في كتاباتي أدين الجميع وأدين نفسي
احتضنت دار الثقافة هواري بومدين بمدينة سطيف، أوّل أمس ندوة احتفالية خاصة بالكاتب والروائي كمال قرور، وشهدت هذه الاحتفالية التي نظمها النادي الأدبي، تكريم الروائي مع بيع بالإهداء لروايته الأخيرة «حضرة الجنرال»، وكذا تقديم قراءات في تجربته ورواياته. كما تحدث الكاتب في هذه الندوة الاحتفالية عن تجربته في الصحافة والتجارة والكتابة الأدبية التي استقر به مطافها على ضفاف الرواية.
صاحب «سيد الخراب»، تحدث بصراحة كبيرة، و قال في البداية «لا أحب الحديث عن نفسي لا بالسلب ولا بالإيجاب، فقط أحيانا أقول أنّي سيء الحظ، لكن حين أراجع أموري أرى أن حظي بشكل ما جيّد، لكن هناك مفارقة: أحيانا عندما أطلب أو أسعى لتحقيق بعض الأمور لا تأتي فأشعر بالفشل، لكن حين أدير لها ظهري، تأتي، تأتي كما لم أكن أتوقع أبدا».
قرور تحدث أيضا عن بداياته في الصحافة، في العاصمة، حيث اشتغل في مجلة الوحدة، بعدها عاد إلى مسقط رأسه العلمة، و هناك أسس دار الفارابي للنشر، لكنّه لم ينجح في هذا المشروع الذي وضع فيه كلّ المال الذي منحه له والده من أجل أن يشتغل في مجال الاستيراد و التصدير، لكن ولعه بالأدب و الصحافة، جعله يستثمر المبلغ في دار نشر صغيرة.
و يعترف قرور أن المشروع فشل و أنّه خسر كلّ المال وهذا ما أصابه بنكسة وخيبة «فشلت في مشروع النشر الذي راهنتُ عليه كثيرا وبحماس. وعندما خسرت كلّ أموالي وفشلت، شعرت بنكسة كبيرة».
بعد فشل تجربة النشر و المطبعة، ذهب قرور إلى عالم الصحافة مرّة أخرى، لكن فشل أيضا مشروع الجريدة التي أسسها، و تعرض للمحاكمة و إغلاق الجريدة، (بسبب مقال كتبه و خاض فيه في أمور سياسية بلغة بذيئة)، و هذا ما جعله مرّة أخرى يصاب بإحباط.
في هذه الفترة، يضيف قرور «بعد سنة 2000، أي بعد فشل تجربة الصحافة، وصلتُ لطرح أسئلة وجودية كثيرة، ثم آمنت بالأقدار، فلولا هذه الانكسارات و الإحباطات و الفشل لما حققت ما أنا عليه الآن. هذه التجارب الحياتية المتعددة جعلتني أتأكد أن الفشل هو الموجود، و أننا نستثمر فيه، ونُصدره. الحقيقة هناك فشل، لقد اكتشفت الطابو الرابع، إنّه الفشل، شيء موجود بداخلنا و مسكوت عنه ولا مُتحدث عنه، لكن تراكم التجارب من جهة هو ما يصنعنا، التجربة هي التي تخلق الإنسان».
بعد إغلاق جريدته نهاية التسعينات، قرر الانخراط في عالم التجارة، العالم الذي أراده له والده، والذي سعى من أجل أن يكون أحد رجالاته. وهنا يقول قرور «لم يكن الأمر سهلا، لم أستوعب أن أكون تاجرا، هناك فشل بداخلي أشعر به تجاه التجارة، لكن لأنّ خطابي غير مُرحب به: (خطاب الصحافة، السياسة، المواطنة)، ذهبت إلى التجارة، ودخلت عالمها، لم أقتنع في البداية، لكن مع إكراهات أبي و تراكمات التجارب تفوقت فيها.
كان أبي دكتاتورا معي، لكن مع الوقت فهمتُ أنّ دكتاتوريته كانت في صالحي ومن أجل أن يرى ابنه رجلا، كان يمارس عليّ القمع والدكتاتورية، لكن في الواقع كان يمارسها كذريعة من أجل أن يصنع مني الرجل الذي يريد، الرجل الناجح المتفوق الذي يفخر به، وبالفعل انطلقتُ في التجارة ونجحت فيها».
كمال قرور، تحدث بعدها عن انخراطه في الرواية، قائلا «لا أعرف كيف دخلت الرواية وعوالمها، كنت في بداياتي أكتب القصة القصيرة، و لم أحلم بكتابة الرواية، لكن فجأة وجدت نفسي أكتبها. ما أعرفه جيدا، أن الكتابة عندي هي نوع من المتعة، أمارسها كي أرتاح من ضغط العمل و الواقع اليومي، هي من أجل المتعة والإمتاع، أنا أعيش السعادة ولو كاذبة من خلال الكتابة، في الكتابة أصنع لنفسي أشياء لا أجدها في الواقع».
قرور الذي ظلّ وفيا للخط السردي المشحون بالتراث، منذ «التراس»، و»سيد الخراب»، وصولا إلى «حضرة الجنرال»، قال أن التراث الشعبي الجزائري والعربي بصفة عامة كان من أهم متكآت كتاباته. مواصلا في هذا السياق»الأدب الشعبي هو الأفق الذي كنتُ أبحث عنه، انطلقت رحلة الكتابة عندي من النظر إلى الداخل وليس الانبهار بالآخر، كان عليّ أن أضع قدمي على التراث، هذه الذاكرة المشحونة بالتراث، والموروث الشعبي، هي التي أعطتني هذا الغذاء الروحي والفكري والذي استفدت منه في كتاباته».
صاحب «التراس»، الذي عاد مؤخرا بحماس وإصرار للنشر من خلال دار «الوطن اليوم»، خلص في الأخير إلى القول «في كتاباتي أدين الجميع وأدين نفسي، وأعترف أنّه عندي سوابق كثيرة في الكتابة السياسية، وأنا أمارس حقي وحريتي داخل النص، أصول وأجول بحرية وهذا ما يهمني طبعا».
نوّارة لـحرش