منظر وادي بوسعادة»، و لويس قرناتة و من أعماله» شخص بوسعادي، و الاسكافي»، و آلان دانيلو و من أعماله « بوسعادة 1928»، و إيجين جيراردي، الذي رسم لوحة عنوانها « باب مفتوح على بوسعادة». و كذا جورج قاست» و لديه لوحات شهيرة من بينها »من بوسعادة و رجل بدوي»و كونستونتان فونت و أهم أعماله « الطفل شميمت» و كذا مرغاريت ديتشي و أشهر لوحاتها « الراقصة، ومجموعة نساء» إلى جانب فنانين آخرين. أما بالنسبة للمنمنمات ، فقد ألهمت بوسعادة محمد راسم و علي خوجة و محمد غانم و محي الدين بوطالب و عبد الكريم صنصاف و بشير يلس و محمد فرحات. و اليوم عندما تزور متحف نصر الدين ديني ستتاح لك الفرصة لرؤية أعماله، إلى جانب أعمال أصلية لفنانين معاصرين من أمثال إسياخم، علي خوجة و صافية زوليد، عايشة حداد و محمد خدة، بالإضافة إلى الفنان الروسي سيلوف.
روبورتاج : نور الهدى طابي /صوير شريف قليب