إطارات اخترن التضحية بمناصب سامية حفاظا على أسرهن
تضطر الكثير من النساء المتفوّقات دراسيا و مهنيا للتخلي عن مناصب سامية و اختيار وظائف أخرى بسيطة، تجنبا للمشاكل الزوجية و كتضحية لأجل حماية أبنائهن من التشتت العائلي، و ذلك أمام تعنت و رفض الزوج رؤية زوجته تمارس وظائف يراها حكرا على الرجال.
خولة، سمية، آمال و رجاء... عينة لنساء كثيرات ، حققن نتائج دراسية عالية، فتحت أمامهن الأبواب لتقلّد مناصب مهمة في مجالات يكسبن منها ذهبا على حد تعبير بعضهن، غير أنهن وجدن أنفسهن مجبرات على تغيير مجال تخصصهن و الاكتفاء بمناصب عمل بسيطة، نزولا عند رغبة الزوج و خوفا من الطلاق، حيث تخلين عن تعب و جهد سنوات من الدراسات العليا في مجالات رفعن التحدي لاقتحامها، ليرضين في آخر المطاف بمهنة إدارية أو التدريس في الطور الابتدائي على سبيل المثال ، لأن أزواجهن أرادوا ذلك، و قد رصدت النصر تجارب بعض النساء اللائي حرمهن الزواج من تحقيق حلمهن المهني.
في الوقت الذي تتجه فيه أنظار الحركة النسوية إلى المشاركة في العمل السياسي، نجد أن ثمة من استسلمن لظروفهن الاجتماعية، و وافقن بمحض إرادتهن على التضحية بديبلوماتهن العليا، و رضين بمهن كان بإمكانهن ممارستها دون الحاجة إلى هذه الشهادات و التفوّق الدراسي، بعد أن سهرن و خضن الصعاب لأجل الفوز بها، مثلما ذكرت خولة/م الحائزة على دكتوراه دولة في البترول و التي خاضت تجربة مهمة في شركة أجنبية بالخليج لمدة سنتين، فحققت بفضلها الكثير من أحلامها و عاشت الرخاء المادي، قبل أن ترتبط بابن عمتها و ترزق منه بتوأم في عامها الثاني من الزواج، غير أن فرحتها لم تكتمل لأنها خسرت وظيفتها، بسبب زوجها الذي رفض وتيرة عملها و مكوثها بقاعدة الحياة، بعيدا عن عائلتها ، مما اضطرها للاختيار بين أسرتها الصغيرة و مجالها المهني بعد أن اجتهدت كثيرا للوصول إلى تلك المرتبة المشرّفة التي صنعت فخر والديها، قبل أن يحطم ابن عمتها و زوجها الذي خيّرها بينه و بين مهنتها.
تقول خولة أنها لا تزال تحت الصدمة، رغم مرور ثلاث سنوات على قرار تغيير وظيفتها، معترفة بأنها رفضت تقلد منصب مسؤولية في مجال عملها الجديد بمجمع صناعي مختص في إنتاج المواد البتروكيماوية، ليس لقلة خبرتها أو كفاءتها و إنما بسبب التقاليد و الأعراف الاجتماعية مرة أخرى، تماما كما في تجربتها السابقة، لأنها تدرك بأن زوجها يرفض فكرة سفرها لتمثيل الشركة بدول أجنبية.
و أردفت محدثتنا بأنها، و إن لم تبتعد كثيرا عن مجال تخصصها، غير أنها تشعر أحيانا بالندم و خيبة الأمل، لأنها لم ترتبط بشخص يساعدها على تحقيق طموحاتها و لا يقف حجر عثرة أمام تألقها المهني، مثلما ذكرت.
