عائلات قسنطينية تنهي القطيعة مع نصب الأموات
عادت الحياة، مؤخرا، إلى نصب الأموات الواقع بأعالي مدينة قسنطينة، و أصبح توافد العائلات و السياح الأجانب، على المكان، مُلفتا، بعدما كان إلى وقت قريب حكرا على المنحرفين، حيث شجّع التواجد الدائم لمصالح الأمن على استقطاب المواطنين، خصوصا في عطلة نهاية الأسبوع.
و لاحظنا في زيارة لنصب الأموات الواقع على هضبة صخرية مرتفعة لا تبعد سوى بأمتار قليلة عن المستشفى الجامعي، أن حظيرة السيارات الواقعة بالقرب منه امتلأت عن آخرها، إلى درجة أننا وجدنا صعوبة كبيرة في الركن، و قد كان ترقيم المركبات من مختلف ولايات الوطن، و حتى من دول أجنبية مثل تونس، فيما لم يتوقف توافد العائلات على المكان و فضّل العديد من القسنطينيين الذين يقطنون بالقرب منه التنقل إليه مشيا على الأقدام.
و ذكر مواطنون صادفناهم بالمكان، أنهم استطاعوا لأول مرة اصطحاب أفراد العائلة للاستمتاع بهذا المعلم المطل على كامل مدينة قسنطينة، و حتى على مشارف حي بكيرة و المناطق البعيدة، بالنظر إلى موقعه المرتفع الذي اختاره المستعمر سنة 1934 من أجل وضع تمثال يرمز إلى الهة النصر، التي كان يعتقد الرومان و اليونانيون أنها جالبة للحظ، حيث أنجز تخليدا لأرواح الجنود الفرنسيين و كذا الجزائريين الذين سقطوا في ساحات المعارك ضد النازية، و دفعوا غاليا ثمن تضحياتهم من أجل نيل التحرر من فرنسا، التي لم تف بوعدها و ارتكبت في حق الشعب الجزائري مجازر 8 ماي 1945.
و ذكرت سيدة وجدناها بالمكان، أنا ما شجعها على القدوم مع أفراد عائلتها، هو التواجد الدائم لرجال الشرطة، و هو ما جعل مخاوف أسرتها تتبدّد بعدما حرمت لسنوات عديدة من زيارة نصب الأموات، و قد وجد الأطفال في الساحة الكبيرة موقعا مناسبا للعب، فيما انشغل الشباب بالتقاط صور “السيلفي» قرب المعلم، بينما فضلّ آخرون الاستمتاع بالمناظر الخلابة التي يطل عليها نصب الأموات، و استنشاق الهواء النقي الذي يميز المكان، خصوصا في ساعات ما بعد العصر، و الملفت أن بعض العائلات افترشت الأرض للاستمتاع بشرب الشاي و القهوة بالمكان.
و معلوم أن تمثال آلهة النصر بنصب الأموات مصنوع من مادة البرونز، و هو على هيئة امرأة مجنحة تتأهب للتحليق، حيث يعتلي قاعدة حجرية مصقولة تشبه قوس النصر في باريس، و هو عبارة عن نموذج للتمثال الأصلي صغير الحجم، الذي اكتشف بحي القصبة بين سنتي 1940 و 1944، لكن المعلم تعرض للتخريب و حاولت جهات التخلص منه سنة 1982، لولا تدخل والي قسنطينة آنذاك شعبان عبد الرحيم، و رغم ذلك، تحوّل نصب الأموات إلى مكان “مشبوه” بالنسبة للقسنطينيين في السنوات الأخيرة، بعدما صار قبلة للمنحرفين، و أصبح التنقل إليه مغامرة غير محمودة العواقب قد تنتهي بالتعرض لاعتداء خطير، و هو وضع لم يدم طويلا، بفضل الجهود التي بذلتها مصالح الأمن بولاية قسنطينة، من خلال ضمان تواجد الشرطة الدائم بالمكان، و نصب كاميرات مراقبة بمحيطه.
ي.ب