و إن كانت خولة قد رضيت بوظيفة إدارية في مجال تخصصها، فإن سمية الحائزة على شهادة مهندس في مجال الهندسة المدنية، اضطرت للتضحية بكل ما حققته من نجاحات في مجال دراستها، حيث كانت الأولى على دفعتها ثلاث سنوات على التوالي و حظيت بفرصة العمل بشركة أجنبية بالعاصمة، لكن مسؤوليتها كأم لطفلين، أرغمتها على اختيار مهنة قالت أنها لم تفكر يوما في امتهانها، لأن طموحها كان فتح مكتب دراسات خاص بها، غير أن ظروفها المادية و زواجها و إنجابها ، حالوا دون تحقيق ذلك، خاصة و أن علاقتها الزوجية كادت تنتهي، لولا تضحيتها بمنصب عملها بشركة مختصة في بناء الجسور و المنشآت الكبرى، مثلما ذكرت، مؤكدة بأنها اضطرت للمشاركة في مسابقة توظيف الأساتذة تلبية لرغبة و اختيار زوجها بتشجيع من والديها اللذين كانا قاسيين معها و أخبراها بأنها ستجد نفسها دون عائلة، إن هي فضلت المهنة على زوجها و طفليها، و هي اليوم أستاذة في الطور الابتدائي، رغما عنها، مثلما قالت.
قصة آمال لا تختلف عن سابقتيها، لكنها تثير الأسف أكثر، لأن تجربتها لم تكن بالشيء اليسير، باعتبارها درست هندسة الطيران بمعهد متخصص بباريس، وكانت ضمن الطالبات القلائل المتفوقات، لكن صدمتها الأولى كانت في عدم تساوي الأجور بين الرجل المهندس و المهندسة، حيث أكدت بأنها تفاجأت و هي توقع عقد عملها بشركة فرنسية، بأن أجرها أقل من أجر زميل لها بنفس الدفعة بنسبة 30بالمائة، لكن مدة العقد كانت قصيرة و لم تتجاوز السنة و نصف، ففضلت مواصلة دراساتها العليا على أمل الحصول على منصب أرقى، غير أن طموحها تحطم بوفاة والدها و عودتها إلى قسنطينة للاعتناء بوالدتها و شقيقتها المريضة، فاضطرت للقبول بأول فرصة عمل تتحصل عليها في مجال تسويق المواد شبه الطبية، فرفض خطيبها و شريك حياتها اليوم هذا النشاط. و رغم إصرارها على متابعة دراساتها العليا في مجال تخصصها في مجال علم الطيران، رفض زوجها سفرها إلى العاصمة للدراسة و أرغمها على العمل كأستاذة رياضيات في الطور الثانوي.
رجاء التي تمكنت من توفير أموال طائلة بفضل عملها كممثلة تجارية لمخبر أدوية أجنبي، جابت بفضله كل ولايات الوطن و دول الجوار، اضطرت إلى توديع مقود سيارتها و رحلاتها الجوية الكثيرة، بعد ارتباطها بوالد طفلتيها الذي رغم عمله في نفس المجال، رفض فكرة سفرها المستمر و تنقلها الدائم بين المدن، خاصة بعد الحادث الذي تعرّضت له طفلته البكر ببيت والدته في غيابهما، و الذي كاد يودي بحياتها لولا تواجد شقيقه ببيت والدته العجوز في الوقت المناسب، حيث سردت آمال أن ابنتها مكثت بالمستشفى يومين، دون أن تعلم بالأمر، لأنها كانت في مهمة عمل بتونس، و نفس الشيء بالنسبة لزوجها الذي كان بمهمة بالعاصمة و الذي وصل في ساعة متأخرة من الليل، ليجد ابنته في غرفة الإنعاش بعد سقوطها من درابزين بيت والدته، و هو الحادث الذي جعل زوجها يخيّرها بين أسرتها و بين عملها، فاضطرت لاختيار طفلتها و راحتها الأسرية، مما دفعها لتغيير وظيفتها و التخلي عن أجرها العالي و الاكتفاء براتب أستاذة علوم طبيعية بالطور المتوسط.
مريم/ب